أحمد عبدالعزيز من موسكو: يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد اليوم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين على خلفية الجدل الذي أثارته أنباء متناقضة عن مبيعات محتملة لصواريخ روسية إلى سورية، وكذلك الاتهامات الأميركية الموجهة إلى كل من موسكو ودمشق.

ونفت روسيا المزاعم الأميركية - الإسرائيلية ببيع صواريخ إلى سورية، مؤكدة أنها بالرغم من بيعها أسلحة إلى سورية منذ فترة طويلة، فليس لديها أي نية لتوريد صواريخ "إسكندر-أي" لدمشق، وهي صواريخ هجومية وليست دفاعية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "تعاوننا مع سورية له جوانب متعددة ويتضمن التعاون العسكري لكنه لا يتجاوز مطلقا إطار الاتفاقات الدولية".

واعتبرت روسيا أن إثارة مشكلة الصواريخ هذه أمر يصل إلى حد الإهانة، خصوصا وأنها تزامنت مع وجود وزير دفاعها سيرجي ايفانوف في واشنطن للبحث في اتفاق حول الحد من مبيعات الصواريخ المحمولة.

وغادر ايفانوف واشنطن غاضبا من التحذيرات الأمريكية والإسرائيلية من مغبة احتمال بيع سورية صواريخ إسكندر. وعلى الفور قامت موسكو بالدفاع عن سورية ضد الاتهامات الأميركية الموجهة إليها بشأن علاقاتها بالمنظمات المناهضة لإسرائيل.

وقال المتحدث بوزارة الخارجية الروسية ألكسندر ياكوفنكو إنه "من المعروف جيدا أن إلصاق صفات أو إدراج هذا البلد أو ذاك تعسفيا في خانة محور الشر لم يعزز أمن أي أحد كان على الإطلاق". مثل هذا التصريح جاء ردا غير مباشر على تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية المعينة كوندوليزا رايس التي صرحت بأن سورية قد تواجه عقوبات أميركية جديدة إذا واصلت تعاونها مع المنظمات المتطرفة المعادية لإسرائيل ولم تضع حدا لتسلل ناشطين إلى العراق انطلاقا من أراضيها.

ورغم عدم التأكد من وجود نية لدى موسكو لبيع صواريخ لسورية إلا أن الخبراء يجمعون على القول إن الفرص باتت في مجمل الأحوال ضئيلة لتحقيق هذه الصفقة. وهذه المسألة تبرز الأهمية التي ما زالت موسكو توليها لدولة تعتبرها إسرائيل معادية لها، وتقيم علاقات طيبة مع موسكو في الوقت نفسه.

ويتفق الكثيرون من مهندسي السياسة الخارجية الروسية على "أن سورية هي الدولة الوحيدة التي تملك فيها روسيا إلى الآن قاعدة بحرية"، و"البلد العربي الوحيد الذي تستطيع موسكو من خلاله التأثير على الوضع في الشرق الأوسط لأن الدول الأخرى تصغي أكثر للولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية الأخرى".

من جهة أخرى نفت سورية أيضا أن تكون زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو لشراء أسلحة. وهو ما أكده الأسد بمجرد وصوله إلى العاصمة الروسية مشيرا إلى أن هذا الموضوع غير مطروح على جدول المباحثات، وبالذات موضوع الصواريخ.

ويرى الكثير من الخبراء أن روسيا حريصة على المحافظة على قنوات اتصالاتها مع سورية. علما بأن موسكو، على حد قولهم، تملك وسائل غير قليلة للضغط على دمشق، ومن بين ذلك الديون السورية الموروثة من الحقبة السوفيتية والتي تصل إلى 13 مليار دولار، وشبكة خطوط أنابيب النفط التي بنتها روسيا هناك وما زالت تتولى صيانتها.

إلى هذا الحد تبدو الخريطة "وردية" نسبيا. غير أن هناك اتجاهات رصد أخرى تنظر من زاوية مختلفة نسبيا، وربما تكون معاكسة تماما. فالاتهامات التي وُجِّهت لإسرائيل بأنها مصدر تسريب المعلومات المتعلقة بصفقة الصواريخ لسورية، تُوَجَّه إلى سورية نفسها. إذ أن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن دمشق سربت لإسرائيل مثل هذا الخبر لتمتحن متانة العلاقات السورية-الروسية، تمهيدا لبحث بنود شائكة، من بينها إمكانية جلوس المفاوض السوري مع نظيره الإسرائيلي حول طاولة المفاوضات، وسحب القوات السورية من لبنان، وطلب ضمانات روسية لتحقيق هذه الخطوات، وهو ما أطلق عليه المراقبون تنشيط الدور الروسي في الشرق الأوسط عبر سورية.

وقالت مصادر دبلوماسية روسية لـ "إيلاف" بأن سورية بالفعل ليست بحاجة إلى صواريخ هجومية، خاصة وأنها لا تنوي مهاجمة إسرائيل. ووجهة النظر هذه موجهة إلى الطرفين السوري والإسرائيلي. إذا، فلماذا كل هذه الضجة؟!

ولم تتوانى بعض المصادر السورية عن التصريح بأنه "إذا تمكن الرئيس الأسد من إقناع نظيره الروسي من بيع أسلحة لدمشق ستكون نتائج الزيارة عظيمة، وستكون موسكو بذلك قد أثبتت أن دمشق حليف استراتيجي ورئيسي في المنطقة". كما تم التلميح بأشكال مختلفة إلى العلاقات المتعددة والمتنوعة لسورية مع جميع دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وهو ما فهمه بعض المراقبين بأنه ورقة ضغط على موسكو لتدرك بأن دمشق يمكنها في أية لحظة تغيير بوصلتها نحو واشنطن، وخاصة في ظل الضغوط الأميركية والاتهامات التي تكيل يوميا لسورية. من هنا تحديدا يظهر عامل الحذر بين القيادتين الروسية والسورية.

والتساؤلات المطروحة، بعيدا عن "الكلام المعسول" و"التوجهات الدبلوماسية الحماسية"، هل يمكن لموسكو أن تضحي بعلاقاتها مع الولايات المتحدة أو إسرائيل باتخاذ خطوات غير محسوبة، وبالذات في مجال تسليح سورية؟ خاصة وأن الجميع يتحدثون عن "التسوية السلمية" و"خارطة الطريق" و"تنشيط الدور الروسي في الشرق الأوسط". بيد أن موسكو تنظر إلى هذه الملفات بموضوعية شديدة استنادا إلى قدراتها الذاتية وبدون مبالغة حتى لا تخسر ما تم بناؤه من علاقات سواء مع الولايات المتحدة أو إسرائيل طوال السنوات الفائتة.

الأكثر منطقية هو أن روسيا، وهو ما تم التصريح به في أكثر من مقام على لسان مصادر روسية، سوف تحاول الدفع في اتجاه سحب القوات السورية من لبنان أثناء الحديث عن إمكانية تنشيط المسارين السوري واللبناني، وسيجري الحديث، وإن كان على مستوى التلميح، عن تسوية الشرق الأوسط من زاوية جلوس السوريين مع الإسرائيليين، ومن الممكن أن تطلب موسكو من دمشق تحديد أولوياتها إزاء الملف العراقي، أو بلغة أخرى تفسير ما يتردد حول تورط سورية في العراق من ناحية، وتعاون دمشق مع ما تطلق عليه الولايات المتحدة وإسرائيل بالمنظمات المتطرفة.

كل هذه البنود تتلاقى بشكل أو بآخر مع الأجندة الأميركية، وتتفق بدرجات متفاوتة مع شروط واشنطن لإعادة النظر في علاقاتها مع دمشق. وبالتالي فروسيا هنا تلعب دورا حياديا للحفاظ على علاقاتها مع الطرفين السوري من جهة والأميركي-الإسرائيلي من جهة أخرى، حيث ترى أن الشرق الأوسط لم يعد ساحة صراع بينها وبين أطراف أخرى لأسباب عديدة تعود في الكثير منها إلى الدول العربية نفسها، وإلى عمق العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وبين الأولى وإسرائيل أيضا.

ويبدو أن موسكو قررت الدخول إلى هذا المعترك بإطلاق بالون اختبار جدير بالاهتمام، حيث تسربت أنباء بأن الرئيس الروسي بوتين ينوي مفاجأة نظيره السوري بشطب 10 مليار دولار من الديون المستحقة على سورية. وبالتالي ففي أحسن الأحوال، يمكن أن يحدث تناغم ما بين موسكو ودمشق بشأن التوصل إلى "تسوية ما" لحلحلة الوضع في الشرق الأوسط، ولكن الثانية لن تقدم على مثل هذه الخطوة إلا بالحصول على ضمانات أكيدة من القيادة الروسية.