أسامة مهدي من لندن: بعد ساعات من تحذيرات تركية بأن تغيير التركيبة السكانية في مدينة كركوك سيهدد السلام في العراق اطلقها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وقادة الجيش التركي رد المسؤولون الاكراد اليوم بشدة معتبرين ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية العراقية .

وقال أردوغان في تصريح له "إن أية خطوة خاطئة في كركوك تؤثر سلبا على مستقبل السلام في العراق وعلى الامم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وبقية قوات التحالف أن لا تسمح نهائيا بتشكلية سلبية من هذا القبيل وإذا ما تم تغاضي النظر عن الإقدام على مثل هذه الخطوة الخاطئة فسوف يقع على عاتق المقدمين عليها تحمل تبعة هذه العملية".

وفي رده على سؤال حول قيام الجناح العسكري التركي بإبداء مخاوفه من قضية كركوك قال أردوغان "لقد أوضحنا مسبقا حساسيتنا تجاه مسألة كركوك وأبلغنا الإدارة الأميركية وفي مقدمتهم الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني عن هذه الحساسية كما أبلغنا قوات التحالف نفس هذه الحساسية وقلنا لهم بأن لدينا حساسية في المنطقة وإن هذه الحساسية ليست منحصرة بنا فقط وإنما دول الجوار تبدي نفس الحساسية تجاه مسألة كركوك. واضاف محذرا انه من ناحية مستقبل العراق فإن الإقدام على أية خطوة خاطئة في كركوك ستؤثر سلبا على مستقبل السلام في العراق. وعلى الامم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وبقية قوات التحالف أن لا تسمح نهائيا بتشكيلة سلبية من هذا القبيل.

واليوم رفض وزيران كرديان تصريحات اردوغان ووزير خارجيته عبد الله غول الذي عبر من جهته عن مخاوف بلاده من تغيير التركيبة السكانية لكركوك التي يقطنها حوالي المليون نسمة معتبرين انها تشكل تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق .

وقال وزير حقوق الانسان في حكومة مسعود بارزاني محمد احسان ان "تصريحات غول تدخل فاضح في الشأن العراقي لان كركوك قضية عراقية كردستانية بحتة". واضاف ان "الانتخابات هي الوسيلة التي ستقرر مصير مدينة كركوك وليس نحن الساسة في الحكومة" مؤكدًا ان "مشاركة الاكراد المرحلين في الانتخابات حق طبيعي". واشار الى ان "هذه الانتخابات لن تحدد وحدها هوية كركوك على الرغم من قناعتنا بكردستانية هذه المدينة بهوية عراقية".

أما وزير الخارجية العراقي هوشيار الزيباري وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني فقال ان "قضية كركوك مسألة داخلية لا نقبل التدخل فيها".
ويتوقع مراقبون ان يفضي اتفاق تم التوصل اليه منتصف الشهر الحالي بين اكراد العراق وبغداد وينهي مقاطعة الاكراد لانتخابات المجلس المحلي في محافظة التأميم وعاصمتها كركوك الى تسلم الاكراد السلطة في هذه المحافظة الامر الذي اثار مخاوف من تفجر صراع عرقي بين الاكراد من جهة والعرب والتركمان من جهة اخرى .

ويقضي هذا الاتفاق الذي اقرته الاحزاب الكردية والحكومة العراقية بان يتمكن حوالي مئة الف ناخب كردي يقول الاكراد انهم ينحدرون من كركوك كان نظام صدام حسين رحلهم بالقوة من ديارهم الى خارجها من الادلاء باصواتهم في انتخابات مجلس محافظة التأميم الاحد المقبل لكن عرب وتركمان المدينة رفضوا الاتفاق مؤكدين ان معظم القادمين اليها من الاكراد حاليا ليسوا من سكانها الاصليين موضحين ان مجموع الاشخاص الذين طردهم النظام السابق منها يبلغ 12 الف شخص.

ويبدو الجيش التركي اكثر تعرضًا لما يجري في كركوك فقد اشار نائب رئيس اركان الجيش الجنرال ايلكر باسبوغ الى ان مئات آلاف الاكراد هاجروا الى كركوك وسجلوا للتصويت فيها موضحًا ان التغييرات السكانية التي تحدث في كركوك تتم خارج اطار القانون وقال ان هذا سيجعل نتائج الانتخابات محل خلاف وبشكل يمكن ان يهدد وحدة العراق السياسية ووحدة اراضيه معربا عن قلق بلاده من تطورات قال انها ستطرح مشاكل امنية جدية لتركيا .
وتوقع المسؤول العسكري التركي حصول مواجهات يمكن ان تشعل حربا داخلية في العراق محذرا من قيام دولة كردية مستقلة .

وقد وضع أكراد العراق الاسبوع الحالي ثلاثة خطوط حمراء مهددين بالانفصال عن العراق في حال إذا تم تجاوزها بعد الانتخابات العراقية هي: رفض العرب لمبدأ فيدرالية العراق، وإقرار حكومة العراق التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات لنظام ديني في البلاد، ورفضها إعادة الأراضي الكردية إلى إقليم كردستان في إشارة واضحة إلى إقليم كركوك الغني بالنفط .

وقال نوشروان مصطفى أحد كبار المقربين من جلال الطالباني الامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني وهو أحد الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان انه إضافة إلى ذلك يجب أن تكون السياسة الخارجية والدفاع والمالية في إقليم كردستان من صلاحيات الدولة على أن تبقى أي أمور أخرى من صلاحيات منطقة الإقليم. وتشمل الصلاحيات المحلية إدارة الموارد الطبيعية ولم يخف المسؤول الكردي أنه يشير خاصة إلى الثروة النفطية في كركوك.

ويستبعد المراقبون للشأن العراقي انفصال إقليم كردستان عن العراق على اعتبار سيكون في حال انفصاله كيانا بلا أي منافذ بحرية إضافة إلى معارضة الأطراف الإقليمية المجاورة لذلك الانفصال وخاصة سورية وتركيا وإيران حيث تساورهم مخاوف من أن يؤدي قيام دولة كردية غنية بالنفط إلى تحريك النزعة الاستقلالية لدى أقلياتها الكردية.

ورأى هؤلاء المراقبون أن الهدف الحقيقي من وراء تهديدات الأكراد بالانفصال هو رغبتهم في ضم مدينة كركوك الغنية بالنفط لإقليم كردستان لانها تنتج كركوك أكثر من 20% من نفط العراق ويمر عبرها أكثر من 50% من صادرات النفط العراقية .

واقر قانون ادارة الدولة العراقية الذ صادق عليه مجلس الحكم السابق في اذار (مارس) الماضي قيام دولة فيدرالية عراقية فيما تم إرجاء اتخاذ قرار نهائي بشأن مسألة إمكان توسيع منطقة الحكم الذاتي للأكراد لتشمل كركوك ومناطق أخرى في شمال البلاد لحين انتخاب حكومة عراقية منتخبة .

ويرفض العرب والتركمان في مدينة كركوك بشدة اعتبار المدينة كردية ويشككون بقوة في أعداد الأكراد في المدينة مؤكدين أنهم لا يشكلون أغلبية فيها وفي عام 2003 قدر عدد سكان كركوك بنحو 755 ألف نسمة .

وقدم الحزبان الكرديان الرئيسيان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني واللذان يتقاسمان السيطرة على اقليم كردستان بشمال العراق منذ عام 1991 قائمة ائتلاف مشتركة ضمن 18 حزبًا لخوض الانتخابات العامة.