حرفة متوارثة عبر الأجيال و تاريخ تراثي يروى على مر العصور والأزمان


غزة: محمود عطا الله فلسطيني، لازال يحافظ علي التاريخ التراثي الذي اكتسبة عبر اجيال طويله في صناعة الفخار والتي تعتبر من الحرف المعمرة في فلسطين خاصة وبلاد الشام بشكل عام،حيث تعلمها ومارسها الإنسان منذ آلاف السنين لحاجته الضرورية لها في صناعة الأواني التي يستخدمها في المأكل والمشرب لتوفر المادة الخام اللازمة لهذه الصناعة وهي الطين قبل أن يكتشف الإنسان الحديد والنحاس والألومنيوم والبلاستيك والزجاج ويعتمد عليها في تصنيع احتياجاته بشتى الأشكال والأحجام والألوان حتى أصبحت هذه الحرفة تراثاً من الماضي وبقيت أطلال القطع الفخارية شاهدة على قسوة هذا الإنسان ونكرانه للجميل.
ومع ذلك فقد وجدت صناعة الفخار في غزة من يحن عليها ويقدر عراقتها ويحافظ على تاريخها المتوارث من الأجداد لتبقى قصة الفخار خالدة في عالمنا حتى يومنا هذا.
فمن مدينة غزة انطلقت هذه الصناعة و امتلأت ميادينها من آلاف السنين بالفواخير و كانت غزة آنذاك ملتقى القوافل الآتية من الشام و الحجاز و كانت تزودهم بالأواني الفخارية و حرصت دائما على دوام هذه الحرفة بين أبنائها لتبقى بصمات الأجداد على هذه الحرفة متوارثة عبر الأجيال و تاريخ تراثي يروى على مر العصور والأزمان.
محمود عطالله " أبو مصطفى " من سكان غزة الدرج احترف هذه المهنة و توارثها أباً عن جد له 3 فواخير يعمل بها منذ طفولته، فضل هذه المهنة على دراسته التعليمية موفياً بوعده ليكمل مسيرة أجداده و يحافظ على تراث بلاده.

قال أبو مصطفى 50 عاما صاحب فاخورة فى شارع النفق فى حي الدرج بغزة أن صناعة الفخار هي حرفة فلسطينية قديمة جدا منذ 4000 سنة ق.م تقريبا توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل كتراث فلسطيني و مهنة للحصول على الرزق.
وذكر أبو مصطفى في حديث لـ"ايلاف" أنه فى الأربعينات كان فى وادي غزة حوالي 200 فاخورة حيث كانت تمر القوافل من هنا و تشترى من هذه الفواخير ما يلزمها و بعدها انتقلت هذه المعامل إلي منطقة الفواخير وسط غزة فى الشارع المقابل لمقر بلدية غزة حاليا.


قوالب الطين
و أوضح عطاالله بأن المادة الخام المستخدمة فى الفخار هي الطين المستخلص من الأرض و التي تسمى " صلصال " يتم جلبها من شرق بيت حانون و تبلغ تكلفة الشاحنة الواحدة المحملة بالطين 100 شيكل ويتم مدها على الأرض لمدة 3 أسابيع حتى تجف من حرارة الشمس مشيرا إلى أنه يتم جلب الطين فقط خلال الفترة من شهر أيار إلي شهر أيلول من كل عام.
و عن كيفية تجهيز الطين الخام للاستخدام قال عطالله أنه بعد تجفيف الطينة و تنخيلها تترك 4 أيام ثم توضع فى بركة ماء جارى تسمى " الفجرة" و بعد عدة ساعات يتم غربلة الطين فى البركة و يتم نقلها بالدلو بعد تصفيتها من الشوائب إلى المصول و هو عبارة عن غرفة غير مكتملة تتكون من 4 جدران بارتفاع متر و نصف مكشوفة السطح " بلا سقف" و تبقى الطين على حالها فى المصول لمدة 20 يوماً حتى تجف و من ثم يتم تجهيز قوالب الطين بواسطة الطاحونة لتكون جاهزة للتشكيل.


تشكيل الأواني الفخارية
و التقت "ايلاف" بأحد العاملين فى مصنع الفخار ديب حسن جحا 50 عاما الذي تعلم الحرفة و هو فى سن العاشرة و حدثنا عن عمله و هو يمسح يديه المبللتين بالماء على قالب الطين الموضوع على الدولاب، قائلا توضع هذه القوالب على الدولاب و هو عبارة عن اسطوانة خشبية مثبتة على طاولة يوضع عليها قالب الطين ثم يتم لف الدولاب بسرعة متوسطة والذي يعمل على الكهرباء أو على الأرجل لتجهز قاعدة الآنية الفخارية المراد تشكيلها أولا من خلال لفها على الدولاب باستخدام اليدين و الماء لتسهيل تشكيلها.
وأضاف جحا أنه بعد تجهيز القاعدة تترك لتجف لمدة 3 أيام فى الظل ثم يتم إعادة وضعها على الدولاب مرة ثانية ليتم فتحها و تشكيلها بنفس الطريقة اليدوية السابقة حسب الطلب ثم تترك لتجف لمدة أسبوعين.
و نوه إلي أن عملية تشكيل الأواني الفخارية تأتى بالممارسة و الخبرة دون الحاجة إلي وضع تصاميم و رسومات أمامه و أنه يستطيع إنجاز 300 قطعة يوميا.


التنور
و اصطحبنا عطاالله إلي مكان "التنور" حيث يتم وضع الأواني الفخارية بعد تجهيزها فى التنور للحرق لمدة 3 أيام فى درجة حرارة تبدأ من 40 درجة و ترتفع تدريجيا إلي 1000 درجة مئوية، و التنور عبارة عن طوب من الطين بداخله بيت نار من الطوب الناري المضاد للحرارة.
و عن الألوان التي تكتسبها أشكال الفخار قال عطالله أن اللون الأحمر هو لون الصلصال الطبيعي و اللون الأبيض يتم وضع ملح طعام فى الطين بينما اللون الأسود فيتم وضع نجارة خشب على الجمر داخل التنور و يضاف إليهما زيت سيارات و توضع الفخارة بداخل التنور المغلق ليخرج دخان أسود من هذه المحتويات ليدخل لمسامات جدران الفخارة و لمدة 24 ساعة لتكسبها اللون الأسود موضحا بأن اكثر الألوان إقبالا من الناس هو اللون الأحمر أي اللون الطبيعي للفخار.
ولفت الحاج أبو مصطفى إلى أن الفخار الذي يتكسر يطحن على ماكينة خاصة(طاحونة ) و ينعم ليعاد تصنيعه مرة أخرى و أيضا يستخدم فى ترميم الأماكن الأثرية مشيرا إلى أن الذي يعمل فى صناعة الفخار يشعر بحزن شديد حين تكسر أي قطعة فخار أثناء تصنيعها.


الركود والخسارة
و أضاف و مع مرور السنين بدأ عدد الفواخير يتقلص إلي 60 فاخورة و شيئا فشيئا و صل العدد إلي ستة ثم إلى اثنتين و هما تابعتان لنا ( تابعة للعائلة ) موضحا أن مكان الفواخير كان فى منطقة الفواخير المذكورة سابقا ثم بسبب تذمر سكان المنطقة من الدخان المتصاعد اضطررنا إلي نقل المصنع إلي منطقة غير ممتلئة بالسكان بجوار شارع النفق
و عن الخسارة التي تكبدها أبو مصطفى نتيجة للوضع الاقتصادي و الاغلاقات قال أن خسارتي تقدر ب30 ألف دولار سنويا حيث بعدما كانت تدخل شاحنتين فخار داخل الخط الأخضر شهريا أصبحت تدخل 5 شاحنات سنويا و ذاك حسب الطلب بالإضافة إلي أن ارتفاع تكاليف الإيجار و الجمارك و النقل حيث كانت الحمولة سابقا تكلف 400 شيكل بينما الآن 4000 شيكل.
و أوضح أبو مصطفى أنه نتيجة الركود و الخسارة و قلة إقبال الناس على مثل هذه الصناعات أدخلنا رسومات من السليكون على الفخار و النقوش و الزخارف و الرسومات لترويج هذه الصناعات كذلك إلى صناعة القوارير للزرع و الديكورات و المزهريات و قدر الأرز و الأواني مشيرا إلى أن أكبر فخارة يتم تصنيعها بارتفاع متر و نصف و أصغر فخارة هي عبارة عن فنجان صغير بارتفاع 2 سم.