تتشكل صيفاً .. 70 بالمائة للشمال و 30 بالمائة للجنوب
حكومة جديدة تضم الوان الطيف السياسي السوداني

محمد عثمان الميرغني (يمين) وعلى عثمان طه (شمال)
طلحة جبريل من الخرطوم: يتوقع أن تتشكل حكومة سودانية جديدة في تموز(يوليو) المقبل. ستضم الحكومة الجديدة 30 وزيراً إضافة إلى 34 وزير دولة . ستستند هذه الحكومة إلى أكبر وأوسع تحالف سياسي منذ استقلال البلاد وخروج البريطانيين عام 1956 . يأمل السودانيون، الذين أنهكتهم الحروب والأوضاع الاقتصادية المتردية ، أن يؤدي تشكيل هذه الحكومة إلى بداية استقرار .
إن البلد الآن يتعافى من حرب الجنوب على الرغم من استمرار الاقتتال في دارفور (غرب السودان) . لكن الناس تريد حكومة تلتفت إلى مشاكلهم الاجتماعية . ومنذ أن تولى "الإسلاميون" الحكم في حزيران (يونيو) 1969، بعد انقلاب عسكري، فإن البلاد لم تشهد سوى القليل من التحسن الاجتماعي أو نشر الديمقراطية . وكانت السنوات الأولى لحكم " الإسلاميين " خانقة وحالكة، حيث اعتقل وعذب كثيرين من المعارضين وتوفي بعضهم في معتقلات سرية ، كما فقد الآلاف وظائفهم تحت شعار " الصالح العام" .
وطبقاً لاتفاقية نيروبي التي وقعت بين النظام و" الحركة الشعبية " بقيادة جون قرنق مطلع الشهر الحالي ، فان حكومة التحالف الوطني التي ستتشكل في الصيف المقبل يفترض أن تتوزع حقائبها بنسبة 70 بالمائة للشمال و 30 بالمائة للجنوب .
أما نسب المشاركة فستكون كالتالي : 52 بالمائة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم (الإسلاميون) و28 بالمائة للحركة الشعبية (جون قرنق ) و 14 بالمائة لأحزاب المعارضة الشمالية و6 بالمائة للأحزاب الجنوبية التي لا تنتمي للحركة الشعبية .
وتقرر أن تقسم الحكومة إلى ثلاث قطاعات كبرى .
وزارات السيادة وتضم: شؤون الرئاسة ، شؤون مجلس الوزراء، الخارجية ،الداخلية، العدل ، الإعلام ، الشؤون البرلمانية ، الدفاع ، الحكم الاتحادي . وستخصص ثلاث حقائب منها للجنوبيين .
وزارات الاقتصاد وتضم: المالية، الطاقة والنفط ، الزراعة ،الري والمياه ، التجارة والصناعة ، التجارة الخارجية ، الاستثمار ، الحياة البرية والسياحة ، الثروة الحيوانية ، المواصلات ، التعاون الدولي . وستخصص ثلاث حقائب منها للجنوبيين.
وزارات الخدمات : الصحة ، الشؤون الإنسانية، العمل ، البيئة، التعليم ، التعليم العالي ، الثقافة ، العلوم والتكنلوجيا ، الشؤون الاجتماعية ، الأوقاف والإرشاد . وستخصص ثلاث حقائب منها للجنوبيين.
وطبقاً لما هو مقرر فإن الحكومة المقبلة والتي يفترض أن تضم تحالفاً سياسياً عريضاً ، ستبقى في الحكم خلال فترة انتقالية تستمر ست سنوات بعدها سينظم استفتاء في جنوب البلاد ليقرر الجنوبيون ما إذا كانوا سيبقون جزءا من " سودان موحد " أو سينفصلون . وجميع المؤشرات والقرائن تدل على أن الانفصال هو الخيار المرجح .
وإذا كانت مشاركة الحزب الحاكم والحركة الشعبية في الحكومة المقبلة لا تواجهها عقبة ، فإن المشكلة الحقيقية ستكون في تمثيلية المعارضة الشمالية التي تضم الحزبين الكبيرين وهما " الاتحادي الديمقراطي " بقيادة محمد عثمان الميرغني و " الامة" بقيادة الصادق المهدي . وحدد اتفاق نيروبي حوالي 4 حقائب لجميع القوى السياسية المعارضة في الشمال .
لقد حاول النظام في السابق خلق انقسامات داخل الحزبين الكبيرين ، واستخدم وهج السلطة لإغراء جماعات منشقة عنهما بالانضمام له . وفي هذا السياق قاد الشريف زين العابدين الهندي انقساماً منذ سنوات داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي وانضم للنظام وشارك بوزيرين في الحكومة . بيد أن هذا الانقسام لم يؤثر على الحزب الاتحادي الديمقراطي .
ويعتمد الشريف زين العابدين الهندي على تراث شقيقه الشريف حسين الهندي الذي كانت له شخصية كاريزماتية مؤثرة وجارفة . وقاد حسين الهندي الحزب في الستينات والسبعينات وعارض نظام جعفر نميري بلا هوادة .
أما زين العابدين الهندي فهو رجل يبحث دائماً عن دور ومتلكئ دائماً بعد فوات الأوان . و يجمع بين شيئين، السطحية والملل ، لذلك كلامه لا يغري وأفكاره لا تجذب ومواقفه لا تهم .
وفي حزب الامة حدث انقسام قاده مبارك الفاضل المهدي ، وهو ابن عم الصادق المهدي .حيث أعلن عن تأسيس "حزب الأمة للإصلاح والتجديد "وكان حظ هؤلاء أفضل من الاتحاديين المنقسمين إذ اسند إلى مبارك الفاضل منصب مساعد رئيس الجمهورية و دخل بعض أعضاء حزبه الحكومة وكان أبرزهم الزهاوي إبراهيم مالك الذي تولى وزارة الإعلام .
لكن علاقة مبارك الفاضل مع النظام لم تعمر طويلاً وأقيل من منصبه قبل التوقيع على اتفاقية نيروبي .
ومبارك الفاضل شخصية لها عدة جوانب رمادية لا يتورع في استعمال الأساليب كافة للوصول إلى أهدافه ، هاجسه المستمر تمديد مهمته لذلك فهو على استعداد للالتفاف حول كل الحقائق .
وتقول الأوساط السياسية في الخرطوم إن مبارك الفاضل فقد منصبه حين أراد أن يحصل على أموال . وتشير الرواية إلى انه ذهب إلى عوض الجاز وزير الطاقة والنفط وطلب مبلغاً لتمويل تحركات من إيجاد حل لنزاع دارفور ، على أساس أن وزارة الطاقة هي التي تضخ أموالا طائلة في خزينة الدولة .وحين رفض وزير الطاقة الطلب على اعتبار أن وزير المالية هو صاحب الشأن في المال العام ، حدث تلاسن بين مبارك الفاضل وعوض الجاز ،الذي تربطه علاقة وثيقة مع على عثمان طه النائب الأول رئيس الجمهورية ورجل الخرطوم القوي، فكان أن تقرر إقالة مبارك الفاضل من منصبه . هكذا تقول الرواية التي لم يتسن التأكد من دقتها .
وتتداول أحزاب المعارضة الشمالية المنضوية حالياً تحت تحالف " التجمع الوطني الديمقراطي " فكرة مؤداها البقاء خارج الحكومة المرتقب تشكيلها مع ترشيح شخصيات مستقلة محسوبة على المعارضة. وتبقى مشكلة في تمثيل معارضة الشمال ، تكمن في كيفية معالجة مشاركة الحزب الشيوعي في الحكومة المقبلة .
فقد لعب الشيوعيون دوراً بارزاً في معارضة النظام وفي تأسيس " التجمع الوطني الديمقراطي " . والعداء بين "الشيوعيين" و " الإسلاميين " مستحكم . وعلى الرغم من أن الشيوعيين تعرضوا لضربات متتالية منذ أن اعدم جعفر نميري أبرز قادتهم عام 1971 وعلى رأسهم عبدالخالق محجوب قائد الحزب الأسطوري ، فإن تأثيرهم وسط النخبة المثقفة ما يزال ملحوظاً .
ويتردد هذه الأيام في الخرطوم أن محمد إبراهيم نقد الأمين العام للحزب ، الذي كان توارى عن الأنظار وعاش متخفياً بعد إطلاق سراحه مطلع التسعينات ، سيضع حداً لحالة اختفائه .
ولم يعارض الشيوعيون اتفاقية نيروبي لكنهم طالبوا بإطلاق الحريات العامة في البلاد .
إن السودان مقبل الآن على "تحول تاريخي" وإذا سارت الأمور كما هو مقرر وتشكلت الحكومة الجديدة في الصيف المقبل فإن السودانيين قد ينعمون باستقرار طال انتظارهم له .