لا مركزية وتقسيم الاردن لثلاثة أقاليم منتخبة
عبد الله الثاني يقود انقلابا إداريا وسياسيا شاملا

عبد الله الثاني يستكمل تنفيذ خططه الاصلاحية

نصر المجالي من لندن: إقرارا لمبدأ المشاركة الشعبية الواسعة عبر صناديق الاقتراع، وتثبيت مبدأ التنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإداريا، فإن عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني أعلن عن ما يمكن تسميته "انقلابا شاملا" لتحقيق المزيد من اللامركزية في البلاد وتقسيمها إلى ثلاثة أقاليم، هي الوسط والجنوب والشمال، داعيا إلى إجراء انتخابات في هذه الأقاليم من جانب المواطنين على غرار انتخاب البرلمان ليكون لكل إقليم حكومته المحلية تتخذ قراراتها عبر مشاركة شعبية بعيدا عن تأثير الحكومة المركزية في العاصمة، لا بل مساعدة أصحاب القرار في عمان على القيام بمهماتهم.

وما أعلنه الملك عبد الثاني من على شاشاتي التلفزيون الأرضي والفضائية الأردنية وعبر إذاعة عمان كان يفكر به منذ توليه العرش في العام 1999 ، من خلال دعواته المتكررة لتنفيذ تنمية سياسية اقتصادية اجتماعية إدارية شاملة، وذلك لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية من خلال هيئات منتخبة انتخابا مباشرا، لاستكمال مسيرة الإصلاح الشاملة لما يعود بالخير على جميع المواطنين الذين يتعين عليهم التهيؤ للقيام بمهماتهم من القاعدة وصولا لمساعدة القمة في اتخاذ قراراتها.

ومع قرار الملك عبد الله الثاني، فإن الأردن سيكون له بلدياته المنتخبة وبرلمانه المنتخب ثم مجالسه الإقليمية، وقالت المصادر الأردنية ان الملك في هذه القارات إنما يقوي مبدأ القدرة على اتخاذ القرار في البلاد عبر مؤسسات شعبية قادرة.

وقد رصدت "إيلاف" منذ البارحة خطاب الملك الذي هنأ فيه الشعب الفلسطيني على انتخاب قيادته الجديدة، وكذلك دعا الشعب العراقي إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع، وكذلك ردات الفعل عليه، وهو جاء في الوقت الذي تشهد فيه حكومته صراعا مع النقابات المهنية حول دور هذه الأخيرة حيث قررت الحكومة منعها من العمل السياسي والالتفات إلى القضايا المهنية.

وفي خطابه، قال الملك عبد الله لشعبه "إنه ليسرني غاية السرور ..أن أتوجه إليكم اليوم بتحية الاعتزاز بكم والتقدير لعطائكم في سائر مواقعكم وفي كل مكان من الأردن العزيز وأنتم تواصلون مسيرة البناء والتنمية وتحققون الإنجازات الكبيرة التي تليق بعزيمتكم وتصميمكم على استكمال بناء الأردن الحديث ..الأردن الذي يوفر لأبنائه وبناته فرص الحياة الكريمة في مناخ من الحرية والديمقراطية التي تمكّن كل واحد منهم من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر في حياته ومستقبل أبنائه وتفتح له الأبواب للمساهمة في مسيرة التنمية الشاملة والاستفادة من مكاسبها على أسس من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص".

وتابع الملك القول "وقد رأيت أن أتحدث إليكم اليوم ..وأضع أمامكم رؤيتي لمسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري التي بدأناها منذ خمس سنوات والتي تشكل في مجموعها طريقنا إلى التنمية المنشودة. وعلى ذلك فإنني أرى أن التنمية السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية
هي عملية متكاملة ولا يجوز التعامل مع أي واحدة منها على أنها وحدة مستقلة
أو منفصلة عن غيرها ..وأنه لا بد من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في هذه
المسيرة التي تحتاج إلى جهد ودعم كل واحد من أبناء الوطن.
ولما كانت التنمية السياسية هي المدخل لمشاركة مختلف الفعاليات الشعبية
ومؤسسات المجتمع المدني في سائر جوانب عملية التنمية ..فإنني أؤكد هنا على أهمية أن تبدأ التنمية السياسية من القواعد الشعبية صعودا إلى مراكز صنع القرار ..وليس العكس".

واستطر يقول "وبناءً على ما تقدم ..وتعزيزا لمسيرتنا الديمقراطية ..واستكمالا لعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري ..وحرصا منا على إشراك المواطنين في محافظاتهم في المرافق العامة وأولويات الاستثمار والإنفاق على المشاريع الرأسمالية والخدماتية وفي الإشراف على أداء الأجهزة الرسمية في مختلف المناطق ..فقد رأينا أن نعيد النظر في التقسيمات الإدارية في المملكة بحيث يكون لدينا عدد من المناطق التنموية أو الأقاليم التي يضم كل إقليم منها عددا من المحافظات ..ويكون لكل إقليم مجلس محلي منتخب انتخابا مباشرا من سكان هذا الإقليم ليقوم هذا المجلس ..إضافة إلى المجالس البلدية المنتخبة في المحافظات ..بتحديد الأولويات ..ووضع الخطط والبرامج المتعلقة بهذا الإقليم بدلا من اقتصار هذه المهمة على صانع القرار في المركز ..فأهل الإقليم أدرى بمصالحهم واحتياجاتهم ..وسنعمل في أقرب وقت ممكن على تشكيل لجنة ملكية لدراسة هذا التوجه من مختلف الجوانب ..ووضع الآلية المناسبة لتنفيذه وتحويله من فكرة إلى واقع ملموس".

وختم العاهل الأردني كلمته بالقول "أنها مناسبة أتوجه فيها باسمكم جميعا بالتهنئة والمباركة للأشقاء الفلسطينيين بإنجازهم العظيم في إجراء الانتخابات الرئاسية واختيار قيادتهم الشرعية باعتبار هذا الإنجاز خطوة رئيسية وضرورية على طريق استعادة حقوقهم وبناء دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وسنكون لهم كما كنا على الدوام السند والداعم الأقوى حتى يتمكنوا من تحقيق طموحاتهم الوطنية المشروعة، وبهذه المناسبة أيضا ..فإنني أتوجه إلى الاخوة والأشقاء في العراق بمختلف فئاتهم وأطيافهم بالدعوة المخلصة إلى المشاركة في الانتخابات التي ستُجرى بعد أيام لأنها الطريق الواقعي الوحيد الذي سيمكنهم من تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة بناء وطنهم والعودة به إلى وضعه الطبيعي ومكانته المتميزة في المنطقة".

وهذه هي المرة الأولى التي تجري فيها إعادة تقسيم المملكة الهاشمية إداريا، منذ استقلالها العام 1946 ، حين كانت مقسمة إلى ألوية، ثم رفعت إلى محافظات في أواسط الستينيات، ويتعين الآن على الحكومة أن تعد مشروع قانون بما أمر به الملك ليعرض على البرلمان، حتى يتسنى الشروع في أقرب الآجال تنفيذ خطة التقسيم الإدارية الجديدة.

وفي الأخير، فإن الأقاليم الثلاثة هي : أقليم الشمال وعاصمته إربد، وإقليم الوسط وعاصمته السلط، وإقليم الجنوب وعاصمته الكرك، ولكن هذا التقسيم الجديد لا يلغي المحافظات القائمة في كل من الأقاليم المقترحة. واعتبر سياسيون وبرلمانيون أردنيون أن الخطوة الملكية هي خطوة جديدة أخرى على طريق مبدأ المشاركة الشاملة للأردنيين في القرار عبر مؤسسات منتخبة، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني التي شهدت نموا كبيرا منذ عودة الديموقراطية في العام 1989 ، حيث تم انتخاب برلمان جديد، كما تم السماح بتشكيل الأحزاب وهو أمر كان محظورا منذ العام 1957 ، حيث تشكلت إلى الآن 34 حزبا تجري محاولات لدمجها لتصبح ثلاثة أو أربعة فقط.