حديث عن تعديل دستوري
المصريون يترقبون عام الحسم


نبيل شرف الدين من القاهرة: يواجه الحزب الوطني الحاكم في مصر معضلة حقيقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، تتمثل في الضغوط الدولية والإقليمية والمحلية التي تجعل من تكرار ما كان يجري الماضي أمرًا صعبًا في الحصول على غالبية مقاعد البرلمان من دون مساندة حقيقية، أو تمثيل فعلي للقاعدة العريضة. وربما كان ذلك من أهم الأسباب التي دفعت نجل الرئيس المصري جمال مبارك إلى مطالبة أنصاره باستيعاب درس الانتخابات الأخيرة قبل خمس سنوات، وخسر فيها الحزب 60% من مرشحيه الرسميين، وتمكن من مواصلة سيطرته على البرلمان بضم المستقلين إلى صفوفه مجددًا، سواء من خلال وعود وامتيازات أو مساندة في تحقيق بعض المكاسب لناخبي دائرته أيضًا. وكشفت مصادر قريبة من دوائر القرار المصري لـ"إيلاف" عن إعلان حكومي مرتقب يتضمن برنامجًا للإصلاح خلال المرحلة المقبلة، بدءًا بتعديل الدستور وأسلوب المتبع منذ بدء الجمهورية في اختيار رئيسها، حتى يصبح بالانتخاب بين أكثر من مرشح، وينهي نظام استفتاء الناخبين على مرشح واحد يختاره مجلس الشعب والمعمول به منذ عام 1957 في أول دستور شهدته مصر بعد حركة الضباط في تموز (يوليو) عام 1952 لينتقل بالبلاد إلى وضعية سياسية جديدة يعول عليها كثيرون أن تغيّر ملامح المشهد المصري الداخلي، والأوضاع المترهلة في الجهاز الإداري للدولة منذ عقود مضت.

من جانبها دشنت أحزاب المعارضة المصرية حملات شعبية مبكرة استعدادًا لهذه الانتخابات المقرر انطلاقها في تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل وتستمر شهرين لاختيار 444 نائبًا يشكلون مجمل عضوية مجلس الشعب (البرلمان) الجديد الذي وصفه جمال مبارك الذي يشغل منصب أمين السياسات في الحزب الحاكم بأنه سيكون الأهم في تاريخ البلاد، داعيًا إلى استثارة عزم أنصار الحزب وإنهاء حقبة وصفها بأنها "مرحلة الكتاب القديم"، إذ حرص خلال جولاته في المحافظات المختلفة على تشجيع قادة الحزب المحليين على مواجهة المعارضة والتماسك والتوحد أمام الناخبين.
وإذا كانت الحملات الرسمية الانتخابية لم تنطلق رسميًا بعد، إلا أن المؤتمرات التي يجول فيها قادة الحزب الحاكم أو رموز المعارضة في المحافظات المختلفة أوضحت بجلاء خشية كل جانب من نتائج الانتخابات النيابية والنقابية والمحلية المرتقبة، ففي الوقت الذي يسعى فيه الحزب الحاكم إلى تجنب خسارة فادحة تعرض لها في الانتخابات الأخيرة قبل خمسة أعوام، فإن المعارضة تسعى من جانبها إلى وراثة الأصوات التي اختارت ستين في المائة من المرشحين المستقلين ودفعت بهم لمجلس الشعب (البرلمان) في انتخابات عام 2000 في ظاهرة لم يعهدها الرأي العام من قبل .

مكاسب المعارضة
وتشير القراءة الأولى للمشهد السياسي إلى أن المنافسة ستشهد متغيرًا مهمًا في أساليب التعامل التي اقتصرت في الماضي على تبني المعارضة أساليب الهجوم في مواجهة صمت الحزب الحاكم واكتفائه بالأساليب التقليدية في الاتصال بالناخبين، حيث أعلن جمال مبارك أن الحزب لن يخضع لابتزاز المعارضة داعيًا أنصاره للانتقال من مواقع الدفاع إلى الهجوم على مزايدات المعارضة وكشفها، كما تكتسب الانتخابات البرلمانية المرتقبة أهميتها لكونها تأتي تتويجًا لنشاط حافل في ما بات يطلق عليه في القاهرة "عام الحسم"، الذي يشهد جدلًا حادًا حول قضية الإصلاح السياسي، ومحاولة الحزب الحاكم دق عظام المعارضة، التي تبذل بدورها جهودًا مضنية بغية منح مسألة تعديل الدستور، أولوية في برنامج الإصلاح السياسي للعام الحالي.

غير أن ما تحسمه الصراعات خلال المرحلة المقبلة يتمثل في مدى قدرة الجيل الجديد على إعادة صوغ المعادلة السياسية في البلاد، لجهة فض الارتباط بين الحزب الوطني (الحاكم) ومؤسسات الدولة، ليؤكد وجوده كحزب في الحياة السياسية، وليس تعبيرًا عن الدولة ومصالحها، ومردفًا موضوعيًا لها، وهي الزاوية المعارضة من جانبها بدت حذرة، وغير راغبة في الانحراف عن مسار معركة دشنتها قبل اشهر بخصوص قضية الإصلاح، تمكنت خلالها فعليًا من الدفع بملف الإصلاح الدستوري والسياسي إلى الصدارة في أوساط النخبة.

وتوجت هذه الجهة المعارضة جهودها بتشكيل تحالف يضم ثمانية أحزاب من أصل تسعة عشر حزبًا، وأصدرت وثيقة موحدة اعتبرت تعديل الدستور أساسًا لأي إصلاح مرتقب في البلاد، غير أن الحزب الحاكم أيضًا نجح في اختراق صفوف المعارضة بالحصول على تأييد أربعة من أعضاء التوافق لرؤيته الداعية إلى منح الأولوية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وإرجاء كل التدابير العملية لتعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية نهاية العام الحالي، مع التمسك باختيار رئيس الجمهورية منتصف العام بنظام الاستفتاء بدلا من الانتخابات بين أكثر من مرشح. ولعل هذا ما يفسر تراجع المعارضة إلى نقطة أكثر تأخرًا عن شعارها تعديل الدستور قبل الاستفتاء الرئاسي، حيث اعتبر المتحدث بلسان التوافق د. رفعت السعيد، رئيس حزب (التجمع) اليساري أن إعلانًا من الدولة بقبول تعديل الدستور كاف لأن يمثل انتصارًا كبيرًا لأحزاب المعارضة، حتى ولو تم هذا التعديل بعد التمديد للرئيس مبارك وإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهذه - بتقديره - خطوة لا يمكن التهوين من قيمتها، خاصة مع استبعاد إمكانية النكوص والانقضاض على هذا المكسب من خلال تعديل جديد إذا لزم الأمر، في ظل إرادة دولية وإقليمية ومحلية سترفض ذلك وتجابهه بقوة.

رهان الشارع
وحسب مراقبين في القاهرة فإن التغيير في أساليب المعارضة الخاصة بخوض المواجهة الأكثر سخونة مع الحزب الحاكم، لم تتوقف عند هذا الأمر فقط إنما يرتبط أيضا بقدرتها على التواصل مع الناخبين وتوسيع دائرة أنصار تعديل الدستور في دوائر الرأي العام حيث يشير حسين عبد الرازق، منسق لجنة الدفاع عن الديمقراطية التي تضم ائتلافًا من أربعة أحزاب معارضة، وست منظمات حقوقية إلى أن معركة الدستور طويلة المدى والمشروع المقترح لتعديل مواد بعينها، يحتاج إلى وقت ربما لا يمكن حشد الأنصار حوله قبل منتصف أيار (مايو) المقبل، حيث موعد تصويت أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) على تسمية المرشح الرئاسي لولاية جديدة، التي أعلن بشكل شبه رسمي أن الرئيس مبارك سيخوضها.

وعلى الرغم من أن هذا القراءة لأبرز وقائع المسرح السياسي المصري الراهن لا تخلو من المنطق، إلا أن خصوصية الوضع هناك لا يمكن معها استبعاد إمكانية حدوث مفاجآت أو تطورات غير متوقعة، لكن المؤكد أن كل طرف أصبح يحسب للطرف الآخر حسابًا، وأن كافة الأطراف، حكومية ومعارضة ومستقلة وغيرها، باتت تدرك في أعماق القائمين عليها، مدى ابتعادهم عن القواعد الشعبية العريضة، وهموم ملايين البسطاء لذا يسعى الحزب الحاكم ومعه كافة أحزاب المعارضة إلى استعادة اكتساب ثقة الناخب الباحث عن الاستقرار الاقتصادي وإنهاء معاناته اليومية بين مبررات الحكومة لأسباب الأزمات، وبين انتقادات المعارضة التي لم تقدم له بديلًا عمليًا ملموسًا، يؤثر إيجابيًا في واقعه القاسي، ومستقبله المشوب بهالات كثيفة من الغموض والتباس الرؤية.