موسى الخميسي من روما: وسط مناخات سياسية واقتصادية محتدمة تعيشها شعوب البلدان العربية، ووسط الممارسات والارتدادات الممالئة للأفكار والعادات والتقاليد المتزمتة، يعيش العديد من الشباب العرب حالة من الاغتراب عن النفس وعن المصير، مما يدفع العديد من هؤلاء الى وضع مظالمهم الداخلية في معادلة مربوطة من طرفيها، بين الاختيار بالذبح والاختناق الداخلي، او بين الاغتراب والنفي ومغادرة ارض الوطن، فيؤثر العديد الاختيار الثاني، الا انه اختيار الدوار والتشرد خوفا من ديون الماضي، ديون الاعتقال والجوع والملاحقة والبطالة.
الا ان الآمال مع هذه الهجرات سرعان ما تتحول الى مقابض جديدة للهراوات وأحلام إشباع المعدة يتحول الى الاتجاه نحو ظلام الأقبية الأوربية، فمن يوم لاخر تحاول بلدان أوربا الغربية التي تتجه اليها أنظار الشباب العربي، الى قلعة مغلقة بوجه اللاجئين، ويتساءل المراقبون عما اذا كان بالإمكان إغلاق حدود هذه البلدان ببساطة في المستقبل وصّد أولئك الفارين من الحروب الأهلية والمجاعة والملاحقة والقتل، وهو ما يتنافى مع الحقوق الإنسانية للبشر والمعاهدات التي ظلت دول أوربا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية حريصة على تطبيقها.
لقد اصبح وضع المهاجرين في العالم محل اهتمام متزايد من قبل المنظمات الدولية والجهوية في السنوات الأخيرة الى جانب ما توليه من أهمية لهذا الموضوع بعض الدول المعنية مباشرة بالهجرة، الا ان المستفيد الأول من هذه الأوضاع هي عصابات الإجرام المنظم، فقد عقدت المافيا الروسية والمافيا التركية حلفا مصيريا لتنظيم هجرة النازحين القادمين من بلدان العالم الثالث، واتفقتا بهذا الشأن مع المافيا الإيطالية التي تحولت الى موقع قيادي لأي عمل إجرامي منظم بحكم تاريخها الطويل في هذا الشأن، اذ نظمت المافيات الثلاث قبل اكثر من خمس سنوات حركة المهاجرين في بحر الادرياتيك أشرفت على نقل هؤلاء البائسين على متن بواخر وسفن قديمة وقوارب مطاطية مهلهلة ومهترئة.
استمرت عمليات المافيات الثلاث خلال السنوات الاخيرة بنشاط كبير على ضوء الأرباح الكبيرة التي تجنيها عصابات الاجرام المنظم، كما لو انها شركة من الشركات العالمية متعددة الجنسية، ووجدت الدول المعنية ومنها إيطاليا، هجوما منسقا ومنظما من المافيات الثلاث التي استغلت حال الضياع والتخبط وعدم التنسيق التي تعاني منها العديد من المؤسسات الرسمية المختصة، فصعّدت ونوّعت وجددّت نشاطاتها الإجرامية.
في الآونة الأخيرة توفرت معلومات خطيرة في العمليات المشتركة لمهربي البشر عن تشكيل المافيا لشبكات دعارة عالمية تستدرج لاجئات قوارب عربيات ومن بلدان اوربا الشرقية الى ايطاليا، اذ يستدرج تجار الدعارة( لاجئات القوارب) المطاطية الشابات الى إيطاليا بالتواطؤ في بعض الحالات مع عناصر من خفر السواحل الإيطالية، اذ ان المهربين ينزلون عادة النساء على شواطئ إيطالية اكثر سرية وامنا حفظا على بضاعتهم التي يوصي بها تجار دعارة النساء، وقد أكدت العديد من الفتيات العربيات والألبانيات والكرواتيات من ضحايا شبكات الاجرام هذه في لقاءات مع عدة برنامج تلفزيونية إيطالية يعدها ويقدمها مجموعة من الصحفيين اليساريين العاملين في مجال حقوق الانسان، بان مهربي البشر يتعاونون مع مافيات رقيق النساء التي تقدم بدورها رشاوى لبعض أفراد خفر السواحل الإيطالية بهدف غض النظر عن إنزال النساء عند بعض الشواطئ، وحسب أقوال الشهود فان اكثر من نصف المهاجرات غير الشرعيات ينتهين الى أعمال غير مشروعة وخصوصا الدعارة مقابل نسبة صغيرة تتراوح ما بين 10 و15 في المائة ممن يجدن أعمالا شريفة.
وقد اعترفت امرأة عربية لم تكشف هن هويتها بوجود مجموعات من الأثرياء الأميركية تشتري غلمانا وفتيات تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثانية عشرة للممارسة الجنس معهم وتغذية سوق دعارة القاصرين في أوربا وأميركا بعد الاستغناء عن خدماتهم.
وقد بينت احدى البرامج التلفزيونية بالأرقام ان المهاجرات القادمات من دول العالم الثالث والعالم العربي وخاصة دول المغرب العربي اضافة الى بلدان اوربا الشرقية لسن من الفئات والشرائح الفقيرة فحسب، بل هنالك العديد من طالبات الجامعات والمتعلمات اللواتي يحلمن بحياة افضل.
وقد اتجهت عصابات المافيا خلال الآونة الأخيرة الى ان المهاجرين الذين وصلوا الى ألبانيا او البوسنة ومعظمهم من العرب والأكراد العراقيين والإيرانيين ويريدون العبور الى دول أوربا الغربية عن طريق كرواتيا وسلوفينيا ولا يملكون نقودا كافية لدفع النفقات المتصاعدة يوما بعد اخر، يجبرون على تقديم أعضاء من أجسامهم مقابل تأمين وصولهم الى الدول التي يحلمون بالعيش فيها من اجل حياة أخرى لا تحمل ضنك العيش وتفقد هامش الحرية الشخصية المطلوب.
وكشف عدد من المهاجرين في اعترافات له أمام السلطات الإيطالية بان المافيا التي تقوم بتهريب المهاجرين لها ارتباطات بمستشفيات سرية خاصة تقوم باستئصال أعضاء وخاصة جهاز الكلية من الذين لم يدفعوا المبالغ المطلوبة ليتم بيعها في أوربا للراغبين بزرعها في أجسادهم المريضة، وقد ألقت السلطات الإيطالية القبض على مجموعة من الأطباء في عدد من المستشفيات بتهم تتعلق باجراء عمليات سرية بزرع اعضاء بشرية بدون ترخيص.
وقد أعلنت إيطاليا وبريطانيا في الآونة عن مبادرة مشتركة لكبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من يوغسلافيا السابقة، وإرسال فرق مشتركة من ضباط الشرطة المتخصصين في مكافحة عصابات تهريب البشر في منطقة البلقان وخاصة في كل من البوسنة كرواتيا وسلوفينيا لمساعدة رجال الأمن في هذه الدول لمحاربة شبكات المتاجرة بأعضاء البشر والدعارة.