نبيل شـرف الدين من القاهرة: تقف الساحة المصرية على تخوم استحقاقات سياسية داخلية مهمة، يتصدرها تمديد ولاية الرئيس حسني مبارك، ومن ثم الانتخابات النيابية ثم النقابية والمحلية وغيرها، و شهدت القاهرة خلال أيام عيد الأضحى عدة أحداث لا تخلو من الطرافة والإثارة، خاصة وأن أبطالها كانوا من قادة أحزاب المعارضة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشبت مشاجرة بين نائب رئيس "حزب الأمة" المعارض، وصاحب محل جزارة يقع أسفل مسكنه في حي السيدة زينب وسط القاهرة، بسبب استخدام الجزار لمولد كهربائي أمام محله، الذي أحاطه بالزينات والمصابيح الكهربائية الملونة بمناسبة الاحتفاء بالعيد واستقطاب مزيد من الزبائن، وهو الأمر الذي لم سبب في ما يبدو إزعاجاً لمحمود أحمد الصباحي، نائب رئيس حزب الأمة الذي أبلغ الشرطة بالأمر، متهماً حسن سلامة صاحب محل جزارة أسفل مسكنه بالتعدي عليه بالسب والقذف عند معاتبته علي وضع ماكينة ديزل لتوليد الكهرباء أمام محله مما سبب له إزعاجا بسبب الضوضاء .

إلغاء الشورى

وحزب الأمة الذي يرأسه أحمد الصباحي لم يفز بمقعد واحد في البرلمان منذ أكثر من نحو عقدين قضاهما في صفوف المعارضة، إلا أن الرجل يتحدى الحزب الحاكم ومنافسيه في أحزاب المعارضة الأخرى، ويصر خلال الانتخابات المقبلة على ترشيح عدد كبير من أعضاء الحزب، ولا يكتفي بهذا بل سيطلب من الرئيس المصري حسني مبارك 25 مقعدا "على سبيل الهدية"، التي يعتبرها بمثابة "حصة الحزب الشرعية" من مقاعد البرلمان لأن الرئيس قال أن المعارضة شريك في الحكم .
وطرح الصباحي مؤخراً مبادرة لرئيس الوزراء الجديد أطلق عليها "القانون الامثل للانتخابات"، وطلب خلالها تعديل القانون الحالي للانتخابات ليتضمن عقوبة كل من قاموا بالتزوير في جميع الانتخابات الماضية بجريمة الخيانة العظمى، التي تصل عقوبتها إلى الاعدام، وقال الصباحي في مبادرته ان المحكمة الدستورية العليا هي التي تبطل باحكامها انتخابات مجلسي الشعب والشورى والمحليات وتكشف المخالفات التي تتم فيها، ثم تجري الحكومة shy; بعد ابطال البرلمان shy; انتخابات جديدة دون مساءلة مرتكبي هذه الجريمة وهو ما تم على مدى 4 مجالس نيابية، وقد مرت حتى الان عشرون عاما دون مساءلة احد من مرتكبي التزوير"، على حد تعبيره .
كما قرر الصباحي فرض رسم اطلق عليه تأمين انتخابي لكل من سيتقدم للترشيح علي المواقع القيادية في الحزب حدده بمبلغ قدره خمسة آلاف جنيه يدفعها كل من سيرشح نفسه علي رئاسة الحزب وألف جنيه لكل من يرشح نفسه كعضو في الهيئة التنفيذية، والتي يترشح لها 16 من أعضاء الحزب.
ومضى الصباحي قائلاً إن عضوية الهيئة التنفيذية في حزبه لاتقل بأي حال من الأحوال عن عضوية مجلسي الشعب والشورى، وقال ان مثل هذا الاقتراح سيفيد بقية الأحزاب والتي يمكنها أن "تنمي مواردها بشكل واقعي"، وسيعرض الصباحي قراره علي المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب حتى يكون "شرعيا"، لافتاً إلى أنه بصدد إرسال هذه المقترحات إلى كل من رئيس الوزراء، ووزير الداخلية لإجراء الانتخابات القادمة بطريقة جديدة تختلف تماما عن الانتخابات سواء بنظام القائمة او بالنظام الفردي .
والطريقة الجديدة التي يقترحها الصباحي تتلخص في ان تكون مقاعد البرلمان مخصصة لجميع الهيئات في مصر، والتي حددها بعشرين هيئة، علي ان يخصص 25 مقعدا لكل من هذه الهيئات وليكون عدد أعضاء البرلمان طبقا للاقتراح 500 نائب، مع إلغاء مجلس الشورى .
والهيئات ال 20 هي العمال والفلاحون والاحزاب والمعلمون واساتذة الجامعات والاطباء والمحامون والاعلام والكتاب والشعراء والمثقفون ورجال الصناعة والحرفيون والاجتماعيون والمرأة ورجال الاعمال ورجال الدين ورجال القوات المسلحة والشرطة والشباب.
وتنتخب كل هيئة من هذه الهيئات من يمثلونها بالانتخاب الحر المباشر ثم بعد ان يتم انتخابهم واعلان فوزهم يتم انتخابهم مرة أخرى في دوائرهم الانتخابية ولكن بشرط ان تكون الدوائر مغلقة عليهم دون غيرهم وبشرط ان يحصل كل منهم على نسبة 25 % من أصوات الدائرة.
وقال الصباحي إن "الفكرة التي عرضها في مذكرة على رئيس الوزراء ستتيح مشاركة كل الشعب بطوائفه المختلفة في البرلمان ولن تقتصر كما هي الآن علي هيئتين فقط وهما العمال والفلاحون، وقال ان النظام المقترح لن يوجد اي نوع من الطعون الانتخابية كما سيوفر المصروفات التي يتم إنفاقها علي العمليات الانتخابية سواء من إشراف أو تجهيز" .
وأضاف الصباحي انه في حالة الموافقة علي هذا النظام والذي تم تطبيقه في بعض الدول العربية لن تكون هناك حاجة الي مجلس الشورى، حيث ان البرلمان المزمع علي طريقة الصباحي سيمثل كافة التخصصات التي يتطلبها اي مجلس نيابي، وقال ان "هذا الوضع سيريح البلد كثيراً".

الكرة البلورية

والحاج أحمد الصباحي كما يحب أن يطلق عليه أعضاء حزبه سبق له أن رشح زوجته السيدة سميحة لعضوية البرلمان في القاهرة ضمن مرشحات خمس للحزب على مستوى الجمهورية في الانتخابات النيابية السابقة، كما عين ولده الكبير محمود نائبا أول له ضمن خمسة نواب آخرين ، كما طالب الصباحي الحكومة بمنحه مساحة كبيرة من الأرض لاجتماع المكتبين التنفيذي والسياسي للحزب لان مقر الحزب في "عمارة العرائس" بشارع قصر العيني لا تكفي الفعاليات السياسية التي تجتمع حول الصباحي لتسمع منه محاضراته الشهيرة حول تفسير الأحلام والكرة البللورية التي اخترعها، ويباهي دائماً بحصوله على براءة اختراعها، وغيرها من مبتكرات الصباحي التي تنشط في مواسم الانتخابات المصرية عادة .
ورغم كل ما سبق استعراضه من آراء تبدو "غير جادة"، إلا أن الصباحي استطاع خلال السنوات الماضية أن يفلت من مأزق وقعت فيه غيره من أحزاب المعارضة المصرية، وأدى إلى تجميد أنشطتها، وهو مأزق الانقسام الداخلي الذي أطاح حزبي الأحرار والعمل، ويكاد أن يطال الحزب المصري الأقدم "الوفد" بعد وفاة زعيمه فؤاد سراج الدين باشا، إذ تمكن الصباحي من تحقيق انتصار تاريخي على منافسه في رئاسة الحزب، وهو رئيس تحرير صحيفة الحزب "الأمة" وأنهى ازدواجية كادت تطيح برئاسته للحزب الأبرز في الساحة السياسية المصرية كما يعتقد الصباحي ويردد دائماً في أكثر من مناسبة .

أحلام وأحذية

والحاج أحمد الصباحي معروف بزيه الذي اختاره لنفسه سمتاً متميزاً ، إذ يحرص على ارتداء الطربوش الأحمر الذي ألغته حركة الضباط 1952، والكرافته ذات الألوان الثلاثة التي يتألف منها العلم المصري ، وكان قد طلب من وزير التعليم تدريس منهج "تفسير الأحلام" في المدارس المصرية ، وذلك وفقاً لكتابه الشهير الذي نشره منذ سنوات ، وكان قد عزز طلبه هذا بتأكيده على أن كل شيء موجود في الاحلام ومن يستطيع فك رموزها سيصبح بوسعه تحديد خطوط مستقبله بطريقة علمية ، كما أكد انه سبق وان حلم بانتصار مصر في حرب اكتوبر عندما نام وحلم ان مباراة كرة قدم جرت بين مصر واسرائيل في ملعب السيدة زينب وفازت مصر 1/صفر فأدرك ساعتها أن الجيش المصري سوف يعبر القناة ويسجل هدفاً غالياً في مرمى إسرائيل على حد تعبيره، وهو الأمر الذي رواه بنفسه للرئيس الراحل أنور اسادات في لقاء جمعه به، ولقيت رواية الصباحي استحساناً من السادات كما يقول.
والحاج أحمد الصباحي ليس معروفاً فقط في الأوساط السياسية والصحافية والبرلمانية في مصر، بل يعرفه أيضاً كل الحلاقين في القاهرة، وكذا كل ماسحي الاحذية فيها، ولم يأت ذلك من فراغ لكنه حدث بعد سلسلة من الدورات التدريبية قدمها بنفسه الحاج أحمد في مقر حزبه لتعليم العاطلين حلاقة الشعر ومسح الاحذية ، ويقول الحاج أحمد : أن "الاسطي من هؤلاء صار يكسب الآن أكثر من أي وزير ،فهو على الأقل يكسب 200 جنيه يوميا يعني ستة آلاف جنيه شهرياً أي ما يساوي ألف دولار أميركي".
وتمتد دائرة شهرة الحاج أحمد الصباحي لتنتقل من الأوساط السياسية ومحلات الحلاقة وماسحي الأحذية لتصل إلى الأوساط القضائية ، فالرجل تعرفه معظم المحاكم المصرية تقريباً وذلك بسبب ملاحقاته القضائية للصحافيين الذين يجرون معه حوارات صحافية حيث يدلي بتصريحاته الطريفة الشهيرة، ثم لا يلبث بعد نشر تلك الحوارات أن يقاضيهم بتهمة تحريف أقواله عمداً، حتى انه اتهم ذات مرة أحد الصحافيين بالإساءة للعلاقات المصرية العربية، وللأمن القومي المصري، ولعلاقات حزب الأمة بالأحزاب المماثلة في مصر والعالم العربي فضلا عن الإساءة لكبار رجال الدولة الذين تربط الصباحي صلة قرابة بأحدهم.