أسامة العيسة من القدس: تستطيع والدة شهيد فلسطيني كانت سلطات الاحتلال تحتجز رفات ابنها، أن تنام هذه الليلة بعمق، بالقرب من تلك الرفات، بعد أن جفاها النوم طوال سنوات كان ابنها مطاردا ثم جثمانا محتجز لدى السلطات الإسرائيلية بعد مقتله.
وكانت السلطات الإسرائيلية سلمت جثمان علي علان، لأهله، بعد معركة قضائية استمرت نحو عامين أصدرت في نهايتها المحكمة العسكرية الإسرائيلية العليا قرارا بتسليم رفاته لأهله، وهو أجراء نادر.
وتقول والدته انه منذ أن قتل ابنها بتاريخ 18 آذار (مارس) 2003 في اشتباك مع قوات الاحتلال، واحتجاز جثمانه، وهي تشعر بمرارة فقدان ابنها باستمرار، وأوكلت العائلة محاميا إسرائيليا تقاضى نحو 10 ألاف دولار، ونجح بعد اجراءات قضائية معينة في إعادة رفات الابن.
ويوجد عدد كبير من الفلسطينيين والفلسطينيات الذين تحتفظ بهم سلطات الاحتلال بعد قتلهم في عدة مقابر في غور الأردن وعلى الحدود مع لبنان تسمى مقابر الأرقام، وبعضهم موجود في هذه المقابر منذ نحو 35 عاما وترفض إسرائيل تسليمه لأهله، بينما سلمت آخرين بعد سنوات طويلة في مكوثها في مقابر الأرقام وصلت إلى عشرين عاما، وتسليم جثث الشهداء أحدى المطالب التي حملتها فصائل المقاومة لمحمود عباس (أبو مازن) لينقلها إلى إسرائيل، كأحد شروط إنجاح الهدنة.
وقال والد علي علان لمراسلنا انه يشعر الان بارتياح كبير وكأن هما كبيرا انزاح عن كاهله بعد عودة ابنه ولو رفاتا.
وسلم الرفات ملفوفا بكفن موضوعا في صندوق خشبي، ولم يتم فتح الكفن حتى يتم الحفاظ على الرفات الذي سيتم دفنه غدا في جنازة رسمية وشعبية.
وكان علي علان احد المطلوبين الأشد خطورة لإسرائيل خلال الانتفاضة، واعتبر ارئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي اغتياله أو اعتقاله مسالة على سلم الاولويات.
وفي يوم 14 تشرين أول (نوفمبر) 2002 وقف شارون نفسه في مستوطنة جيلو على مشارف مدينة بيت جالا مستعرضا قواته التي كانت بدأت احتلالا وتوغلا كاملا للمدينة وقراها وبلداتها قبل ذلك بيومين، وسأل إذا كانت أجهزته الأمنية استطاعت القبض على علي علان، الذي تنسب إليه الإشراف على تنفيذ عمليات عدة ضد إسرائيل.
وكانت ما تسبه إسرائيل إلى علان يفاجيء الذين يعرفونه الذين لم يكونوا يتوقعون بان علان الشاب الأشقر الوسيم الذي يبدو انه غمر بتدليل و(بدلع) جعله يكون اقرب إلى شاب غير مبال، يمكن أن يكون مقاوما ذا بأس.
ولم يكن ذلك في الواقع سوى القشرة التي يحكم فيها عادة الناس على بعضهم البعض، وكان أول احتكاك له مع قوات الاحتلال عام 1994م عندما اعتقلته هذه القوات وغاب علان أربع سنوات ونصف السنة في السجون.
وعندما خرج عام 1999م عمل علان صاحب الشخصية المحبوبة كسائق في شركة كهرباء القدس، وتزوج من أمل مفرح علان، وبعد نحو عام اختفى علان عن الأنظار وأصبح ظهوره نادرا ولم يعن اختفائه أو ظهوره شيئا لمعارفه وأقاربه، ولكنه كان قد انخرط في العمل العسكري لكتائب عز الدين القسام، ووفقا لمصادر إسرائيلية فانه كلف بتشكيل خلايا للكتائب في شمال وجنوب الضفة الغربية.
وفي الأشهر الأولى لانتفاضة الأقصى وقعت في مدينة نابلس، عملية اغتيال مدوية لأحد قادة كتائب عز الدين القسام هو ايمن أبو الحلاوة، بإطلاق صواريخ من مروحيات مقاتلة على سيارته وفي حين قتل أبو الحلاوة فان أخرا كان معه في السيارة أصيب ونجا بأعجوبة ولم يكن ذلك الشخص سوى علي علان الذي بدأت الأوساط الإسرائيلية تتحدث عنه بوصفه أحد اخطر المطلوبين ثم أصبح المطلوب الأول لها.
وبدأت حملة مطاردة واسعة وكبيرة لعلان الجريح، وتكررت الزيارات الليلية المفاجأة من قوات الاحتلال لمنزل عائلة علان وأشقائه وأقربائه الذين تعرض الكثير منهم للاعتقال.
وبتاريخ 8 حزيران (يونيو) 2002، وجه علي علان رسالة دموية لشارون ولأجهزته الأمنية، حين نفذ عملية جنوب مدينة القدس قتل فيها نحو 17 من المستوطنين.
ويقول والده أن القوات الإسرائيلية حاصرت منزل العائلة في آب (أغسطس) 2002 المكون من عدة طوابق وتسكنه أربع اسر عدد أفرادها يزيد عن الأربعين شخصا، واحتجزت كل هؤلاء في إحدى الغرف وحقق رجال المخابرات الاحتلالية معهم لمدة ساعتين وفشلوا في معرفة مكان علي وأمهلوا السكان 25 دقيقة للخروج من المنزل لهدمه، وكانت تلك الدقائق كافية، كما يقول الوالد لإبعاد أفراد العائلة عن المكان، وأبقى رجال المخابرات زوجة علي أمام المنزل وخيروها بان تقول أين يوجد زوجها أو يهدمون المنزل فقالت لا اعرف أين هو، فتم تفجير المنزل واعتقال أمل علان بعد أن نزعوا منها ابنها معاذ ابن الثلاثة شهور الذي يعيش حتى الان في عهدة جده وجدته.
وأمضت أمل أكثر من شهرين في معتقل المسكوبية بالقدس الذي يطلق عليه وصف (المسلخ) حيث خضعت لتحقيق قاس وتعذيب، وبعد ذلك تم نقلها إلى سجن الرملة ومنذ اعتقالها لم يتمكن أي أحد من أفراد العائلة من رؤيتها.
وبالإضافة إلى زوجته اعتقلت السلطات الإسرائيلية أكثر من ثلاثين عائلته وكذلك والده وأشقائه وأربعة من زملائه الذين كانوا يعملون معه في شركة كهرباء القدس.
وظنت أجهزة الأمن الإسرائيلية أنها اقتربت من التمكن منه، عندما فجرت كابينة هاتف في أواخر عام 2002 أمام مستشفى الحسين في مدينة بيت جالا فقتل على الفور أحد المواطنين الذي امسك بسماعة الهاتف ليجري اتصالا.
واضطرت أجهزة الأمن الإسرائيلية للاعتراف بان عملية الاغتيال تلك الذي ذهب ضحيتها أحد المواطنين كانت خطأ.
ورد علان بتنفيذ عملية في مستوطنة كريات مناحيم بالقدس الغربية، أسفرت عن قتل 12 وإصابة 45.
وتابع شارون جهود البحث عن علان شخصيا الذي انتقل إلى جبل الخليل، واعد من مخبئه لعدة عمليات من بينها عمليات نفذتها كتائب القسام ضد المستوطنين في مدينة الخليل.
وكانت الضربة المؤثرة هي عملية نفذها محمود عمران سليم القواسمي في مدينة حيفا بتاريخ 5 آذار (مارس) 2003.
وفي فجر يوم الثلاثاء 18 آذار (مارس) 2003 وقع حادث له مغزاه في قرية مراح رباح الصغيرة جنوب بيت لحم، عندما قتلت قوات الاحتلال أحد المواطنين بعد أن تمكن من قتل عريف في الجيش الإسرائيلي وإصابة أخر بجراح متوسطة، وفرضت قوات الاحتلال حصارا على القرية الصغيرة وهدمت ثلاثة منازل فيها، ومع تقدم النهار داهمت فرقة من جنود الاحتلال منزل عائلة علان واعتقلت والدته ووالده وشقيقه محمد، وبعد ساعات كانت وسائل الأعلام تعلن بفخر تمكن قواتها من قتل علي علان الذي وصفته بأنه كان في الفترة الأخيرة المطلوب الأول لأجهزة الأمن الإسرائيلية.
الذي يتحمل المسؤولية عن مقتل أكثر من 50 إسرائيليا وإصابة المئات.
وأعلنت المصادر الإسرائيلية عن العثور على عدة بطاقات هوية إسرائيلية كان يستخدمها علان، وبعد قتله تم احتجاز جثمانه وفتحت عودة جثمانه مساء اليوم الأمل أمام كثير من الفلسطينيين الذي يأملون بعودة جثامين أبنائهم المعتقلة وتقول والدة علان وهي تحتضن حفيدها "لقد ردت عودة ابني اليوم الروح لي".