نبيل شرف الدين من القاهرة: يواصل اليوم (السبت) في تكتم تام وفد من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيش منشأة في ضاحية "أنشاص" شمال شرق القاهرة، يزعم دبلوماسيون غربيون أنها كانت صممت لإعادة معالجة البلوتونيوم، وهو المادة التي تستخدم في صناعة الأسلحة النووية، وترجح المصادر الغربية ذاتها أن تكون هذه المنشأة أقيمت في الثمانينات لكنها لم تستخدم قط، وعلى الرغم من ذلك فإن وكالة الطاقة الذرية تفتشها لحسم ما إذا كانت قد شهدت أي عمليات باستخدام البلوتونيوم، ورفض أحد أعضاء اللجنة التعقيب قائلاً إن جميع التحقيقات سرية.

وحسب المصادر الرسمية ومراقبين مصريين، فإنه لا يوجد أي دليل ملموس على أن لدى مصر برنامج سري للتوصل إلى قدرات نووية، لكن دبلوماسيين غربيين لم يستبعدوا أن تفكر القاهرة في خيارات نووية مستقبلا في منطقة مضطربة، خاصة وأن جارتها التي خاضت ضدها سلسلة حروب، وهي إسرائيل، تمتلك بالفعل قدرات نووية هائلة، وترفض الانضمام إلى معاهدة الانتشار النووي، وبالتالي لا تخضع منشآتها النووية لأي رقابة دولية.

وتواترت في الأيام الأخيرة مزاعم غربية مفادها أن علماء ذرة مصريين من المحتمل أن يكونوا ـ من دون توجيه حكومي ـ قد أجروا تجارب على فلز اليورانيوم وتجهيزه للتخصيب، وهي عملية تعني تنقية اليورانيوم لاستخدامه كوقود في محطات الطاقة أو في صنع قنابل، ورغم أن هذه الأنشطة غير محظورة، غير أنهم لم يبلغوا وكالة الطاقة الذرية بشأنها حتى تراقبها، لضمان ألا يتم توجيه مواد نووية إلى أنشطة سرية تتصل بالتسليح .

ويؤكد دبلوماسي أوروبي أنه حتى لو سلمنا جدلاً بصحة ما تذهب إليه هذه المزاعم، فإنه في نهاية المطاف يبدو إنجازاً محدوداً للغاية، مقارنة بما حدث في كوريا الجنوبية حيث استخدم علماء الحكومة تكنولوجيا الليزر لإنتاج كميات صغيرة من اليورانيوم على درجة نقاء تكفي تقريبا لصناعة سلاح نووي، وإعادة معالجة كمية ضئيلة جدا من البلوتونيوم .

البرنامج المصري
وشهدت فترة السبعينات في القرن الماضي تراجعا مستمرا في الاهتمام المصري بهذا المجال، بعد توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وجاء هذا التراجع بعد تصديق البرلمان المصري على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1981 ثم التوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في كانون الأول (ديسمبر) 1996 والتي تعتبرة بمثابة النهاية العملية لهذا المشروع النووي المصري الذي جمد بعد حرب 1967 حين توقف أول مشروع للمحطات النووية بسيدي كرير غرب الإسكندرية، حيث تم طرح مناقشة عالمية لإنشاء هذه المحطة إلا أن الحرب أوقفت إتمام إنشائها والتي كانت تستهدف توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، لكن تم طرح مناقصة أخرى لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميغاوات في موقع سيدي كرير بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 وتم إنشاء هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء للإشراف على المشروع، وحصلت إحدى الشركات الأميركية على المهمة، وفي العام 1978 لم يحرر العقد لإنشاء هذه المحطة إثر محاولة الولايات المتحدة فرض شروط تسمح لها بالتفتيش على كافة المنشآت النووية المصرية، الأمر الذي رفض السادات حينئذ، ثم صدر قرار بتحويل موقع سيدي كرير إلى أغراض سياحية ومطار ومحطة بخارية بعد أن اقتنع السادات حينئذ بأن الأفضل هو تنمية الساحل الشمالي سياحياً، وهو ما حدث بالفعل إذ انطلقت موجة استغلال سياحي في الساحل.

أما الدكتور فوزي حماد الرئيس السابق لهيئة الطاقة النووية على أن البرنامج النووي المصري الذي بدأ عام 1963 هو برنامج سلمي وأن مصر وقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968 وهذا يؤكد الاتجاه المبكر للسياسة المصرية في هذا الإطار، موضحاً أن الموارد التي تقول الوكالة إنها حصلت عليها موجودة في كافة البرامج السلمية، ولفت إلى أن الإرادة السياسية هي التي يمكن أن تبقى على هذا الاستخدام سلميا أو تحوله عسكرياً، وان الوكالة النووية بعلاقاتها الطويلة مع مصر تدرك أنها لم تفكر في الاستخدام العسكري للطاقة النووية .

وكان أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري قد نفى بشدة أن تكون بلاده أجرت اختبارات نووية سرية، مؤكدا استمرار التزامها ببنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي سبق لها التصديق عليها، نافياً بذلك "وجود تغيير بموقف مصر في هذا الصدد"، حسب تعبيره .

وحسب تقديرات مصادر صحافية غربية فإن تحقيقات وكالة الطاقة الذرية تشكل مصدر حرج لمحمد البرادعي مدير الوكالة نظرا لكونه مصري الجنسية ويسعى للحصول على ولاية ثالثة في وقت لاحق من العام الحالي .