تنوّع وثراء تحكمه حالة الطقس والمناخ في المناطق

محمد الخامري من صنعاء: افتتح وزير الثقافة والسياحة اليمني خالد الرويشان مؤخرًا المعرض الخامس للأزياء الشعبية التقليدية في اليمن، والذي نظمته جمعية تنمية المرأة لفنون التراث بالعاصمة اليمنية صنعاء. "إيلاف" حضرت حفل الافتتاح ولاحظت الفرحة الغامرة البادية على الطالبات المكرمات في هذه الفعالية، واللائي يدرسن إجادة حياكة الأزياء الشعبية والتراثية في مركز تنمية المرأة التابع للجمعية ، وكان لها جولة في المعرض حيث التقت برئيسة المركز امة الرزاق يحي جحاف التي تعد اليمنية الأولى في الاهتمام بالتراث والدراسات البحثية الخاصة بها ، ورائدة الأزياء الشعبية والمحافظة عليها حيث قالت إنها تعاني كثيرا من ندرة المراجع البحثية والدراسات المتخصصة في مجال الأزياء اليمنية الشعبية التقليدية ، ولذلك عمدت إلى إنشاء هذا المركز الذي تديره وتشرف عليه وزارة الثقافة والسياحة ومدعوم من قبل مجموعة هائل سعيد انعم التجارية لتوثيق التراث وتقنيات الزي اليمني القديم ، مشيرة إلى أنها استطاعت أن تجمع 25 زيا تقليديا أصليا قديما يعود تاريخه إلى سنوات ماضية قبل الثورة اليمنية عام 1992م بكثير لتكون " الأزياء " مرجعا مهما في تعليم الأجيال القادمة والاهتداء بتقنياتها الفريدة التي لم ولن توجد في الصين او الهند او باريس او غيرها من البلدان المتخصصة في إنتاج الحرائر والأزياء.

مركز تنمية المرأة

وحول المركز قالت امة الرزاق جحاف إنه يهدف إلى إحياء وتطوير التراث اليمني باعتباره المحور الأساسي في موروثنا الثقافي وذاكرتنا التاريخية وهويتنا الحضارية ، كما يهدف إلى تأهيل وتدريب النساء من ذوي الدخل المحدود بغرض دمج المرأة في برامج التنمية الوطنية وتحسين مستوى الدخل الأسري بغرض محاربة الفقر النسوي وتخفيف نسبة الإعالة في المجتمع ، كما يسعى إلى تنمية وعي المرأة وتثقيفها من خلال عقد الندوات والمحاضرات في مجال الثقافة الدينية والصحة الجسدية والنفسية والاقتصاد التدبير المنزلي.

وأضافت مديرة المركز إلى أنه يحتوي على العديد من الأقسام الرئيسية كقسم التوثيق الذي يسعى المركز من خلاله إلى توثيق الأزياء اليمنية التقليدية وجمعها من جميع المحافظات اليمنية بهدف المحافظة على ماتبقى منها وإنقاذه من الضياع ، بالإضافة إلى الاستفادة منها كمرجع مهم في برامج التدريب التي يقيمها المركز ، وإخضاعها للبحث والدراسات التحليلية للباحثين ، وقسم التدريب الذي يقوم بعقد الدورات التاهيلية والتدريبية للراغبات في تعلم هذه الصناعة والاستفادة من أنشطة المركز كالتطريز التراثي والخياطة والتفصيل والنسيج والمشغولات اليدوية ، بالإضافة إلى قسم الإنتاج والتسويق والنشاط الثقافي الذي يقوم به المركز بين الحين والآخر.

ندرة المراجع عن الأزياء اليمنية

تقول امة الرزاق جحاف إنها قرأت كثيرا عن الأزياء الشعبية في الخليج العربي ككل وعن كل دولة على حدة وعن المغرب العربي أيضا وكل دولة فيه على حدة. إلا أنها لم تجد كتابا واحدا او دراسة معينة عن الأزياء الشعبية في اليمن ، مؤكدة على أنها بحثت طويلا عن مثل هذه الدراسة في داخل اليمن وخارجها لكنها لم توفق.

وترجع امة الرزاق سبب هذا الإهمال المتعمد للأزياء الشعبية في اليمن رغم ثرائها المتعدد إلى جهل القائمين على الجهات المعنية ، مشيرة الى " أنهم يتهيأ لهم أن هناك فارق بين الثقافة وفنون التراث.

ودعت جحاف في ختام حديثها لـ" إيلاف " إلى الاهتمام بتوثيق التراث اليمني في مجال الأزياء الشعبية التقليدية القديمة لان من ضيق قديمه مات " كما يقال ".

تنوع وثراء حسب الطقس والمناخ

تختلف الأزياء الشعبية اختلافا جذريا من منطقة إلى أخرى وذلك حسب عدة عوامل كاختلاف الجو واختلاف المنتجات الزراعية المستخدمة في صناعة الأقمشة وغيرها.

وكان مركز تنمية التراث قد قام بعمل دراسة متميزة وقيّمة حول الأزياء اليمنية ، قسّم خلالها الأزياء الشعبية حسب الأقاليم فالمرتفعات الجبلية امتازت أزياؤها بالدقة في النسج والفخامة في المادة النسيجية وتغطي كامل أجزاء الجسم مع وجود فتحة الصدر مقفلة بأزرار، وغالبا ماتكون الأكمام طويلة وتنتهي بياقة مقفلة مثل كم الزنة العربية أو أكمام واسعة جدا يصل طولها إلى منتصف الساق مثل قميص العرس او يغطي الرسغ مثل القميص العادي ويتسع الشكل نحو الأسفل.

ومن أبرز سمات الأزياء التقليدية في المرتفعات غطاء الرأس فالرجال يضعون عمامة عبارة عن كوفية وشال تسمى (سماطة رشوان)، والنساء يضعن سماطة طاس وشاح حرير قناع يسمى في اللهجة الصنعانية الدارجه(مَصر طالعي ونازلي) ويضعن غطاء على الوجه غامق او قماش أسود.

اما بالنسبة للسهول الساحلية والتي تمتاز بجوها الحار، فأزياؤها التقليدية تعتمد على القطن والكتان لرقة المنسوج ونعومته وتظهر هذه الملابس أجزاء من الجسم وتكون فتحة الصدر واسعة ومربعة أو مستطيلة ، وحسب دراسة التراث فإن الأهالي يرتدون قميصا إضافيا فوق الثوب المنسوج عند الخروج وهو عبارة عن قميص مصنوع من القطن المخلوط بكتان ويصمم كقطعة مربعة بدون تحديد معالم وتبدأ الأكمام من بداية القميص حتى نهايته وهي متسعة جدا.

وتضع المرأة قماشا قطنيا مصبوغا بلونين احمر واسود، غطاءً على رأسها بينما يصنع الرجل كوفية قطنية خيزران ويلف حولها عصابة قطنية بيضاء وعند النهاية للكوفية تكون الظلة المصنوعة من سعف النخيل ذات شكل مخروطي وعلى الكتف توضع لحفة أو تلفّ على الجسم وتكون ملونة في الغالب.

وتشير الدراسة إلى ان المعاوز القطنية الملونة " إزار " والتي تنتهي أطرافها بذوائب هي من أهم مميزات أزياء الهضاب التي يكثر فيها استخدام الحرير والقطن والمخمل المستورد ، وترتدي النساء أثوابًا قصيرة من الأمام الى ماتحت الركبة وطويلة من الخلف إلى الأرض كما يكثر استخدام الوشاحات الحريرية الملونة.

وتزدهر الأثواب العربية ذات الألوان البيضاء والصفراء والرمادي في المناطق الصحراوية، ونسبيا تكون الأكمام واسعة وتنتهي بشكل مخروطي يشبه نصف المثلث، يمكن ربطه من الخلف، وترتدي معظم النساء الثوب الاسود مع غطاء الرأس " ستارة وخمار " يغطي الوجه، ويضع الرجال غطاء على رؤوسهم عبارة عن غترة تلف حول كوفية ويلبس معها عقال.

وتمتاز الازياء التقليدية بكثرة تطريزها بالخيوط المعدنية والقطنية واستخدام اسلاك الذهب والفضة في تطريز ثياب الزينة بكثافة، خاصة حول فتحة الرقبة واطراف الأكمام وواجهة الفستان بينما استخدمت الخيوط القطنية في تطريز الملابس اليومية وملابس الافراد من ذوي الدخل المحدود ويتم الحصول عليها من اقمشة مخالفة للون الثوب المراد تطريزه. ومع ظهور الآلة تراجع التطريز اليدوي الذي كان يعتمد على الخيط والإبرة المعدنية وبرز التطريز الآلي باستخدام المكينة.

مثلما تختلف الأزياء الشعبية في شكلها من منطقة الى أخرى، فإن تطريز هذه الملابس يختلف تبعا لكل منطقة كما تؤكد ذلك دراسة توثيق الأزياء الشعبية لمركز تنمية التراث، التي وصفت عملية التطريز بالإبداع الفني المتكامل الذي ميز كل إقليم على حدة ، فالمرتفعات استخدمت الخيوط القطنية الحريرية الذهبية والفضية للتطريز، واعتمد الأهالي على الألوان الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر مع تداخلات جميلة بسيطة للون الأبيض الذي يمنحها توشية خاصة مضيئة كما استخدموا الخرز الأحمر والترتر والقطع المعدنية بالإضافة إلى استخدام الأحجار الكريمة وشبه الكريمة مثل المرجان وقشر اللؤلؤ الأصلي في زخرفة المطرزات وتحمل الزخرفة إشكالا هندسية ونباتية وموروث إسلامي، ويطرز واجهة الزي فقط ونهاية الأكمام في المرتفعات الجبلية العالية كما تلاحظ كثافة المساحة المطرزة حتى تشمل معظم مساحة الفستان، كما نلاحظ تبسيط في الوحدات الزخرفية حتى تصبح مجرد خطوط مستقيمة متجاورة واقتصار التطريز فيها على الخيوط القطنية والحريرية كما تقول الدراسة.

أما السهول الساحلية والتهامية فقد اهتم الأهالي فيها بتطريز اكبر مساحة من الأزياء النسائية ونهاية المعاوز أو اللحفة بزخرفة نسيجية وبألوان فاتحة واستخدمت الشرائط المنسوجة بخيوط قطنية وفضية بتشكيل واسع.

وسادت الخيوط الفضية مع تداخلات بسيطة لخيوط لامعة تمنحها بريق هادي وجميل لمناطق الهضاب بالإضافة إلى استخدام الترتر والأصداف في زخرفة الملابس، وأحيانا العملات الفضية الصغيرة وتم الاهتمام بزخرفة خلفية الفستان بشكل أكثر وبقص شرائط قماشية ملونة وتركيبها على الثوب بأشكال مختلفة التفرعات.

دور الزيّ التقليدي في إنعاش السياحة

تعتبر الأزياء الشعبية التقليدية القديمة احدى أهم عوامل الجذب السياحي باعتبار أنها تعبير حقيقي عن كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وقد تنوعت الملابس التقليدية في اليمن بسبب تنوع الأقاليم الجغرافية التي أدت إلى تنوع المواد الخام النباتية والحيوانية، وتنوع المعرفة بطرق الحياكة والغزل بالإضافة إلى استخدام مجموعة متنوعة من الموارد الأولية لصناعة منتوجاتها وتكوينهان وقد ورد في المصادر التاريخية تنوع كبير للملابس والمنسوجات اليمنية مما يصعب على الباحث تصنيعها لعدم وجود اوصاف دقيقة لها.

وتؤكد رئيس مركز تنمية التراث ان التحول في طبيعة المجتمع من زراعي الى مجتمع حديث أدى الى اختفاء الكثير من خصوصيات الأزياء اليمنية واندثار معظمها وجهل كثير من شباب الجيل الجديد بأهميتها وهذه قضية مهمة لان الأمة التي تعرف تاريخها وتتضح أصالتها من طراز أزيائها هي أمة صادقة مع نفسها وهو مايدفعها الى المضي قدما لتحقيق الرفعة والتقدم امام الأمة التي تناقض صورة أزيائها مع سلوكها ومعيشتها وتظهر أزياؤها منقطعة الصلة بما قبلها فهي أمة تعيش في غربة تمنع أبناءها من تحقيق ذاتهم وبناء وطن لايشعرون بانتمائهم اليه.