خلف خلف من رام الله: شن الباحث اليساري الإسرائيلي ميرون بنفنستي هجوما عنيفا على الحزبين اليساري واليمني المتطرف قائلا: المارد الديمغرافي في داخل إسرائيل ما زال يُستخدم من قبل اليمين واليسار على انه "فزاعة"، فبين الحين والآخر، وفي وقت غير واضح، تنتشر الإشاعات فجأة أن المارد الديمغرافي، الذي يوجد في رحم المرأة العربية قد شن هجوما جديدا وهو يهدد بتدمير كل المشروع الصهيوني.
ويتابع الباحث القول: لم يرَ أحد هذا الجني بأم عينه، ولكن من المعروف أن قوة الجن والشياطين تكمن في كونهم غير مرئيين للناس العاديين، وأنهم مكشوفين فقط للأشخاص الذين يطردون الجن وذوي العلم والمعرفة، المارد الديمغرافي يمتلك قوة كبيرة بصورة خاصة لأنه ليس مجرد شخصية مخيفة مصنوعة من الأساطير، وإنما ماردا مصنوعا من المعطيات الإحصائية والرياضية والاحتمالات المدروسة والمحسوبة، من الذي يستطيع أن يكفر بالفزاعة العلمية التي تشكل تهديدا من خلال السلاح الحاد المسمى "معدلات الخصوبة"؟.
ويضيف ميرون بنفنستي: هذا المارد نجح في ترسيخ نفسه في عالم الأشباح عند كل أصحاب المعتقدات والآراء: يمين ويسار، متدينين وعلمانيين، مستوطنين وخصومهم مؤيدي مبادرة جنيف وأصحاب اوسلو، كلهم يستخدمون التهديد الديمغرافي كبرهان أبدي على صدقهم، والعرب وحدهم (وربما بعض اليهود الهامشيين) يحركون رؤوسهم ويقولون أن هذا ليس ماردا وإنما فزاعة، والخوف هو تعبير لكراهية الآخر التي تنطوي على أكثر من العنصرية، ولكن من الذي ينتبه للمستخفين المستهينين بالمارد الديمغرافي الذين يرغبون فقط في تخدير الجمهور من الخطر الملموس على وجود الشعب اليهودي في بلاده والذي يفقد أغلبيته الديمغرافية ويتحول بذلك إلى أقلية مثلما كان في الشتات والمنافي.
وبحسب الباحث اليساري الإسرائيلي فأن المارد هو شيء فظيع، وقد حشدوا الطاقات مرات كثيرة لمكافحته لدرجة أن مجموع الحجب والتعاويذ التي أُعدت ضده يكفي لتعبئة أجزاء كاملة من الكتب، خلاصة غير كاملة لكل الأسابيع العجيبة وتشمل التفاصيل التالية: فك الارتباط من كل المناطق المأهولة بالعرب وضم كل المستوطنات، فك الارتباط عن غزة فقط، إلغاء ضم الأحياء العربية في شرقي القدس، إخراج وادي عارة و"المثلث الصغير" من حدود دولة إسرائيل، حظر منح الجنسية الإسرائيلية في إطار جمع شمل العائلات العربية والتفرقة في مخصصات الاولاد وسياسة الهجرة غير الإنتقائية لمن يُشك في يهوديتهم ومساعي عرقلة هجرة اليهود الى دول غربية حتى يضطروا للهجرة الى اسرائيل خلافا لرغبتهم.
ويضيف: وعندما لا يُسعف كل ذلك شيئا، والتناسب الديمغرافي يزداد سوءً يستخدمون الوسيلة العجيبة التي يقف المارد عاجزا أمامها: الإعلان عن عدم وجوده على رؤوس الأشهاد وتحطيم الإسطوانة التي يرتكز عليها "التهديد الديمغرافي"، كما فعل المصريون القدماء عندما حطموا الفخار الذي دُون عليه اسم أعدائهم - كوسيلة خرافية لتدميرهم. هذه الحيلة العبقرية بسيطة جدا، ذلك لان معطيات المارد الديمغرافي تنتج في مكتب الاحصاء المركزي للسلطة الفلسطينية، ومن السهل القول عنه انه غير موثوق وانه غير موضوعي من الناحية السياسية، وربما ايضا ليس ذو مصداقية علمية كاملة.
ويكمل ميرون بنفنستي القول: كل الانفعال والهرج وُلد فقط لان أوساط اليمين اكتشفت أنهم قد اختطفوا منهم المارد الديمغرافي وان الآخرين يستخدمونه، حتى يبرروا اخلاء قطاع غزة، وإذا لم يخدم مصالح اليمين فمن الواجب الادعاء انه غير موجود. واليسار في قلب للأدوار يضخم الآن من بارانويا "المارد الديمغرافي" ويكتب له تعويذته: الانسحاب من كل التجمعات الفلسطينية المأهولة مع استمرار التفرقة الجماعية ضد العرب في دولة إسرائيل.
وعما قريب، عندما يفرض المارد الديمغرافي موقفا يربط أخيرا بين تعداد الرؤوس (الإحصائي) وبين تعداد اليدين (الديمقراطي) ولن يكون بالامكان التهرب من معضلة الدولة اليهودية أو الديمقراطية، وعندها ستكتب التعويذة المخيفة التي ستطرد الجني الديمغرافي من رحم المرأة العربية وتشجب استخدام الفزاعة الديمغرافية على اعتبار أن ذلك خطوة عنصرية.