عبد الله الدامون من طنجة (شمال المغرب): لاسباب كثيرة يمكن اعتبار زيارة العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس إلى المغرب تاريخية، فللمرة الأولى يعلن العاهل الإسباني أمام الحكومة المغربية وأكثر من 600 برلماني أن إسبانيا مستعدة للدفع بمشكلة الصحراء نحو الحل.

و ترك خطاب العاهل الإسباني في البرلمان المغربي في أفواه المستمعين بعض مذاق العسل بفضل النبرة التأكيدية للدور الذي ستلعبه إسبانيا في ذلك، بل إن الملك خوان كارلوس زاد عن ذلك حين قال إن بلاده ستلعب دورًا مناصرًا للمغرب أمام الاتحاد الأوروبي.

لكن الدعم الإسباني للمغرب بخصوص قضية الصحراء لا يعني الانحياز للموقف المغربي بشكل سلبي، بل إن إسبانيا تعني بمسألة الدعم أنها ستناصر المغرب كلما اقترب أكثر من موقف الوساطة الإسبانية التي تهدف إلى تقريب وجهات نظر كافة الأطراف المعنية بمشكلة الصحراء.

ويقول العاهل الإسباني بالحرف إن إسبانيا "ستقرب وجهات نظر كافة الأطراف من أجل الوصول إلى حل متفق عليه ونهائي تحت إشراف الأمم المتحدة".

موقف العاهل الإسباني الذي يحمل في طياته الكثير من التفاؤل يمكن أن يعطي بالفعل نفسًا جديدًا وقويًا للدفع بهذا النزاع الذي طال لثلاثين سنة نحو حل نهائي كان يبدو في كل مرة أنه أبعد حتى من حل أكثر النزاعات في العالم استعصاء.

وقبل خطاب العاهل الإسباني أمام البرلمان المغربي كان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، الخبير في حل النزاعات الدولية، عبر قبل ذلك بعدة أيام أنه متفائل بإيجاد حل لقضية الصحراء خلال الفترة التي سيقضيها في منصبه خلال حكم الحزب الاشتراكي بزعامة خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، أي أن النزاع لن يطول أكثر من أربع سنوات في أقصى الحدود.

وحين يأخذ موراتينوس على عاتقه هذا التحدي الكبير فإنه ربما يدري أن في جعبته الآن الكثير من الأوراق الرابحة التي لم تكن متوفرة في السابق.

ففي السنوات الماضية كانت إسبانيا تتخذ من قضية الصحراء ورقة للضغط على المغرب من أجل كسب قضايا أخرى، من بينها دفع المغرب إلى الصمت الأبدي عن قضية سبتة ومليلية. كما أن جبهة البوليساريو تحظى بتعاطف شعبي كبير في إسبانيا وهذا ما لا يمكن لأي حكومة إسبانية أن تتجاهله، سواء كانت من اليمين أو من اليسار. كما أن الصحراء كانت في وقت من الأوقات فرصة لسماسرة السلاح في إسبانيا كي يبيعوا بضاعتهم لجميع الأطراف وبعد ذلك يبكون على جميع الضحايا.

اليوم لم يعد الحل العسكري ممكنًا في الصحراء سواء للمغرب أو لجبهة البوليساريو، وحتى للجزائر التي تتنصل دائما من هذا المشكل.

لكن الحماس الإسباني لحل "متفق عليه لقضية الصحراء" لن يكون من دون مقابل. فهذا البلد الذي خرج من الدكتاتورية في السنة نفسها التي بدأ فيها الصراع حول الصحراء، يدرك أن العالم لم يعد كما كان قبل ثلاثين سنة، لذلك هو يرغب اليوم في جني أرباح من مغرب عربي مستقر وهادئ وغير مثير للقلاقل. إسبانيا ترغب اليوم في شراء الغاز من الجزائر القريبة بأسعار أفضل مما يمكن أن تشتري به من قطر أو السعودية مثلا، وهي ترغب في شراء الفوسفاط من المغرب والاستثمار فيه على اعتبار أنه أقرب البلدان الإفريقية إليها. وترغب في دخول شركاتها مستقبلا إلى الصحراء للاستثمار في "جنة البترول" المقبلة. وترغب أيضًا في شراء الرمل من موريتانيا لتأثيث شواطئ جزر الكانارياس والجنوب الإسباني التي يرتادها الملايين من السياح كل عام. لذلك لم تعد الرمال تلك البضاعة الرخيصة المثيرة للسخرية.

وعلى العموم فإن إسبانيا، باتفاق أكيد مع باقي دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، تضع أمام الأطراف المعنية بنزاع الصحراء ورقتين: الورقة الأولى تعني استمرار النزاع وخسارة الجميع، وهو خيار لم يعد يحظى بقبول كبير، والورقة الثانية تعني وقف النزاع بوساطة حلول قيصرية لو تطلب الأمر، لكنها حلول تفتح بابًا كبيرًا على مستقبل اقتصادي يبدو واعدًا وفي مصلحة الجميع.

ربما لن يطول وقت التفكير من أجل اختيار إحدى الورقتين ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، تبدو قضية الصحراء قريبة جدا من الحل خصوصا وأن العالم تعب من هذا النزاع.

كارلوس يذكّر المغاربة بحقوق الإنسان

ولم ينس العاهل الإسباني تذكير منظمة العفو الدولية له ب"انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب" حيث أشار إلى ذلك بوضوح خلال الخطاب. وقال الملك خوان كارلوس في خطابه إن "طرق مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون عمياء ومن دون تمييز".

وأضاف العاهل الإسباني، الذي كان يتحدث عن تفجيرات الدار البيضاء ومدريد، أن طرق مكافحة الإرهاب "يجب أن تكون منطقية ومتوافقة مع مبادئ مجتمعاتنا ووفق أعراف دولة القانون والقوانين الدولية".

وكانت منظمة العفو الدولية أبلغت العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس قبيل زيارته إلى المغرب "قلقها من وضعية حقوق الإنسان في المغرب" وطالبته بأن يستخدم نفوذه لتذكير المسؤولين المغاربة بذلك خلال زيارته للمغرب التي بدأت الاثنين الماضي وتنتهي اليوم.

وقالت مصادر من المنظمة الدولية إنها "أطلقت الإنذار" حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب "لتنبيه وسائل الإعلام الإسبانية المرافقة للملك خوان كارلوس، وأيضًا للمسؤولين الإسبانيين لكي يعملوا على تذكير نظرائهم المغاربة بذلك".

واعتبرت هذه المصادر أن قلقها من وضعية حقوق الإنسان في المغرب نابع من "طبيعة التشريعات الأمنية الجديدة من بينها قانون مكافحة الإرهاب والتعذيب في السجون والمعتقلات والاختفاءات وغياب حرية التعبير وعقوبة الإعدام وحقوق المرأة".

وقال أنخيل غونزالو الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية في إسبانيا إن المواضيع التي أثارتها المنظمة "موثقة ونتمنى أن يتطرق إليها العاهل الإسباني خلال لقائه المسؤولين المغاربة في إطار احترام الأعراف الدبلوماسية بين الدول".

واعتبرت منظمة العفو الدولية أن "قانون مكافحة الإرهاب في المغرب عرف تراجعات خطيرة في مجال حقوق الإنسان. وأشارت المنظمة إلى أن لديها "إثباتات" حول تعذيب تعرض له نشطاء إسلاميون وصحراويون، إضافة إلى مجرمي الحق العام.

غير أن خطاب العاهل الإسباني أمام البرلمان المغربي وإشارته إلى ضرورة تحكيم القانون في قضية مكافحة الإرهاب لم يخف امتعاض أطراف إسبانية ومغربية مهتمة بحقوق الإنسان في المغرب من "التكريم" الذي حظي به أشخاص متهمون بالتورط في انتهاكات حقوق الإنسان من بينهم الجنرال حسني بن سليمان رئيس الدرك المغربي والجنرال حميدو العنيكري رئيس جهاز الاستخبارات الذي ألقى القبض على آلاف المغاربة بعد تفجيرات الدار البيضاء في أيار (مايو) من سنة 2003.

وقالت مصادر إسبانية إن توشيح الجنرالين حميدو العنيكري وحسني بن سليمان بأوسمة إسبانية رفيعة على الرغم من سجلهما في مجال انتهاك حقوق الإنسان يعتبر مكافأة لهما على تعاونها غير المسبوق مع أجهزة الأمن الإسبانية بعد تفجيرات القطارات في مدريد في آذار (مارس) الماضي والتي اتهمت خلية مرتبطة بتنظيم "القاعدة" بتدبيرها وقبض إثرها على متهمين مغاربة.