تغطيات إعلامية انسجمت مع مثل عراقي شعبي شائع
"حياد" إعلامي فضحه السقوط في الانحياز

أسامة مهدي من لندن: من الواضح أن تغطية الإعلام العربي لمجريات الانتخابات العراقية وخاصة قنواته الفضائية التي تحظى بالشعبية الأوسع في المتابعة العربية جاءت منسجمة مع المثل الشعبي العراقي "حب واحكي.. اكره واحكي" فقد ظلت تغطياتها للحدث الأهم في العراق بعد سقوط نظامه السابق قبل 22 شهرًا منطلقة من مواقف مسبقة من طبيعة التطورات السياسية الحاصلة في العراق. ومنذ بداية نهار الانتخابات العراقية التي غطى مجرياتها حوالي ألف و500 صحافي توافدوا إلى مدن البلاد من مختلف أنحاء العالم برغم التحذيرات من المخاطر الحقيقية التي قد تواجههم هناك خاصة بعد تهديدات المسلحين بغسل شوارع بغداد بالدم، ظهرت مواقف الفضائيات العربية واضحة من هذا الحدث الأهم عالميًا أمس من خلال حشدها لمراسليها في المدن العراقية أو في جمعها لمحلليها الذين يشرحون الأخبار ويفسرون معانيها.

وإذا كان من الواضح أن معظم الفضائيات غير الحكومية رسميًا والتي تحظى باستقلالية ظاهرية قد حاولت إضفاء مصداقية على تغطياتها إلا أنها سرعان ماسقطت في شروخ الانحياز إلى جانب العملية الانتخابية وما تمثله من تحد حقيقي لجماعات المسلحين والمتعاطفين معهم من منطلقات "الجهاد" ضد الاحتلال أو من منطلق الحنين لعهد غابر يتصورون أنه قد يعود في يومًا ما حاملًا معه الامتيازات والمكاسب المفقودة، أو الوقوف ضدها بتصوير شوارع مدن معينة خالية من السكان تعبيرًا عن المقاطعة وتضخيم العمليات المسلحة ومدى قدرتها على إفشال عمليات التصويت وبالتالي إعطاء مصداقية لنهجها أو مواقفها بالضد لما يجري في العراق.

وفي حين غطت الفضائيات الحكومية الحدث العراقي من منطلقات متحفظة وهادئة تميل نحو رفض العنف وممارسات منفذيه بشكل عام فإنها اعتمدت في معظمها على التقارير المصورة والمكتوبة الواردة من وكالات الأنباء العالمية التي استطاعت انتقاء ما يناسب سياساتها الإعلامية الموجهة منها مع عرض لصور الناخبين وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع بكثافة من أجل تحقيق أمن واستقرار بلدهم وهو الهدف الذي تسعى لتحقيقه الحكومات المالكة لهذه القنوات والموجهة لسياساتها الإعلامية.

وحدها الفضائية السورية ركزت على المواجهات مع القوات الأجنبية ورفض الشارع العراقي للاحتلال وعدم تضخيم إقبال العراقيين على الاقتراع بالترافق مع التحليلات التي تؤكد رفض الوجود الأميركي في المنطقة وأهدافه فيها.

وعلى أية حال ومن خلال سؤال العديد من المشاهدين والمتتبعين لتغطية حدث الانتخابات، بدا أن هذه القنوات لم تحظ باقبال كبير من المتابعة لأسباب لخصها أحد الذين تحدثت معهم "إيلاف" بالقول إن تغطياتها "بطيئة ومملة وموجهة".

القنوات العراقية كان من الطبيعي أن تكون الانتخابات تغطيتها الوحيدة على طول يومها الذي جرت فيه. "الشرقية" التي يملكها الإعلامي العراقي سعد البزاز اجتهدت أن تكون حيادية بين مختلف القوى العراقية التي سعت لامتزاج آراء ممثليها كما قامت بنقل مباشر لجميع المؤتمرات الصحافية التي عقدت على هامش عملية الاقتراع وحيث العراقيون يتابعون حدثهم اليومي الذي يصنعونه من خلال ملاحقه الشرقية له بالتغطية والتقديم.

أما قناة "الفيحاء" التي يتردد أنها مدعومة كويتيًا، فلاحقت بدورها هذا الحدث العراقي الأبرز لكنه يبدو أن ضعف إمكاناتها التقنية أرغمها على التغطية عن بعد من خلال الهواتف المباشرة ومن دون نقل صوري مباشر عن طريق الأقمار الصناعية.

قناة "العراقية" الرسمية قدمت تغطية مباشرة ومتلاحقة لحدث الاقتراع داخليًا وخارجيًا وكان لها وجود في قصر المؤتمرات في المنطقة الخضراء بوسط بغداد حيث اقترع المسؤولون العراقيون الذين قامت القناة بتصيدهم الواحد تلو الآخر للإدلاء بتصريحات خاصة بها فكانت تغطيتها رسمية عكست الموقف الحكومي بشكله الواضح.

الفضائيات الأخرى التي تتحدث عن استقلالية إعلامية بالرغم من أنها تتبع لهذه الجهة أو تلك فقد تنوعت تغطياتها وتقاطعت باختلاف منطلقاتها وتوجهاتها. قناة "العربية" السعودية التمويل التي تبث من دبي والتي ترتبط بعلاقات متميزة مع الحكومة العراقية المؤقتة وحظيت بالنصيب الأكبر من إعلاناتها الدعائية خلال الحملة الانتخابية فإنها قد حشدت شبكة من المراسلين الذين توزعوا في مدن العراق من شماله إلى جنوبه ساعية لتقديم تغطية محايدة، لكنها مالت الى جانب تأييد عملية الانتخابات وكانت حاضرة في أكثر من مكان والتقت مع عشرات السياسيين والقادة العراقيين وحاولت تقديم محللين يمثلون وجهتي نظر مختلفتين من العملية تأييدًا ومعارضة.. إلا أن تغطياتها اتصفت بالعقلانية وعدم الإثارة لمجرد الإثارة فنجحت بإيصال ما أرادت إيصاله بشكل هادئ غير مستفز.

ومثل "العربية" كانت فضائية "إل بي سي" اللبنانية التي لها حضورًا بارزًا في الحدث العراقي الذي حظيت بنصيب كبير أيضًا من إعلانات حملته الانتخابية فان ميلها كان يتجه نحو تاييد عملية الاقتراع ومتابعة المسؤولين العراقيين بالمقابلات والرأي وهي التي حظيت بأكثر من لقاء مع الرئيس العراقي غازي الياور.

المنافسة الرئيسية "الجزيرة" القطرية كانت على النقيض تمامًا خاصة وأنها المطرودة من بغداد والممنوعة رسميًا من تغطية الأحداث العراقية، وسعت منذ البداية الى التشكيك بنجاح العملية الانتخابية وانحازت بالضد منها فضخمت من تقاريرها عن المدن المقاطعة أو القليلة التصويت مقابل التركيز على اتصالات هاتفية مع المعارضين للانتخابات التي كانت شبه غائبة عنها حضورًا عدا وجودها في منطقة كردستان العراقية. فحدث الجزيرة في ذلك اليوم لم يكن تغطية العملية بشكلها المباشر وانما الجانب المظلم منها وخاصة العميات المسلحة التي استهدفت المراكز الانتخابية والتي كانت تسارع لإعلانها عاجلة. ومن هنا أكد تعامل عراقيي الخارج معها عدم رضاهم عليها، إذ طرد الناخبون العراقيون فرقها الصحافية في أكثر من عاصمة أوروبية عندما ذهبت لتغطية عمليات تصويتهم.

وحدهما قناتي "العالم" الايرانية و" المنار" اللبنانية لحزب الله المدعوم ايرانيًا اختلفتا في تغطيتهما فقد كانتا تميلان الى تاكيد نجاح العملية الانتخابية ولكن من الزاوية الشيعية ولذلك كان لتغطياتهما حضور مميز في المحافظات العراقية الجنوبية الشيعية وخاصة في النجف وكربلاء المقدستين.. فبعد ان اطلقت العالم قبيل ساعات من موعد الانتخابات شائعات الغاء ترشيح وزير الدفاع حازم الشعلان فيها بمزاعم علاقاته مع مخابرات النظام السابق انتقامًا من مواقفه ضد التدخل الايراني في الشؤون العراقية فانها سعت الى تغطية واسعة لاقبال العراقيين في هذه المناطق على التصويت مع التركيز على تاييد قائمة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية.

ولذلك فقد انبرت العالم ومثلها المنار بالمبادرة لاعلان ما اطلقت عليها النتائج الاولية لعمليات التصويت في المناطق الجنوبية بشكل مفصل ومثير كانت له ردود فعل كبيرة حيث اظهرت الارقام التي كانت تنشرها بالتتابع فوزًا ساحقًا للقائمة الشيعية وبشكل ردت عليها المفوضية العليا للانتخابات بالقول " انها مجرد تكهنات ".
ومثل الفضائيات العربية كانت الصحف التي تابعت العملية الانتخابية بالخبر والراي والتعليق كل من منطلقاته التي تباينت بين اعتبارها مرحلة جديدة يدخلها المشهد العراقي في هزيمة الارهاب وبين التحذيرات من انفراد قوة بعينها في التحكم بالقرار السياسي وهو الامر الذي سيجر العراق نحو تطاحن يفتت البلاد ويدخلها في نفق مظلم كما قالت.