بيروت: سمير هاوي سباقات خيل منذ صغره يلتقي مع هواة آخرين بعد ظهر كل يوم احد في ميدان بارك بيروت. ولا يتخلف عن هذا الموعد أحد. ويتشكل هواة السباق من كافة الفئات اللبنانية ومن كل الطوائف والطبقات الاجتماعية وهم يؤلفون وحدة متماسكة هدفها الاول والاخير فوز حصانهم المختار في سباق الخيل، فلا حديث لديهم الا عن اخبار الخيل فانشغلوا ولمدة ساعات عن شؤون السياسة والاحزاب والفضائح وامور الغد... في ميدان سبق الخيل لا ترى الا رجالاً ونساء يحدقون بشاشات العرض العملاقة او يتابعون السباق ووقع حوافر الخيل آملين الحصول على الجائزة الاولى، بالنسبة لسمير يشكل ميدان سباق بيروت ليس فقط تاريخ هواية وانما ايضاً رمزاً للتعايش الآمن للبنانيين كما هو بالفعل عمل جاد من فريق من المتهمين لتحسين نسل الخيل العربي. وتكفي زيارة واحدة لميدان بارك بيروت لتتعرف على وجه آخر للبنان واللبنانيين مع كل ما يواكبه من اثارة وحماس وتبادل توقعات وترجيحات بين المراهنين، لا فرق بين غني وفقير مدير مصنع او سائق تاكسي فلجميعهم امنية واحدة: حسن اختيار الجواد الضامن للربح الوفير، فالاختيار لعبة ذكية تتعدى الحظ والقضاء والقدر.
يراقب سمير مع المراهنين الجياد قبل السباق فهم يعلمون مسبقاً كل شيىء عنها: اسم صاحب الاسطبل العائدة له، الجوكي الذي يمتطيها، والمضمر المشرف على شؤونها، كما يعرفون ردات فعلها خلال مباريات سابقة، ويتم الرهان اخيراً اعتماداً على هذه المعطيات اضافة الى ترجيحات المختصين، ويرفض مراهنو السباق تشبيههم بمقامري الكازينو حيث يلعب الحظ فقط دون الوعي والذكاء، فهم مطلعون عموماً على احوال الجياد المتبارية ويتم اختيارهم بالتالي نتيجة تفكير ، وليس من مصلحة المراهن افشاء اختياره للغير لئلا تتضاءل قيمة ربحه اذ تتوزع الجائزة على الرابحين ويدير كمبيوتر خاص تلقي الرهانات وتوزيع الارباح.


فريج ونصرالله
يرأس ميدان سباق الخيل في بيروت ومنذ العام 1998 النائب نبيل دو فريج وهو ايضاً صاحب اسطبل، كما يدير المؤسسة ايضاً نبيل نصرالله الذي يشرف على ميدان الخيل منذ العام 1970، ويتمتع كل من الرئيس والمدير بميزات اهمها شغفهما المشترك بشؤون وشجون الجياد العربية.
يقع ميدان سباق الخيل في وسط بيروت على الخط الفاصل بين القسم الغربي والقسم الشرقي من العاصمة وعلى مساحة 200 الف م2 من اصل 600 الف م2 المخصصة له اساساً، ويعتبر بمثابة الرئة للعاصمة وواحة خضار فسيحة وباستطاعة المرء استنشاق الهواء النقي بعيداً عن غازات عوادم السيارات.
وانشىء ميدان السباق عام 1923 بفضل تنازل خاص لعائلة سرسق الذين بنوا كازينو الى جانب ميدان السباق. وبقي ميدان السباق وتحول الكازينو فيما بعد الى قصر الصنوبر مقر السفارة الفرنسية، وعرف ميدان السباق اياماً رغيدة حتى العام 1965 عندما رغبت بلدية بيروت، صاحبة الملك، بادارته مباشرة، فاخفقت نتيجة لعدم الاختصاص، وكان بني على قسم من المساحة المتبقية المتحف الوطني كما زرعت على القسم الاكبر اشجار الصنوبر.
وفي العام 1968 انشأ بعض المتمولين من اصحاب الجياد امثال هنري فرعون وموسى دي فريج وشخصيات من آل الداعوق وآل غندور وغيرهم جمعية لادارة سباق الخيل لحساب البلدية بعد توقيع عقد يتجدد عاماً بعد عام ووفق قانون رسمي وضع لهذه الغاية، عدل لاحقاً العام 2001 وفق اقتراح تقدم به النائب نبيل دي فريج والذي يقضي بتوزيع ارباح سباق الخيل على الوجه التالي:
15% للجمعية المكلفة بادارة المؤسسة والمشرفة على صيانة المكان وشراء المعدات اللازمة وتدريب الجياد والسهر على سلامتها الصحية وتأهيل نسلها العربي.
5% للبلدية ويتقاسم ما تبقى اي 80% من العائدات كل من المراهنين الرابحين وضرائب وزراة المالية التصاعدية.
وعرف ميدان سباق الخيل في بيروت عصره الذهبي ما بين عامي 1968 و1975 وكان الميدان الوحيد في الشرق الاوسط الذي يتعاطى رواده الرهان والربح المادي حتى توصل المشرفون عليه على وضع خطط ومشاريع لتحديثه فجاءت الحرب العام 1975 وبددتها كلها.
وتعرض ميدان السباق عام 1982 للقصف من الطيران الاسرائيلي فدمر مدرجاته وابنيته قبل أن يمسي مركزاً للقوات الفرنسية، وكان عليه الانتظار سنوات طوال ليستعيد في التسعينات نشاطه المعهود.


نصرالله
يفضل نبيل نصرالله عدم تذكر الايام الصعبة ولكن حتى الآن لم تكتمل التصليحات في ميدان سباق الخيل، ولا يحتوي البارك الا على نحو 600 جواد صالح للسباق مع العلم ان نشاط الحصان في السباق لا يتعدى الست او السبع سنوات يتحول بعدها الجواد الى الاعمال الزراعية.
ويعطي نبيل دي فريج كل اهتمامه لاعادة ميدان سباق الخيل الى سابق عهده من الازدهار والتقدم وفخور بما انجزه اخيراً من انارة البارك ليلاً لان المباراة تتم بعد الساعة الثامنة وبخاصة ايام فصل الصيف الحارة ، اضف الى ذلك انه سمح للجمهور ابتداء من الاسبوع الماضي من مشاهدة ومراقبة تدريب الجياد الاثنين والاربعاء من كل اسبوع لقاء 3000 ليرة كرسم لبطاقة الدخول، ولكن على الراغبين بالمشاهدة النهوض باكراً اذ يبدأ التدريب الساعة الخامسة والنصف صباحاً وتسمح مشاهدة تدريب الجياد للمراهنين تكوين فكرة افضل عن امكانيات كل جواد وان اعتقد دي فريج ان لكل حصان تصرفه الخاص وردات فعل تتبدل وفق الظروف والاحوال.
هذا ويزداد عدد الهواة المراهنين في سباق الخيل عاما بعد عام، وتقدر العائدات السنوية لوزارة المالية بملياري ل.ل. لبلدية بيروت وبالامكان زيادة هذه الارباح.
وزار حاكم دبي أخيراً ميدان سباق الخيل واعجب به رغم ان بعض الابنية والتجهيزات لازالت بحاجة الى ترميم وتحديث وتعمل اللجنة ما في وسعها وضمن امكانياتها للابقاء على هذا المرفق السياحي مكان لقاء ومنتزه حيوي ومصدر امل لربح وفير.


[email protected]