أسامة مهدي من لندن : اكد قيادي في الجبهة التركمانية العراقية التي تضم الاحزاب التركمانية الرئيسة انها ستعلن غدا انسحابها من انتخابات مجلس محافظة كركوك وتدرس حاليا اتخاذ موقف من العملية الانتخابية في العراق برمتها محذرا من فوضى وحرب اهلية في المدينة التي يسكنها مواطنون ينتمون الى القوميات التركمانية والكردية والعربية والاشورية اذا ما سيطر الاكراد على مجلس محافظتها .

وابلغ عاصف سرت تركمان "إيلاف" في اتصال هاتفي الليلة ان الجبهة التركمانية التي تضم 7 احزاب وقوى تركمانية رئيسة ستعلن في مؤتمر صحافي لها في بغداد غدا انسحابها من انتخابات مجلس محافظة كركوك (255 كم شمال بغداد) احتجاجا على تسجيل عشرات الالاف من الاكراد المستقدمين اليها في القوائم الانتخابية في المدينة على الرغم من انهم ليسوا من سكانها الاصليين وكذلك تضامنا مع الجبهة العربية الموحدة التي تضم احزابا عربية سنية وشيعية والتي قررت اليوم الانسحاب من الانتخابات المحلية . واشار الى ان الجبهة تدرس حاليا اتخاذ موقف من مجمل العملية الانتخابية في عموم العراق والتي تقدمت اليها بائتلاف ضم عددا من الاحزاب مشيرا الى ان الانسحاب من الانتخابات العامة هو خيار مطروح حاليا .

واضاف تركمان ان الاكراد قاموا بتسجيل 108 الاف كردي في مدينة كركوك للاشتراك في انتخابات مجلس المحافظة التي ستجري الاحد المقبل في يوم الانتخابات العامة نفسه . واشار الى ان الاحزاب الكردية التي كانت ممتنعة عن الاشتراك في الانتخابات قدمت قائمة تضم 12 حزبا اليها بعد حصولها على ضمانات رسمية بتسجيل الاكراد المرحلين عن المدينة لكن هذه الاحزاب تجاوزت الرقم المحدد والذي كان في الاصل 72 الفا بهدف تغيير التركيبة السكانية للمدينة التي يسكنها حوالي 850 الف مواطن .
وعن تداعيات قرار انسحاب العرب والتركمان من انتخابات كركوك حذر القيادي في الجبهة التركمانية من ان هذا سيؤدي الى قيام مجلس محلي جميع اعضائه من الاكراد ومن بعض الاحزاب العربية والتركمانية التي وصفها بالكارتونية صنيعة الاكراد لن تعترف به الاغلبية العربية والتركمانية وهو ما سيقود الى تظاهرات ناقمة واضطرابات قد تؤدي الى حرب اهلية سيمتد خطرها الى بقية انحاء العراق باعتبار ان كركوك تمثل نموذج التعايش بين القوميات العراقية المختلفة .
وقال الامين العام للجبهة العربية الشيخ وصفي العاصي في ختام اجتماع ضم عددا من احزاب المدينة اليوم "قررنا الانسحاب من الانتخابات العامة والبلدية التي ستجري نهاية الشهر الحالي في البلاد." واضاف ان قرار الانسحاب جاء "احتجاجا على موقف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاخير والقاضي بالسماح لأكثر من 70 الف كردي بالمشاركة في الانتخابات البلدية لمدينة كركوك وهم ليسوا من اهالي المدينة." واتهم العاصي المفوضية العليا للانتخابات بعدم الحيادية وقال "حاولنا مرات عديدة وطلبنا اكثر من مرة اللقاء والاجتماع بمسؤولي المفوضية العليا لكنهم رفضوا كل محاولاتنا ولم يردوا علينا." واضاف ان "هذا دليل على عدم استقلالية المفوضية."

وكانت احزاب عربية وتركمانية عديدة قد هددت بالانسحاب من الانتخابات البلدية والتشريعية احتجاجا على قيام المفوضية العليا للانتخابات باتخاذ قرارات استثنائية وبعد انتهاء الفترة المحددة لتسجيل الكيانات السياسية في الانتخابات تسمح هذه القرارات بمشاركة اعداد كبيرة من الاكراد في الانتخابات البلدية لمدينة كركوك مما حدا بالمفوضية الى تمديد فترة التسجيل للسماح للاحزاب الكردية بالتسجيل والمشاركة بالانتخابات.
واكد العاصي "قرار الانسحاب جاء بعد قرار المفوضية العليا للانتخابات بالسماح بتسجيل اسماء الناخبين الاكراد الى جانب التوترات الامنية في مدن ديالى وتكريت والموصل واطراف كركوك" .
ويبلغ عدد سكان محافظة كركوك النفطية حوالي مليون وربع المليون نسمة ويسود التوتر في هذه المنطقة بين المجموعات الثلاث منذ سقوط نظام صدام حسين في نيسان (ابريل) 2003. ويطالب الاكراد بضم كركوك الى المحافظات الكردية التي تتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق الا ان سلطات بغداد دعت الى حل هذه المشكلة عبر لجان كلفت بدرس الشكاوى حول عمليات التهجير القسري التي قام به نظام صدام حسين بحق سكان كركوك الاكراد.
وتعد مدينة كركوك اغنى المدن النفطية العراقية حيث تحوي على حقول نفطية تجعل من العراق يملك ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية ويوجد تحت أرضها 7% من احتياطي النفط في العالم ولذلك سيتمحور الصراع الجديد فيها حول تقاسم السلطة والنفوذ ومن سيكون صاحب الأكثرية في الأصوات وبالتالي الولاء الذي سيتوزع بين جهات عدة ليس بينها عراقية على ما يبدو .

فقد ظهرت الخلافات الى العلن مؤخرا وارتفعت حدة التوتر بين القومية الكبرى الثلاث العربية والتركمانية والكردية في كركوك مع اقتراب انتخابات مجلس المحافظة حين رفض الاكراد في المدينة المشاركة في الانتخابات ما لم يتم تطبيق الفقرة 58 من قانون ادارة الدولة العراقية الصادر في اذار (مارس) من العام الماضي والذي نص على تطبيع الاوضاع في المدينة وهو ما يعني اعادة المرحلين الاكراد والتركمان اليها والذين كان نظام الرئيس المخلوع صدام حسين قد طردهم منها واستقدم بدلا منهم عربا من وسط وجنوب العراق الذين يطالب الاكراد باخراجهم من المدينة واعادتهم الى مناطقهم الاصلية اضافة الى ضم محافظة التاميم ومركزها كركوك الى اقليم كردستان الذي يحكمونه منذ العام 1991 .

وقد تمثل تصاعد التوتر بين المجموعات القومية الثلاث بعمليات اغتيال واختطاف بين عناصر من قومياتها الثلاث تبعها تبادل اتهامات وهو توتر ظهر إلى العلن اثر سقوط نظام صدام. . فعلى اثر مطالبة الأكراد بضم المدينة إلى كردستان واعتماد الفدرالية كنظام للحكم في البلاد خرجت تظاهرتان ضخمتان في كركوك الأولى مؤيدة للفدرالية نظمها الأكراد الذين قدموا مشروعا إلى مجلس الحكم الموقت والثانية مناهضة للفدرالية نظمها العرب والتركمان وانتهت هذه التظاهرة بصدامات أدت إلى مقتل 3 عراقيين وجرح 34 برصاص متقابل .

وإذ كانت المجموعة الكردية التي تشكل حسب احصاء 1957 نسبة 51% وتبسط سيطرتها منذ 1991 على محافظات اربيل ودهوك والسليمانية في الشمال تعتبر أن كركوك تشكل قلب كردستان واسماها البارزاني "قدس كردستان" وتطالب بضم المدينة فان التركمان الذين يشكلون حسب الإحصاء نفسه نسبة 27% يشددون على وجودهم التاريخي في المنطقة ويقولون انهم كانوا يشكلون الغالبية وبأنهم تعرضوا أيضا لسياسة التطهير العرقي ويؤكدون ان الأكراد ليسوا سوى قادمين جدد. وهناك أيضا ادعاءات تاريخية للكلدانيين والاشوريين على أحقيتهم بالمدينة (يشكلون الان 4%) مع الإشارة إلى أن العرب يشكلون اليوم 18% من سكان كركوك.

وقد اكد الاكراد في البداية مقاطعتهم لانتخابات المدينة ورفضوا التعاون مع مكتب المفوضية العليا للانتخابات العراقية لان مديرها رفض تسجيل الاكراد العائدين الى المدينة في سجل الناخبين واتهموه بانه بعثي الامر الذي دفعه الى الاستقالة . وقال يحي عاصي الحديدي "ارسلت كتاب الاستقالة الى المفوضية العليا في بغداد بسبب اتهامات الحزبين الكرديين الرئيسين لي وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بانني انتمي الى حزب البعث واعمل لمصلحة الجبهة التركمانية العراقية ولتدخلهما في عملي".

وقد أعربت مصادر دبلوماسية تركية اليوم عن قلق السلطات التركية من اعلان الامين العام للاتحاد الوطنى الكردستاني جلال الطالباني أنه تسلم ضمانات خطية من الرئيس العراقي غازى الياور ورئيس الوزراء أياد علاوي وسفيري الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا في العراق بخصوص ما سماه باعادة وضع مدينة كركوك الى حالتها السابقة .
ونقلت وسائل الاعلام التركية كلمة الطالباني أمام البرلمان الاقليمي لمنطقة كردستان في شمال العراق قال فيها إن الضمانات التي تلقاها تتضمن تنفيذ المادة 58 من قانون الدولة العراقية الموقت والتي تنص على ترحيل العرب الذين تم اسكانهم في المدينة في عهد صدام حسين وتوطين الاكراد محلهم وأضاف سيجري تشكيل لجنة للاشراف على توطين الاكراد وترحيل العرب من كركوك وهذه اللجنة ستباشر مهامها بعد الانتخابات من أجل اعادة توحيد الاجزاء المقسمة للمدينة.

وقد دعت اليوم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية الناخبين في محافظة كركوك غير المسجلين لحد الآن من المرحلين والمهجرين العائدين الى تسجيل اسمائهم فورا في نحو 27 مركزا تم افتتاحه بشكل استثنائي في المحافظة لفترة أمدها تسعة ايام فقط بين 17 و25 من الشهر الحالي .
وقالت المفوضية في تصريح صحافي ان فتح عملية تسجيل الناخبين الذين اضطروا الى الرحيل من ديارهم بسبب الاجراءات القمعية للنظام البائد اجراء ضروري لتمكين الناخبين المؤهلين ممن لم تسنح لهم الفرصة لإدراج اسمائهم في سجلات الناخبين خلال الفترة الماضية. واشارت الى ان قرار الحكومة الاخير بالسماح باعادة سجلات نفوس المبعدين وبوجود وثيقة قانونية رسمية تمكن عملية تسجيلهم.
وأكدت المفوضية مباشرتها تنفيذ قرارها بتشكيل ادارة جديدة تماما لمكتبها الرئيس في المحافظة حيث تم تعيين هيئة برئاسة المدير العام التنفيذي للادارة الانتخابية وتضم اربعة مساعدين يمثلون الوان الطيف السكاني الرئيسة للمحافظة.
واوضحت المفوضية بأن هناك اكثر من 27 مركزا لتسجيل الناخبين فتح لاستقبال الناخبين العائدين سواء من الاشوريين او الاكراد او التركمان او العرب او الراغبين بتسجيل اسمائهم فيما تم افتتاح مراكز جديدة من بينها في نواحي شوان وقرهنجير وشوان والتون كوبري وسركران لتسهيل تسجيلهم.
وكوثائق لازمة لإثبات الاقامة في المحافظة وبالتالي حق التسجيل للتصويت لانتخابات مجلسها، اكدت على اعتماد صورة قيد النفوس لعام 1957 حصرا ولا يعتد بشهادات مختاري المحلات ومراكز الشرطة لإثبات الاقامة وسوف تدقق قوائم الناخبين لتحقيق مصداقية التسجيل. ودعت المفوضية مجلس المحافظة الى تشكيل فريق تنسيق لدعم خطة المفوضية سواء لتسريع عملية تسجيل المهجرين العائدين او لتسهيل عملية التصويت في يوم الاقتراع في الثلاثين من هذا الشهر.
كما دعت المفوضية اللوائح الانتخابية المتنافسة والهيئات القانونية ومنظمات المجتمع المدني الى تشكيل هيئة او فرق لمراقبة مجرى العملية الانتخابية في المحافظة على كل المستويات مؤكدة خطتها لتوزيع ادارة مراكز الاقتراع بشكل عادل بين مدراء من ابناء القوميات المختلفة المتعايشة في المحافظة.