عبد الله الدامون من طنجة (شمال المغرب): أنهى اليوم (الأربعاء) العاهل الإسباني خوان كارلوس زيارة دولة إلى المغرب استمرت ثلاثة أيام وعرفت برنامجا سياسيا واقتصاديا مكثفا وغير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وأجمعت وسائل الإعلام الإسبانية على أن الزيارة التي بدأها الاثنين الماضي العاهل الإسباني دون خوان كارلوس وزوجته الملكة دونيا صوفيا إلى المغرب تعتبر إغلاقا نهائيا وتاما لكل حالات سوء الفهم والتوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين خلال السنوات الثماني الماضية.

وكانت مدينة طنجة بأقصى شمال المغرب آخر محطة للعاهل الإسباني الذي وصلها صباح اليوم وغادرها في مساء اليوم نفسه من مطار ابن بطوطة الدولي.

وألقى العاهل الإسباني خطابا في قصر مرشان في طنجة أمام المسؤولين المحليين للمدينة وأمام أعضاء لجنة "ابن رشد" للحوار بين الحضارات والتي تعنى بالتقريب بين المغرب وإسبانيا حضاريا، حسب قول مؤسسيها.

كما استقبل العاهل الإسباني رفقة مضيفه العاهل المغربي محمد السادس اللجنة المشتركة للربط القاري بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق.

وعرفت فكرة الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، التي ولدت قبل خمسة وعشرين عاما بين الملك الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس، انتعاشا ملحوظا حيث يعتزم البلدان حاليا إحياء هذه الفكرة وضخها بالمال والقرارات السياسية اللازمة من أجل تحقيقها.

وانتقل العاهلان الإسباني والمغربي مساء اليوم إلى ضواحي مدينة طنجة حيث دشنا محطة توليد كهربائي ستوفر للمغرب مستقبلا ستة عشر في المئة من استهلاكه للكهرباء. كما أقام العاهل المغربي حفل غداء لضيفه الملك خوان كارلوس في منطقة "تهدارت" جنوب طنجة.

وكان من المرتقب أن يزور العاهل الإسباني مدينة تطوان (70 كلم جنوب شرق طنجة) لتدشين أول جامعة إسبانية في المغرب، غير أن الزيارة تم إلغاؤها لأسباب "لوجستيكية" و "ضغط البرنامج الرسمي" حسب مصادر إسبانية مرافقة للعاهل الإسباني.

وتم الاكتفاء بتوقيع اتفاق حول إنشاء الجامعة في قصر مرشان في طنجة عوض تطوان. ومن المرتقب أن تقام الجامعة في ضواحي مدينة تطوان وستحمل اسم "جامعة الملكين".

وبادرت الملكة دونيا صوفيا بعدد من الأنشطة الموازية في مدينة طنجة، التي كانت مستعمرة إسبانية سابقا، من بينها زيارة مركز الإدماج الاجتماعي والمهني في حي بني مكادة الشعبي الذي شهد في أوائل التسعينات من القرن الماضي اضطرابات اجتماعية خطيرة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

ويشير برنامج هذه الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام إلى القوة الرمزية التي تسير فيها العلاقات المغربية الإسبانية منذ وصول الاشتراكيين إلى السلطة قبل عشرة أشهر.

وكان في انتظار العاهل الإسباني وزوجته برنامج مكثف وصفته وسائل الإعلام الإسبانية بأنه مشحون بالرموز التي تؤشر إلى مصالحة نهائية بعد السنوات العجاف إبان حكم الحزب الشعبي بزعامة خوسي ماريا أثنار.

وكان اليوم الأخير من زيارة العاهل الإسباني إلى المغرب مشحونا باللقاءات الاقتصادية حيث من المنتظر أن تعرف العلاقات الاقتصادية بين البلدين مستقبلا نموا غير مسبوق.

وزار العاهل الإسباني المغرب مرفوقا بعدد من الوزراء بينهم وزير الشؤون الخارجية والتعاون ميغيل أنخيل موراتينوس صاحب التجربة الطويلة في حل النزاعات الدولية، والذي صرح قبل أيام لصحيفة "البايس" الإسبانية أنه ينوي الوصول بنزاع الصحراء الغربية إلى حل نهائي خلال الفترة التي سيظل فيها الحزب الاشتراكي الإسباني في السلطة.

كما رافقته وزيرة الثقافة في الحكومة الاشتراكية كارمن كالفو التي يعتبر حضورها مؤشرا على الرغبة الكبيرة لإسبانيا في توسيع ثقافتها في الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وعلى الخصوص في المغرب الذي يعتبر أول بلد في العالم فتحت فيه إسبانيا خمسة مراكز رسمية لتعليم الإسبانية.

وتطمح الوزيرة الإسبانية الى أن تكون زيارتها للمغرب برفقة العاهل الإسباني محطة مهمة لتوسيع التأثير الإسباني في المغرب الذي يعرف في السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا للغة الإسبانية وتفتح فيه كل عام المزيد من الأجهزة الثقافية والمدارس الإسبانية وغالبية تلاميذها مغاربة.

كما رافقته وزيرة التعليم ماريا خيسوس سانسيغوندو والتي أشرفت على توقيع الاتفاق المغربي الإسباني بافتتاح أول جامعة إسبانية في مدينة تطوان، وهي المدينة التي كانت لمدة عقود من القرن الماضي عاصمة الحماية الإسبانية على شمال المغرب.

كما تطمح وزيرة التعليم الإسبانية إلى فتح المزيد من المدارس الإسبانية الخاصة في المغرب والتي عرفت تزايدا ملحوظا في الفترة الأخيرة. كما رافق العاهل الإسباني وزير الاقتصاد والتجارة والسياحة خوسي مونتييا.

ويعتبر حضور وزير الاقتصاد والتجارة والسياحة الإسباني ضمن الوفد الملكي الإسباني دليلا على الارتفاع الكبير لحجم الاستثمارات الإسبانية في المغرب، والتي عرفت تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة على الرغم من التوتر الذي شاب العلاقات بين البلدين خلال حكم الحزب الشعبي اليميني بزعامة خوسي ماريا أثنار.

وكان رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسي ماريا أثنار زار المغرب في أواخر سنة 2003 حاملا معه مبلغا استثماريا يقارب 400 مليون أورو، وهو رقم قياسي في تاريخ الاستثمارات الإسبانية في المغرب.

ويطمح المغاربة والإسبان إلى أن تكون زيارة خوان كارلوس إلى المغرب التي انتهت اليوم تطبيعا كاملا للمصالحة التي بدأت بوصول الاشتراكيين الإسبان إلى السلطة قبل عشرة أشهر، وبعد اجتياز المغرب وإسبانيا مراحل صعبة في علاقاتهما كادت تصل إلى مواجهة مسلحة صيف عام 2002 بسبب النزاع حول جزيرة "تورة" في مضيق جبل طارق.