واشنطن: بمائة دولار فقط يمكن للبعض شراء مواد عادية من متاجر الحي ليصنعوا منها بسهولة مخدارت شديدة الخطورة تكفي لدفع المتعاطين للسقوط سريعا في هوة سحيقة من العنف والجريمة والاهمال. هذا السيناريو المرعب هو حقيقة ما يفعله "الميثامفيتامين" وهو مخدر تخليقي محفز للجهاز العصبي المركزي يجتاح المناطق الريفية في الولايات المتحدة ويؤجج نار الجريمة والانتهاكات ضد الاطفال والتلوث ويحطم المجتمعات.

مايك لوجسدون،رئيس وحدة تابعة لادارة مكافحة المخدارت التي تجمع معلومات حول المشكلة، قال"صار الامر خارج السيطرة. انها مشكلة كبيرة في شتى أنحاء الولايات المتحدة".ويمكن استخدام المخدر المعروف بأسماء منها كرانك وكريستال وسبيد وايس عن طرق الاستنشاق أو الحقن أو التدخين وحتى البلع. وفي غضون دقائق يشعر المتعاطي بفورة نشاط وارتياح قد تستمر طوال 12 ساعة. لكن يتلاشى كل ذلك ولا يبقى سوى احساس بالاكتئاب العميق وجنون الاضطهاد ما يجعل المتعاطي متهلفا من أجل جرعة اخرى. لقد تفشت الظاهرة في السنوات الخمس الاخيرة. وتنال المناطق الريفية القسط الاكبر من تلك المحنة .

يقول خبراء ان ما يحدث أمر طبيعي لان تصنيع المخدر سهل وسعره رخيص اذ تشمل المكونات الملح الصخري الخشن المتاح في المتاجر والحمض المستخدم في بطاريات السيارات والامونيا اللامائية وادوية علاج البرد. ويمكن الحصول على تركيبة الوصفة من الانترنت. ويقدم الريف الامريكي بمساحاته الشاسعة والبلدات الصغيرة أماكن لاحصر لها لاخفاء المتورطين في الامر. وقال المخبر جيسون جريلنر من ادارة شرطة فرانكلين في ميزوري الذي ضبط في العام الماضي 120 مختبرا لتصنيع المخدر "انها المرة الاولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يمكن انتاج وتوزيع وبيع وتعاطي كل ذلك هنا في الغرب الاوسط".

وتابع "لا يمكن زراعة نبات الكوكا أو الخشخاش هنا لتحصل على الهيروين أو الكوكايين فيما تحتاج الماريوانا الى ما بين أربعة وخمسة أشهر للحصول على محصول جيد. لكن مع الميثامفيتامين يمكن للمرء أن يشتري من حوانيت الحي بنحو 200 دولار ما يكفي لتصنيع احتياجات يوم من المخدرات" . لقد تصاعدت حدة المشكلة في الريف بصورة غير متوقعة. وقال راندي كروكو من منطقة كلاي في غرب ايوا انه في 1999 لم يضبط أي مختبر لتصنيع هذا المخدر. لكن في 2001 ضبط رجاله 56 في منطقة لا يتعدى سكانها 18 الفا.

وفي العام المالي الذي انتهى في ايلول (سبتمبر) 2004 سجلت ادارة مكافحة المخدرات أكثر من 16800 ضبطية ميثامفيتامين في شتى انحاء البلاد بزيادة من 15300 ضبطية عن عام 2002. وقال وين شتنيجيم النائب العام لنورث داكوتا "هذه أخطر مشكلة تواجهها أجهزة تطبيق القانون في تاريخ ولايتنا لان هذه المادة تسبب الادمان بصورة خطيرة كما انها سهلة الانتاج زهيدة السعر. "عندما نتطلع الى عدد السجناء فان تلك المشكلة لم يسمع بها أحد قبل عشرة أعوام. الان 60 في المئة من نزلاء السجون يتعاطون هذا المخدر ونحن بصدد اقامة سجن جديد لايداع السجينات اللاتي يتعاطين المخدر."

وقال ديف فرودنثال حاكم وايومينج في الاونة الاخيرة خلال مؤتمر عام بشان مكافحة المخدرات "أينما توجهنا في الولاية سنجد الميثامفيتامين هناك. المشكلة تلتهمنا ونحن على قيد الحياة." ووفقا لتحليل وحدة متابعة سوق المخدارت وهو مكتب تابع لوزارة العدل فان أضخم عدد من مختبرات تصنيع هذا المخدر ضبطت في كاليفورنيا وانديانا وايوا وكانساس واوريجون وواشنطن وتكساس واوكلاهوما وميزوري. وهي كلها ولايات زراعية مهمة. واكتشفت السلطات مختبرات سرية لتصنيع المخدر في مزارع مهجورة وفي الحقول وبالمركبات وفي الحظائر بل في 309 حالات ضبط المخدر في غرف بالفنادق. وفي 2002 اندلع حريق في فندق وأتت عليه النيران تماما بسبب عمليات انتاج للمخدر. وفي حالات كثيرة اعتقلت السلطات البعض وهم يطبخون هذا المزيج الكيماوي الشديد السمية في المنازل بحضور أطفال كانوا يستنشقون الابخرة السامة المتصاعدة.

الا أن هذه المختبرات الصغيرة المتحركة ليست سوى قمة جبل الجليد العائم. ووفقا لادارة مكافحة المخدرات فان 80 في المئة من الميثامفيتامين الذي يباع في الولايات المتحدة يأتي مما يعرف باسم "المختبرات السوبر" في المكسيك أو كاليفورنيا وتديرها عصابات جريمة منظمة تقوم بانتاج كميات ضخمة.

وقال جوزيف رانازيسي نائب رئيس وحدة الضبط في ادارة مكافحة المخدرات في اجتماع لاحدى لجان الكونجرس خلال شهر نوفمبر تشرين الثاني "المشكلة في اجمالها شديدة الخطورة. الا أننا عندما نمعن النظر في الاثار البيئية لاستخدام تلك المواد الكيميائية بصورة غير منظمة في مختبرات الانتاج نجد أن الميثامفيتامين مشكلة مرعبة. وليس ثمة أحد في مأمن منها."
وكل رطل من المخدر يخلف وراءه خمسة أو ستة أرطال من النفايات السامة. ويكلف تطهير المختبرات بعد اكتشاف أمرها الاف الدولارات ويمكن أن تعرض للخطر حياة رجال الشرطة الذين تنقصهم الخبرة اللازمة.

وفي محاولة للقيام بجهد جماعي من أجل وضع حد للمشكلة تشترك نحو 20 ولاية على الاقل الان في مسعى لوضع حد أقصى لكميات أدوية البرد والعقاقير المضادة للاحتقان التي يمكن للمرء شرائها في المرة الواحدة. وبعض الولايات طلبت من المتاجر رفع مثل هذه الادوية من على الارفف.

وفي المستقبل قد يقتصر بيع مثل هذه الادوية على الصيدليات فقط. وعارضت صناعة الادوية هذه الاجراءات بقوة. وللاسف لا يوجد في المناطق الريفية ما يكفي من المال أو المستشفيات لعلاج المدمنين الذين يتزايد عددهم بصورة خطيرة. ودرست كلية سام والتون للاعمال في جامعة اركنسو الشهر الماضي معدلات تعاطي المخدر في منطقة بنتون حيث توجد متاجر وول مارت العملاقة. وقالت الكلية في دراسة أصدرتها الشهر الماضي أن أرباب العمل يتكبدون خسائر تزيد عن 21 مليار دولار بسبب تدني معدلات الانتاجية والغياب عن العمل نتيجة ادمان الميثامفيتامين.