وزير مثير من زمن عراق المخاض الصعب
حازم الشعلان زوابع تصريحات لا تهدأ

أسامة مهدي من لندن: حين تولى حازم الشعلان وزارة الدفاع العراقية قبل سبعة أشهر، أثار تعيينه دهشة الكثير من العراقيين وحتى العرب، فقد كان أول رجل مدني يتولى هذا المنصب العسكري في تاريخ الدولة العراقية الحديثة التي تأسست عام 1921 وعرفت بهيمنة الجيش على مقدراتها حتى وصل عديد جنوده في منتصف ثمانينات القرن الماضي إلى نصف مليون عسكري في مرحلة دقيقة كان يمر بها العراق شهدت ثلاثة حروب مع إيران بين عامي 1980 و1988 وفي الكويت عام 1991 ثم حرب العراق الأخيرة التي أطاحت بنظامه ربيع عام 2003 .

وخلال هذه الاشهر القليلة من توليه منصبه العسكري أثار هذا الرجل المدني زوابع سياسية وإعلامية عدة ما زالت حديث الناس الذين انقسموا بين مؤيد لها ومعارض .. لكنها بين هذا وذاك اتصفت بشجاعة وصراحة نادرتين وصفت بالخروج عن المألوف أحيانا من قبل معارضيه ومنتقديه .. فلم تكن تصريحاته وآرائه من ذلك النوع الذي يطلقه السياسيون المحترفون الذين يجيدون التخريجات الدبلوماسية للأمور والمداهنات التي تخفي وراءها مصالح آنية أو منتظرة .. وإنما من الصراحة التي كانت من الشدة أن أثارت تساؤلات المراقبين عن الجهة أو الجهات التي تكون قد تدفع به إلى اتخاذ مواقفه المندفعة هذه في أخطر مرحلة سياسية يمر بها العراق.

ففي وقت كان الهمس يدور خافتا عن تدخل إيراني في شؤون العراق الداخلية انبرى الشعلان ليعلن ومن على شاشات الفضائيات العربية أن إيران وسوريا تقفان وراء دعم المسلحين الذين ينفذون عمليات تخريبية في بلده مهددا بنقل المعركة من شوارع بغداد إلى شوارع طهران ودمشق في كلمات نارية كان لها صدى ممتعض في عاصمتي الجارين الشرقي والغربي للعراق .. واذا كان أشار مؤخرا إلى أن سوريا بدأت بالتعاون في حفظ امن الحدود المشتركة فانه واصل حملته لكشف الدور الايراني بالتخل في الشؤون العراقية الداخلية وهو ابلغني الاسبوع الماضي ان السلطات الايرانية انفقت لحد الان مليار دولارعلىعمليات هذا التدخل .

ولم يكد غبار هذه العاصفة يهدأ حتى أثار الشعلان أخرى بهجومه الحاد على قائمة الائتلاف العراقي الموحد المعروفة بالقائمة الشيعية واصفا إياها بالقائمة الإيرانية متهما معظم المرشحين فيها بولاءات لإيران ولولاية الفقيه أكثر من ولاءاتهم لبلدهم العراق .. وهو أمر أثار غضبا لم تهدأ حدته حتى الان .. فلا يمر يوم إلا ويهاجمه مقال من هنا وتصريح من هناك .. حتى انضمت وكالة مهر الايرانية إلى المهاجمين عبر تقارير مضادة انصب معظمها لصالحه لما حملته من معلومات احتوت على الكثير من المغالطات الواضحة مثل تقبيل الشعلان ليد رغد صدام حسين في زيارته الاخيرة إلى الاردن .

ثم وخلال الاسبوع الحالي اثار الشعلان زوبعة جديدة بردوده النارية على رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي صديقه السابق اثر نشر وثائق قيل انها صادرة عن المخابرات العراقية السابقة تتحدث عن غلاقة الشعلان معها سابقا الامر الذي ينفيها ويؤكد ان التحقيق أوضح أنها مزورة وبعد أن طرح الجلبي قضية تحويل وزارة الدفاع العراقية ممثلة بوزيرها الشعلان نصف مليار دولار نقدا إلى خارج العراق واصفا العملية بأنها مخالفة للقانون وطالبا التحقيق فيها .. فرد الشعلان غاضبا ومهددا بإرسال ثلاثة أفواج من الشرطة العراقية لاعتقاله في البصرة التي كان يزورها ضمن حملته الإنتخابية بتهمة الإساءة إلى سمعة وزارة الدفاع ووزيرها .. وهي مشاحنات وصفها المراقبون السياسيون بأنها تدخل ضمن المعركة الانتخابية الممثلين فيها بقائمتين متنافستين.

وبدوري سألت الجلبي عن سبب تصاعد الخلاف مع الشعلان فأكد قائلا باللهجة العراقية " انا ماعندي شي ويا الشعلان .. وأنا بس سألت عن مصير الأموال وأبديت عدم رضاي على الطريقة التي حولت بها إلى الخارج .. وما أدري لماذا ثارت ثائرة الشعلان".

.. ولد حازم الشعلان "المتزوج من دون أولاد" في مدينة الديوانية (375 كم جنوب بغداد) عام 1947 من عائلة عشائرية هي الخزاعل .. وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها ثم انتقل إلى بغداد عام 1965 للدراسة في كلية الادارة والاقتصاد وبعد تخرجه منها التحق بمعهد التدريب الإذاعي في بغداد التابع إلى جامعة الدول العربية .. ثم عين مديرا لفرع المصرف العقاري في مدينة الكاظمية في بغداد عام 1976 .. ثم مديرا لفرعه في مدينة الكوت عام 1979 ومديرا لفرعه في الديوانية إلى ان عين مديرا لدائرة التفتيش التابعة للمصرف في المحافظات العراقية الجنوبية.

سألت الشعلان عن انتمائه إلى حزب البعث فقال إن لذلك قصة رواها: فقد كان شقيقه ناظم يدرس في جامعة أنقرة حين استلم حزب البعث السلطة في العراق عام 1968 .. ولانه كان ناصري الهوى فقد عمل ضد ذلك النظام وسط الطلاب العرب في تركيا فأصبح سكرتيرا لرابطة الطلبة العرب .. لكن مخابرات صدام وعن طريق أحد عملائها هناك وكان طالبا ايضا فقد أرسلته لزيارة ناظم حيث قدم له سيكارة لم يفق من مفعولها ألا وهو في مبنى الاستخبارات العسكرية في بغداد بعد أن تم شحنه بالصندوق الدبلوماسي .. وهي طريقة استخدمتها مخابرات صدام مع معارضين عراقيين لها خارج البلاد . وقد حكم بالاعدام على ناظم لكن وساطات عشائرية بذلت مع الرئيس العراقي الراحل احمد حسن البكر نجحت في تخفيض الحكم إلى السجن المؤبد فلم يطلق سراحه الا في عام 1988 . يقول الشعلان ان الحكم باعدام شقيقه دفع اقارب له بتقديم نصيحة الانضمام إلى حزب البعث لدفع شروره عنه وقد كان صغير السن لم يتجاوز الحادية والعشرين.

إنتخب الشعلان في عام 1980 عضوا في اول مجلس وطني عراقي في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين ممثلا عن منطقة الديوانية وعشائرها .. لكنه تعرض في العام نفسه إلى التهديد بالاعدام باعتباره الرجل الثاني في عشيرته بعد عمه ادريس الشعلان وذلك عندما استدعاه مسؤول فرع حزب البعث في بغداد سمير الشيخلي ( وزير الداخلية لاحقا) اثر حادث مقتل عدد من عناصر الجيش الشعبي التابع للحزب واسقاط مروحية عسكرية من قبل معارضين مسلحين في الديوانية ينتمون لعشيرته .. وقد طلب الشيخلي من الشعلان توقيع تعهد خطي مرسل من مكتب صدام حسين بضمان سلامة افراد الجيش النظامي والشعبي في مناطق عشيرته والا تعرض لاقسى العقويات .

وقد وقع الشعلان على التعهد فعلا لكنه ادرك ان حياته اصبحت مستهدفة من قبل النظام الذي لم يغفر للمشكوك فيهم بالعمل ضده .. فقرر مغادرة العراق وفعلا رحل عام 1985 إلى المملكة المتحدة حيث عاش في عاصمتها لندن.

إنخرط في العمل المعارض لصدام حسين ونظامه عام 1986 بعد وصوله إلى لندن مباشرة من خلال حزب الامة الذي كان يقوده السياسي المخضرم سعد صالح جبر إلى جانب الراحل السيد مهدي الحكيم الذي اغتالته مخابرات صدام في الخرطوم وهو شقيق الراحل السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي لقي مصرعه بانفجار سيارة مفخخة استهدفته في مدينة النجف في اب (اغسطس) عام 2003 .. كما عمل معهم انذاك رجل الدين المعارض السيد محمد بحر العلوم الذي اصبح عضوا في مجلس الحكم السابق .. وإلى جانب عمله السياسي كان الشعلان احد الناشطين في فضح سياسات النظام السابق من خلال مقالاته التي كان ينشرها في جريدة "التيار الجديد" التي يصدرها حزب الامة اسبوعيا من لندن انذاك .

وفي عام 1990 وبعد احتلال صدام حسين للكويت اعيد تشكيل حزب الامة بانضمام عناصر وقوى جديدة له فاعلن حزب جديد اطلق عليه " المجلس العراقي الحر" بزعامة سعد صالح جبر نفسح وانتخب الشعلان امينا لسر المجلس .. ثم شارك في مؤتمر بيروت للمعارضة العراقية اوائل عام 1992 .

ترك الشعلان العمل في المجلس العراقي الحر مع عدد اخر من القياديين منتصف التسعينات لخلافات داخلية وظل ناشطا سياسيا مستقلا يصدر مجلة "الديوان" الدورية التي تعنى بشؤون العشائر العراقية ومقارعتها لنظام صدام حسين حتى سقوطه في نيسان (ابريل) عام 2003 .
عاد الشعلان إلى العراق بعد ايام من سقوط النظام بطائرة عسكرية خاصة مع مجموعة من العراقيين صحبة رئيس مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن الراحل السيد عبد المجيد الخوئي الذي قتل في مدينة النجف بعد شهر من عودته من المنفى في لندن في جريمة اتهم بالتحريض على ارتكابها رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر الذي صدر امر باعتقاله جراء ذلك مما قاد إلى تفجر قتال بين انصاره والقوات العراقية والاميركية في عدد من المدن العراقية وفي مقدمتها النجف والكوفة والصدر في بغداد .

عين الشعلان بعد ذلك محافظا للديوانية .. وبقي في هذا المنصب حتى توليه حقيبة وزارة الدفاع في اول حكومة عراقية بعد اعادة السلطة إلى العراقيين في حزيران (يونيو) من العام الماضي وهو حاليا اضافة لذلك شيخ عشيرة الخزاعل التي تعود إلى خزاعة المنتشر ابناؤها بين الاردن والسعودية والعراق والي يسكنه وحده حوالي 350 الف شخص من افرادها الذين تتوزع انتماءاتهم بين المذهبين الشيعي والسني .

رشح الشعلان إلى الانتخابات المقبلة ضمن قائمة "عراقيون" التي يترأسها الرئيس العراقي غازي الياور .. وهو يرى ان الدولة العراقية لايمكن ان تبنى بالطريقة التي يجري العمل بها حاليا بتطبيق الديمقراطية على الجميع .. من العراقيين الصالحين إلى العراقيين المجرمين والسراق ويقول ان القانون يجب ان يطبق بشكله الصحيح في انصاف المواطن الصالح والاقتصاص من المسيء .. ويضيف ان قائمة "عراقيون" رفعت شعارات مرحلية حول الامن والعدل والكرامة لكنها تريد بعد استرجاع كامل السيادة الاهتمام باعمار البلد وتقوية اقتصاده والقضاء على البطالة والانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الازدهار الاجتماعي .

يقول الكاتب العربي المعروف عبد الرحمن الراشد في مقال له بجريدة الشرق الاوسط اللندنية مؤخرا "ان توزير مدني في منصب وزير الدفاع هي تجربة متقدمة تميزت بها غالبا الانظمة السياسية المستقرة.. فالوزير المدني لا يرث التجربة العسكرية التي قد تصبغ القيادات العسكرية عند اتخاذ قرارات سياسية لكن للقادة العسكريين مكانتهم القيادية عندما يصبح القرار السياسي باعتماد الحرب سياسة للدولة . ولنتذكران من يطرح هذه المراجعة هو وزير الدفاع في العراق حاليا شخص مدني وهو أمر كان يصعب علينا تخيل حدوثه قبل سقوط النظام السابق الذي قدس العسكرية إلى درجة ادخل الشعب الثكنات وحولها إلى مقابر حربية في اسوأ الحروب في العالم فتكا ودمارا ".

عن رايه بالعلاقة مع دول الجوار يقول الشعلان ان إيران تمثل دولة جارة مهمة بالنسبة للعراق "ونحن نتعامل معها من منطلق علاقات الجوار التي نسعى أن تكون في المستوى المطلوب القائم على أساس حفظ المصالح المشتركة وإحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون البناء من أجل تحقيق السلام في المنطقة والقضاء على ظاهرة الإرهاب التي تعاني منها شعوب المنطقة ". ويضيف أن إيران وبحكم طول الحدود المشتركة مع العراق كانت مصدر خطر للأمن العراقي حيث لجأت بعض الخطوط والجهات الموجودة في إيران إلى تقديم الدعم للعناصر الإرهابية "وقد كنا نتمنى ولا نزال على الحكومة الإيرانية أن تتخذ الإجراءات المطلوبة والحاسمة من أجل منع نشاط هذه الجهات، لكننا وللأسف لم نلحظ موقفاً جاداً يضبط الحدود الطويلة من الجانب الإيراني"

ويقول "بإعتباري أتولى مسؤولية أمنية بحكم كوني وزيراً للدفاع أجد من واجبي أن أحذر الأطراف التي تريد بالعراق سوءاً، وأن أعلن إستهجاني وإدانتي لها، لا يمكن لي وأنا أتولى هذه المسؤولية أن أسكت على إنتهاكات مكشوفة ترتكبها جهات في إيران وجهات في سوريا وغيرهما، ويكون من نتائجها عشرات الضحايا يومياً من أبناء الشعب العراقي. . لا أقول إن الحكومة الإيرانية أو السورية، هي التي تدعم الإرهاب، وإنما أؤكد على أنني أقول إن فيهما جهات داعمة للإرهاب، وأن لهذه الجهات مصالحها وتوجهاتها الخاصة التي تتقاطع مع المصلحة العراقية، وهذا ما يجعلنا نتصدى لها ونجهر بإدانتها، وهذا واجب أتحمله ضمن واجباتي في حفظ سيادة العراق وأرضه وشعبه " .. ويؤكد "إننى أتطلع إلى علاقات حسنة مع إيران وسوريا والسعودية وكل الدول المجاورة للعراق بإعتبار أن ذلك يمثل مصلحة مشتركة بين العراق وجيرانه، بل أن من مصلحة العراق أن تكون علاقاته حسنة ووثيقة مع دول المنطقة ومع المجتمع الدولي بشكل عام، بشرط وحيد لا تنازل عنه وهو عدم الخدش بالمصلحة العراقية التي تمثل لنا قيمة كبرى ".

ويشير الشعلان إلى انه ليست لديه أزمة شخصية مع أحد ويقول " إن بدا تصعيد في التصريحات مع الدكتور أحمد الجلبي فإنما كان ذلك لإيضاح تهمة وجهت إلى وزارة الدفاع وكان لا بد لي أن أتصدى لإيضاح ما أثير حول مبلغ (500) مليون دولار هربت خارج العراق وبينت أن حقيقة الأمر هي صفقة عسكرية وقعتها وزارة الدفاع بهذه القيمة لشراء معدات عسكرية لقوات الحرس الوطني وبناء الجيش العراقي وأن هناك مبالغ أخرى من المقرر أن تصرف في هذا الإتجاه وهذا أمر طبيعي لا غبار عليه بل هو مقرر ضمن سياسة الحكومة العراقية وبرامجها البنائية ".

وسالته عن مشاعره والعديد من جنوده في وزارته يتساقطون يوميا بيد الارهاب فشدد بالقول "
إنني يومياً أعيش الألم عندما أرى أبطال الحرس الوطني يسقوط شهداء بأيدي الإرهاب وهم يؤدون واجبهم المشرف في حفظ الأمن ولا يمكن لي أن أمر على هذه المشاهدات مروراً عابراً فهي قضيتي اليومية وهمي الدائم حيث أتحمل مسؤولية حفظ العراق من إعدائه في الوقت نفسه الذي أتحمل فيه ألم عوائل الشهداء من أبناء الحرس الوطني وأعيش الألم حارقاً عندما أرى الأجساد الطاهرة لشهدائنا ".

سالته حول ما اذا كان يعتقد بعد سبعة اشهر من توليه وزارة الدفاع عما اذا كان لمدني يستطيع تسيير امورها افضل من العسكري فاوضح قائلا" ان وجود رجل بزيه المدني ظل يبعث الطمانينة إلى نفوس منتسبي الوزارة كما لاحظت خلال هذه الفترة .. حيث الامور تسير بعديا عن حساسيات الترتب العسكرية ومظاهر القوة المفتعلة التي تفرضها النياشين المعلقة على الصدور ياستحقاق وبدونه .. ولعل اختفاء عقلية التامر التي كانت معششة في عقول بعض العسكريين السابقين قد اختفت تماما " .

في الختام يقول الوزير المدني لوزارة الدفاع العراقية حازم الشعلان "إننا في ظرف حساس وحرج ولي الشرف أن أكون جندياً في خدمة وطني وشعبي من اجل بناء جيش وطني للحماية وليس للعدوان وسأبقى متشرفاً بالقيام بهذا الدور سواء من موقع الجندي أو من موقع الوزير فلا فرق بين الإثنين بل أن الجندي والوزير يتحدان في صورة العراقي المخلص الذي يسعى لبناء وطنه وخدمة شعبه ".