حتّى رجال الشّرطة يشترون منه
دمشق: في حيّ البرامكة الشعبي بوسط العاصمة السورية دمشق وقريبا من مبنى القيادة القومية لحزب البعث في زاوية قصيّة على طرف ملعب تشرين الرياضي، وتحديدًا خلف مبنى مؤسسة المطبوعات التابع لوزارة الاعلام تجد عددا كبيرا من الناس، هم خليط عجيب من رجال ونساء و شبان واطفال، مدنيين وعسكريين، يفترشون رصيف الشارع وينادون على بضائع متنوعة.
بالطبع هذا منظر عاديّ في كل عواصم العالم وخاصة الكبرى منها ولكن هل تعرفون ما اسم هذا السوق "انه سوق التهريب" نعم سوق التهريب...فأنت تستطيع ان تشتري منه كل المواد المهرّبة من اجهزة كهربائية خفيفة واقراص مدمجة" ربما ممنوعة "والعاب كمبيوتر والعاب فيديو اجنبية للاطفال السوريين..
كما يمكنك ان تشتري اوانٍ زجاجيةٍ "فرنسية "ومكاوي صينية وتايوانية وبطاريات مغشوشة وريسفرات بدون ماركات وموادغذائية معلبة...
ولكن من اين تأتي هذا المواد كلها؟ ببساطة من لبنان.
اقتربت من احدهم متظاهرة بانني اريد ان اشتري دستة الاقراص المدمجة وقلت له انني اريد افلاما" جريئة "ققز الشاب المراهق من سؤالي نظر الي مليا مستغربا ان يخرج هذا الطلب من فتاة... قال موجود..موجود.. بس...
كررت عليه السؤال ، جريئة اكثر مما تصور ، فما كان من الشاب الا ان انفرجت اساريره وقال كم فيلما تريدين اجبته كم تستطيع ان تحضر لي انا مسافرة وقد اتاجر بهم...هنا علت ضحكته وقال الكمية التي تريدينها غدا ستكون متوفرة فقط احضري في نفس هذا الموعد فقلت له... اريد مبدئيا عشرة افلام...يعني عشرة دولارات اليس كثيرا؟ اجبته ، قال انني ادفع في لبنان كثيرا حتى اتي بالافلام الاصلية واقوم بنسخها وبيعها واتحدى من يبيع بمثل هذا السعر....قلت له اوكي ولم ازد وتابعت رحلتي.
توقفت عند سيدتين كبيريتن نوعا ما في السن تفترشان الرصيف وامامهما باقات من الورد الاصطناعي...من اين هذا الورد ياخالة...من سوق الحميدية اجابت بدون تردد ولكن هذا سوق التهريب...
اعرف ولكن "الزحام كثير هنا "والبيع ماشي...
فجأة دوّى زعيق ورأيت المنظر اشبه بساحات الحرب..كل من في السوق هب واقفا وحمل بضاعته على ظهره وفر راكضا وخلال اقل من دقيقة اصبح السوق خاليا من اية حركة...
فقط سيارتان من سيارات البلدية على متنهما حوالي عشرة افراد من الشرطة اخذوا يلاحقون بتواطؤ مقصود "المهربين" وقد نجحوا في انتزاع فيديو من احد الشبان... لكنه لم يستسلم اقترب من قائد الدورية واخذ يتوسله
وعندما امسك قائد الدورية بالفيديو انتزعه الشاب منه بحركة سريعة بهلوانية واطلق ساقيه للريح وسط ضحك كل من كان في الدورية... الذي نادى رئيسها على الشاب قائلا" بكون ابن... اذا لم اربيك".
غادرت الدوريتان دون اية غنائم لان المهربين على مايبدو يحتاطون جيدا فيضعون شخصا عند مدخل السوق ومخرجه يحذرهم من حملات الشرطة... التي كثيرا ما يأتي رجالاتها بصفتهم الشخصية لشراء بعض الحاجيات من سوق التهريب وعندما سألت احدهم عن كيفية توفيقه بين ارتياده للسوق وملاحقة زملائه للمهربين قال وما دخلي انا في هذا السوق اشتري القطعة باقل من نصف ثمنها في المحلات "اصحاب المحلات حرامية ويريدون ان يسرقوا الناس ".
بالطبع نظرية الشرطي صحيحة ولكن جزئيا فهو حقا يشتري القطعة بنصف الثمن ولكنه ينسى ان المهرب
لا يدفع ضرائب وليس عنده فواتير ولا بلدية وانما كل مصاريفه هي على الطرقات وكيف سيصل ببضاعته الى السوق..
ويبدو ان الظروف الاقتصادية التي عاشتها سورية خلال فترة الحصار الاقتصادي عليها في نهاية الثمانينات خلقت حاجة نفسية عند السوريين لشراء كل الاشياء المهربة التي كان استيرادها ممنوعا الامر الذي ولّد عادة بات من الصعب على السوريين تجاوزها.
ويؤكد هذا الامر جولة لنا في الاسواق السورية اذ ان كافة البضائع الموجودة في سوق التهريب موجودة في المحلات وباسعار ليست بعيدة عنها كثيرا ولكن المرء يكبر على ماقد تعلم..
ومن زاوية انسانية فان السوق يؤمن قوت اسر كثيرة حيث يؤكد ابو غريب انه يعمل في السوق منذ اكثر من سبعة عشر عاما ليطعم أولاده السبعة ويعلمهم في الجامعة وينتقد البلدية ونصحهم بدل ملاحقة الصغار الذين يبحثون عن رزقهم بان يلاحقوا"المهربين الكبار"حسب وصفه الذي قال انه يشتري منهم بضاعته ولا يغامر بالذهاب الى لبنان ومصادرة البضاعة او ملاحقته من قبل الجمارك.
وبانتظار ان يتم ملاحقة الكبار يبقى سوق التهريب في دمشق تراثا وجزءا من مدينة كبيرة ستجد فيها أي شيء تطلبه حتما.
التعليقات