دمشق: تتنوع المظاهر الملفتة في سورية هذه الأيام، والتي تحتاج فعلا إلى التأمل فيها عن قرب. ومن هذه الظواهر ظاهرة ازدياد عدد الأطباء بشكل كبير – وخاصة أطباء الأسنان-، وذلك إلى درجة وصل فيها السوريون الى القول بأن عدد الأطباء فاق عدد باعة الخضار والفواكه!. وتمتد المشكلة عن كونها مجرد زيادة عدد، إلى مشكلة تحوّل بعض العيادات إلى مسالخ بشرية ومالية بلا رحمة.

ويندر جدا ان نعثر على طبيب قرر الكتابة على لوحة الإعلان عن عيادته " الطبيب الفلاني "، وإنما فضّل كتابة " الدكتور الفلاني " فتضيع الألقاب العلمية ولا نعد قادريين على التمييز بين الطبيب والأستاذ الجامعي. والملفت أيضا، وهذا ما تؤكده أحوال المرضى، ان قسما لا بأس فيه من الأطباء لا يستحق أبدا هذا اللقب لأن عياداتهم تحولت إلى مسالخ حقيقية لصحة المريض ولجيوبه. ومما يزيد في تأكيد هذه القضية ان بعض الطلاب السوريين يدخلون كلية الطب بأضعف الدرجات في الثانوية العامة وذلك لأن آباءهم يدرّسون في الجامعات فيحق لهم الحصول على كرسي في كلية الطب مهما كانت درجات الطالب. ويمكن ان نتصور هنا هذه الصورة البديعة جدا عندما يجلس طالب بأضعف الدرجات إلى جانب طالب متفوق لدراسة الطب البشري أو طب الأسنان..الخ.

ولحظة الدخول في شارع من شوارع المدن السورية سوف تظهر لوحات الإعلان عن عيادات الأطباء، وقد ازدحمت فوق بعضها وبجانب بعضها، بعضها كبير وبعضها صغير، إلا ان الحقيقة لا تظهر إلا بعد الدخول إلى العيادة. يضع بعض الأطباء إعلانات كبيرة تدل على دراستهم في الغرب ومستشفيات الجامعات الغربية كوسيلة لكسب المريض أو " الزبون " لطالما تعامل قسم كبير من الأطباء مع مرضاهم على أنهم زبائن مثل زبائن محلات الخضار والمطاعم الشعبية.

مجرد معاينة بسيطة على يد طبيب سوف تكلف المريض السوري مئات الليرات ( دولار أميركي = 50 ليرة سورية )، وتبدأ بعد ذلك مسرحية " تعال واذهب وراجعني يوم كذا " حتى يبيع المريض "ما فوقه وتحته". وبين فترة وأخرى، نقرأ ان إهمال طبيب ما تسبب في وفاة مريضه أو خلق عاهة جسدية، وكل هذه الأحداث تشير إلى ان هؤلاء الأطباء بحاجة إلى تأديب وردع حتى يسلم المريض السوري المسكين من مسالخهم، وهم الباحثون عن النقود على حساب صحة مرضاهم.فهل نصل إلى يوم يصبح الطبيب فيه تاجرا لا أكثر؟ ربما، وخاصة ان هنالك من يتوقع ان يعلن الأطباء عن إجراء عمليتين جراحيتين للمريض والثالثة تكون مجانا على طريقة إعلانات المحلات عن شراء علبتي محارم والثالثة مجانا!.

ورغم ان الظاهرة قد اتسعت في سورية وأصبحت فاقعة جدا، لا يمكن بأي حال أن نعتبرها معبرا حقيقا عن حال الطب والأطباء في سورية. ويجب أن نذكر دوما ان سورية تقدم يوميا أطباء مهرة ومن أفضل الأطباء على صعيد العالم، كما ان أسعار الأدوية والعلاج لا تزال عادية مقارنة بدول مجاورة، وحتى العلاج في المستشفيات الحكومية لا يزال مجانيا. إلا هذه الأمور الإيجابية لا تمنع أبدا من لفت النظر إلى من وضعوا أيديهم على مهنة الطب دون مؤهلات أخلاقية أو علمية فتحولت العيادة إلى قبر يموت فيه المريض ولكن ببطئ شديد.