كتب سوداء واستئجار بلطجية لقتل الخصوم

القاهرة: في جولة قضائية جديدة، وبعد إدانة سابقة قضت فيها محكمة الجنايات بالسجن لمدة عشرة أعوام لمحمد عبدالعال رئيس حزب "العدالة الاجتماعية" المصري المعارض بتهم الرشوة والابتزاز، ثم قبلت محكمة النقض إعادة المحاكمة أمام دائرة جديدة، وبدأت محكمة جنايات القاهرة نظر قضية رئيس الحزب السياسي المتهم بتقاضي رشوة من الصندوق الاجتماعي للتنمية ـ وهو هيئة حكومية لتقديم العون للشباب ـ فضلاً عن ابتزاز أصحاب متاجر شهيرة لبيع المواد الغذائية والملابس، مقابل وقف الحملات الصحافية ضدهم، حتى هنا ولا جديد في هذا الخبر الذي تتداوله الصحف المحلية المصرية يومياً على صفحات الحوادث.
أما الجديد في الأمر فهو ما كشفت عنه التحقيقات الجارية حالياً في القاهرة حول اتهام رئيس الحزب المذكور باستئجار بلطجية ومجرمين محترفين لتصفية خصمه الذي ينازعه في رئاسة الحزب الذي لا يعرف المصريون أساساً أين يقع مقره، وربما لا يعرفون أيضاً أن أنشطته مجمدة حالياً، لكن ما يعرفونه هو أن المتنازع على رئاسته، عبد الحي خلاف، اتهم منافسه محمد عبدالعال، بالتخطيط لمحاولة اغتياله، للانفراد برئاسة الحزب المجمد المجهول، إذ قدم خلاف بلاغاً للأمن، يتهم فيه محمد عبد العال بتحريض أحد عتاة المجرمين من أصحاب السوابق الجنائية ويدعي أيمن النواوي، وبدورها ألقت أجهزة الأمن القبض على النواوي، واعترف بمحاولته اغتيال خلاف بتحريض من عبد العال مقابل مبالغ مالية.

صقر الإسكان
نأتي للحكاية الثانية التي جرت وقائعها في يوم الاحد الموافق الأول من آب (أغسطس) الجاري، وقبيل انصراف العاملين بجمعية صقر قريش التابعة للاتحاد التعاوني الاسكاني في مصر، حين حضرت سيارات حكومية محملة بقوة خاصة من موظفي وزارة الإسكان، واقتحمت مقر الجمعية الكائن في مساكن المعادي جنوب القاهرة، وحملت على عجل جميع المستندات والسجلات، وحسب بلاغ رسمي قدمه العاملون لمكتب النائب العام، وقسم شرطة البساتين بالمحضر رقم 481، جرت عملية كسر غرفة الكمبيالات بالجمعية والاستيلاء على ما فيها ونقله الى السيارات بالخارج، وفوجئ العاملون بهذا السلوك الذي دون اية اجراءات قانونية، تحفظ حقوقهم بما لا يعرضهم لمساءلة قد تزج بهم إلى السجون.
ويقول عبدالله السناوي، رئيس تحرير صحيفة (العربي) لسان حال الحزب الناصري المصري المعارض، إن أحد العاملين صرخ بصوت عال: هذا غير قانوني، وسوف نلجأ إلى رئيس الجمهورية، وكانت المفاجأة أن قائد المجموعة، وهو ـ بحسب السناوي ـ من المحسوبين على محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان المصري راح يسب رئيس الجمهورية بعبارات قبيحة، مع الإشارة هنا إلى أن هذه الواقعة مسجلة في بلاغ رسمي يحمل رقم 97211، وأمر النائب العام بالتحقيق فيه أمام نيابة استئناف القاهرة، وفق بلاغ المحاسب محمد سعد خطاب، مؤلف ما يسمى "الكتاب الأسود" لوزير الاسكان المصري.

قصة حمزة
وتقودنا قضية وزير الإسكان المصري هذه إلى قضية أخرى أكثر غموضاً وإثارة انفجرت شرارتها الأولى في لندن، وبطلها أو ضحيتها هو المهندس المصري ممدوح حمزة، الموجود حالياً في سجن بلمارش البريطاني، والذي يواجه اتهاماً بالتآمر لقتل أربعة من أركان النظام المصري، في مقدمتهم محمد أبراهيم سليمان وزيرالإسكان، وإن لم يكن أهمهم، فهناك شخصيات أخرى مثل الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري، والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وكمال الشاذلي أقدم برلماني في التاريخ المعروف، ووزير شؤون مجلس الشعب.
والسؤال الذي طرحته هذه القضية الغريبة هو: لماذا يتآمر رجل في شهرة وثراء ونجاح ممدوح حمزة ـ الذي كان يستضيف في حفلات قصره ساسة وصحافيين وفنانين ـ ضد وزراء ومسؤولين كبار في مصر، رغم أن حمزة لا يمكن أن يكون محسوباً ضد النظام المصري، بل على العكس فهو ابن من ابنائه المخلصين، وهل هذا يعني أن هناك "صراع أجنحة" داخل النظام مثلاً، أم أن هناك تفاصيل وخلفيات أخرى لم يكشف عنها حتى الآن ؟
ثمة سؤال آخر تطرحه هذه القضية، وهو لماذا تهتم الدوائر الرسمية المصرية، وأجهزتها الإعلامية، وآلتها الدعائية الضخمة، على نحو غير مألوف، وغير مسبوق بقضية "مواطن مصري" محبوس في قضية وصفها المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأنها "جنائية"، ولا شبهة سياسية فيها، وتتحدث الأنباء الواردة عن محادثات هاتفية أجراها حمزة، الذي قيل إنه اشتهر باستجابته الحادة للاستفزاز، وكان يتفق مع مجرمين دوليين محترفين لتصفية هؤلاء المسؤولين الأربعة المشار إليهم ؟
لماذا يأتي كل هذا الاهتمام، بينما لا تكاد صحيفة مصرية تشير إلى السائق المصري الذي تختطفه إحدى عصابات الفالوجة في العراق، أو المواطن الآخر الذي قامت عصابة عراقية مسلحة بذبحه بتهمة "التجسس" على ما يسمى بالمقاومة هناك، ولم تهتم بالجسر الجوي من النعوش الذي أرسله قبل سنوات صدام حسين، وبعده قضايا مصريين آخرين في السعودية ودول الخليج وباختصار في كل مكان، من طرابلس الغرب حتى غوانتانامو، بينما تحشد كل طاقاتها، وتستنفر كل قدراتها من أجل الدفاع عن "حمزة"، المتهم بالتآمر لاغتيال مسؤولين كبار في عصب النظام، بل ويصل التبجح ببعض "كُتّاب الحكومة" إلى حد التشكيك في نزاهة وقدرات أحد أقدم وأكفأ أجهزة الأمن في العالم وهو "سكوتلانديارد"، الذي يدرك أي مبتدئ في الأمن أنه مدرسة كبيرة وقديمة وبالغة الأهمية في البحث الجنائي والتحقيق والرصد وكافة المهام الأمنية، بل وصل الأمر في بعض الصحف الحكومية المصرية إلى حد استنطاق أساتذة قانون وقضاة بأنه "ليس من حق بريطانيا القبض على مواطن مصري"، وهذا جهل فادح بأبسط قواعد القانون ذلك لأنه هناك قاعدة قانونية معروفة لأي مبتدئ عن حق الدولة التي تقع على أراضيها جريمة أو شروع فيها، أو إعداد لها أن تلاحق مرتكبيها والمتهمين بالتورط بها، ولم يسأل هؤلاء إن كان من حق مصر القبض على بريطانيين اتهموا في قضية "حزب التحرير"، وغيرهم من الأجانب الذين يضبطون أو تتوافر عنهم معلومات بالتورط في ارتكاب، أو حتى مجرد الشروع بأي فعل يؤثمه القانون المصري من السرقات والمخدرات، مروراً بمخالفات الإقامة، ووصولاً إلى الجرائم الماسة بأمن الدولة.
الحاصل أن قضية حمزة تطرح من التساؤلات أكثر مما تقدم من الأجوبة وتثير من علامات الاستفهام ما نمسك عن الخوض في تفاصيلها، كونها لم تزل تصنف تحت بند الشائعات، التي كان طبيعياً أن تزدهر في هذا المناخ الذي يلفه الغموض، وتتناثر فيه الحكايات حول ممارسات ساسة يفترض أنهم في صدارة النخب الحاكمة، ورغم ذلك يتجهون إلى سلوك مافيوزي، لا يقتصر على استئجار البلطجية المحليين فحسب، بل يتجاوز الحدود لاستقدام القتلة المحترفين من أصقاع الأرض، وحتى تتكشف تفاصيل قضية حمزة وغيرها سيظل هذا الملف مشرعاً في كافة الاتجاهات، من الجريمة إلى السياسة.