سفير السعودية في كندا
أحمد عيد مراد من كندا: من الصعب جدًّا أن تكون سفيرًا لبلدٍ عربيٍّ مسلمٍ كالمملكة العربيَّة السعوديَّة في كندا، (جار الولايات المتَّحدة الأميركيَّة الشمالي، وأهمُّ شريك لها إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من ملياري دولار أميركي يوميَّا.) وتحاول أن تمثِّل سياسة بلدك دونما أن تتعرَّض لانتقادات بعض وسائل الإعلام الكنديَّة وهجومها المحموم الدائم.

المرُاجع للشأن العربي في وسائل الإعلام الكنديَّة لا يجد صعوبة تذكر في انحياز بعضها التام لكلِّ ما من شأنه أن يعطي صورة سلبيَّة عن العرب بخاصَّة والمسلمين بعامَّة. ويزداد هذا الهجوم طردًا بموقف تلك البلد أو ذاك من إسرائيل. فلا غرابة إذًا أن تكون المملكة العربيَّة السعوديَّة الهدف الرئيسي لحملات إعلاميَّة "منظَّمة" تُشنَّ بلا هوادة بين الفينة والأخرى ولأوهى الأسباب. مردُّ هذه الحملات الضالَّة والظالمة سياسة المملكة التي اتَّسمت بالموضوعيَّة والصدق مع الذات وبُعد النظر من مجمل القضايا العربيَّة والإسلاميَّة، ولا سيَّما القضيَّة الفلسطينيَّة منذ بدايات القرن العشرين. ومع أنَّ المملكة تعاملت سياسيًّا مع المتغيِّرات وفق منهج موضوعي وعصري، إلاَّ أنَّها تمسَّكت بالثوابت التي لا تسيغها إسرائيل، وبالتالي اليمين الأميركي ـ "المحافظين الجدد"، وامتدادًا لها، بعض وسائل الإعلام الكنديَّة المُحتكَرة. فبقدر ما يبدي المسؤولون الكنديُّون تفهُّمًا لسياسة المملكة الخارجيَّة، سواء في جانبها الثنائي بين البلدين، أو في مجملها تجاه القضايا العربيَّة الملحَّة كفلسطين والعراق، بقدر ما تتعرَّض لحملات صحافيَّة محمومة من بعض وسائل الإعلام، ولا سيَّما المكتوبة منها.

وبما أنَّ كلِّ رسالة تحتاج إلى رسول، فقد دأب الدكتور محمَّد بن رجاء الحسيني سفير المملكة العربيَّة السعوديَّة على حملها والدعوة لها ليس في مجال مهامه الرسميَّة، وشاهِدُ هذا العلاقات الرسميَّة المميَّزة والمتينة بين البلدين، بل على صعيد الإعلام بفضل علاقاته الشخصيَّة. وبسبب ذلك، فقد تمكَّن من اقتحام معاقل الصحافة الكنديَّة، وأثبت جدارة في تعامله معها، وفرض احترامه عليها. فالموضوعيَّة والصدق مع الذات وبُعد النظر والخطُّ المستقيم الذي يتِّبعه في تعريفٍ أو ردٍّ ينبع من رسالة المملكة السياسيَّة التي يستلهمها في تصريحاته وردوده، ولا سيَّما ما يتعلَّق منها بالقضايا العربيَّة والإسلاميَّة، وبالقضيَّة الفلسطينيَّة تحديدًا التي هي هاجس المملكة وهاجس السفير تباعًا.

وأثبت السفير محمَّد الحسيني إثر الزوبعة الإعلاميَّة ضدَّ سياسة المملكة ونشاط السفير الدبلوماسي والإعلامي التي أثيرت حديثًا في الصحف اليوميَّة الكنديَّة المملوكة والمُحتكرة من عائلة واحدة تُكنِّ العداء للعرب والمسلمين، ولا تخفي انحيازها لإسرائيل، إنَّ أبعد مسافة بين نقطتين في السياسة أو الدبلوماسيَّة قد يكون الخطُّ المستقيم.

حملت الكاتبة الكنديَّة اليهوديَّة باربرا ياف حديثًا في عمودها اليومي الذي تنشره في عدَّة صحف كنديَّة مملوكة من مؤسَّسة "كان وست" على السفير الحسيني بأنَّه لا يعامل السفير الإسرائيلي الجديد معاملة دبلوماسيَّة لائقة، أسوة بالسفراء كافَّة الذين يبدون احترامًا له. وذكرت بأنَّه قال: "على السفير الإسرائيلي أن يعلم بأنَّني لا أرحِّب بأيَّة علاقات معه، سواء كان ذلك على مستوى شخصي أو على مستوى رسمي، وإنَّ بلدي ليست لها أيَّة علاقات دبلوماسيَّة مع بلده." ورددَّت الكاتبة في مقالين لها نعوت غير لائقة تجاه المملكة والسفير الحسيني شخصيًّا كان السفير الإسرائيلي قد صرَّح بها لهيئة تحرير صحيفة "فانكوفر صن" معلِّقًا على ذكر السفير الحسيني في لقاء برلماني موضوع فلسطين والاحتلال الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيِّين تحت الاحتلال من أبسط الحقوق الإنسانيَّة. ومع تعمُّد الصحافيَّة، على الرغم من اطِّلاعها مسبقًاعلى ردِّ السفير السعودي، آثرت عدم الأخذ به ونشره في مقالها الذي تضمَّن مقابلة السفير الإسرائيلي، إلاَّ أنَّ إصراره والموضوعيَّة التي تتَّسم بها ردوده الصحافيَّة المُستلهمة من سياسة المملكة، وعلاقته الشخصيَّة بعديد من كبار المسؤولين الصحافيِّين حالت دون عدم نشر ردوده.

فنَّد السفير الحسيني بردِّه ادِّعاءات السفير الإسرائيلي، وعدَّد افتراءات الكاتبة ضدَّ سياسة المملكة، وضدَّ سلوكه الدبلوماسي. وتساءل عن أسماء السفراء العرب الذين يكنُّون مودَّة للسفير الإسرائيلي! ومن الجدير بالذكر إنَّ الكاتبة أشارت إلى أنَّ السفير الإسرائيلي يتحادث وديًّا مع عددٍ من السفراء العرب، ومن ضمنهم السفير العراقي الذي تسلَّم منصب تمثيل العراق في كندا مؤخَّرًا. وقد قال: "إنَّنا تجاوزنا تلك المرحلة."

وذكر السفير الحسيني في ردِّه تعقيبًا على تصريح السفير الإسرائيلي قائلًا:
"من جهة أخرى، لم تشر السيِّدة في مقالها إلى السؤال الذي طرحتُهُ وهو: "كيف يمكن للسفير الإسرائيلي أن يزعم بأنَّ كلَّ الدبلوماسيِّين في أوتاوا ودودون معه، مع أنَّ معظم بلدانهم إن لم تكن جميعها، قد صوَّتت في كلِّ المحافل الدوليَّة بما فيها الأمم المتَّحدة من أجل إنهاء الاحتلال ووضع حدٍّ لإخضاع الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال؟ وكيف إذًا يتَّخذ دبلوماسيُّو تلك البلدان كافَّة موقفًا وديّا وحميمًا تجاه السفير الإسرائيلي كما يزعم؟"
وعن ذكر السفير الإسرائيلي تصرُّفات السفير السعودي غير اللائقة دبلوماسيًّا تجاهه، فقد ردَّ السفير الحسيني بقوله:
"بما أنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة وإسرائيل لا تربطهما أيَّة علاقات دبلوماسيَّة، فقد لمست نوعًا من الخبث في إشارة السفير الإسرائيلي إليَّ شخصيًّا مباشرة وإلى بلدي في ذلك الاجتماع. هذا تصرُّفٌ غير مقبولٍ دبلوماسيًّا. وفي ضوء ذلك، وبما أنَّنا كنَّا نتحدَّث عن "سلام الشجعان"، فقد أجبت بملاحظات عن السياسات اللاإنسانيَّة لحكومة إسرائيل تجاه الفلسطينيَّين في الأراضي المحتلَّة، وأعربت فيها عن أملي بأن يتحلَّى الإسرائيليُّون بالشجاعة الكافية لعقد سلام مع الفلسطينيِّين."

لم يقتصر تعليق الكاتبة على الغمز من السياسة السعوديَّة، بل اقترحت بنوعٍ من الدُعابة والتفكُّه دعوة السفيرين إلى تناول فنجان قهوة معافي أوتاوا، فربَّما وجدا كبشرٍ قواسم مشتركة بينهما. فكان ردُّ السفير:

"أمَّا بالنسبة إلى اقتراح السيِّدة بأنَّ اجتمع مع السفير الإسرائيلي على فنجان قهوة في أوتاوا، فأقول لها بأنَّ ذلك سيكون ممكنًا فقط إذا حصل الفلسطينيُّون على دولتهم المستقلَّة القابلة للحياة والنمو وعاصمتها القدس الشريف، وعندما تنهي إسرائيل احتلالها للأراضي السوريَّة واللبنانيَّة."

وبما أنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة وسفيرها الدكتور محمَّد الحسيني، عميد السفراء العرب في كندا، وواحد من أقدم الدبلوماسيِّين المعتمدين في أوتاوا، يربطون السياسة بالحقِّ والأخلاق والقيم، فإنَّ خطَّهم المستقيم قد يكون أطول ما يكون بين نقطة الحقِّ الفلسطيني ونقطة الباطل الإسرائيلي. لذا، استحقَّ خطُّ السفير و "فنجان قهوته" احترام زملائه الديلوماسيِّين، وتقدير المغتربين العرب.