الموريس التي هزمت الدول

أسامة العيسة من القدس: يملك يوسف حزبون (أبو شارلي) 80 عاما، مخبزا اسماه (المخبز العراقي) متخصص بالخبز العراقي، وكان شريكا له في المخبز شاب اصغر منه سنا بكثير اسمه حسين عبيات، كان يتمتع بهدوء كبير، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى أصبح عبيات احد قادة كتائب شهداء الأقصى الميدانيين، وكان أول ضحية لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية بحق نشطاء الانتفاضة، عندما تم قصف سيارته بالصواريخ ورافق ذلك تسابق من قادة الجيش والمخابرات في إسرائيل في إعلان ما اعتبر إنجازا بقتل عبيات.
ورغم الفروق الكثيرة بينهما مثل السن والديانة، إلا أنهما ارتبطا بصداقة مميزة وجمعهما حبهما لبعض الهوايات مثل الشغف بالسيارات القديمة.
ورغم تقدم العمر بابي شارلي إلا انه يبدو نشيطا حريصا على سيارته التي ارتبط معها كما يقول بقصة حب زادت عن خمسة وأربعين عاما.


موريس ممشوقة

ابو شارلي وسيارته
لا يمكن أن تسير تلك (الموريس) الجميلة في الشوارع دون أن تلفت الانتباه، أنها ليست فتاة ممشوقة القوام، وإنما سيارة فريدة من نوعها ربطتها بصاحبها أبي شارلي علاقة حب ممتدة لأكثر من أربعة عقود.
يروي أبو شارلي حكايته مع هذه السيارة "في عام 1958 كنت راكبا سيارة أجرة في شارع المهاجرين في العاصمة الأردنية عمان، ورأيت رجلا يقود سيارة من نوع موريس، فأوقفت السيارة وسالت صاحبها الذي عرفت انه يملك شركة توكيلات لسيارات أل (موريس) وسألته إذا كانت للبيع، فأجابني بالإيجاب وبان سعرها ألف دينار أردني، ولم يكن معي سوى خمسين دينارا، فأعطيتها للرجل، على أن أوافيه بالمبلغ في اليوم التالي، وركبت الموريس وعدت بها إلى فلسطين، وفي اليوم التالي عدت إلى عمان وأعطيته باقي المبلغ وخصم الرجل 10 دنانير من ثمنها".
وعن ما الذي لفت انتباهه في السيارة يقول أبو شارلي "(البودي) القوي ولونيها الأخضر الغامق والفاتح، ولأنني كنت املك مكتبا للتاكسيات، شغلتها كتاكسي عمومي لمدة 7 سنوات ومن ثم كسيارة للعائلة حتى ألان".
وردا على سؤال حول كم مرة تعطلت السيارة يقول أبو شارلي "هذه السيارة وجهها حلو علي، كله رزق، ولم تقطعني ولا مرة، وإذا تعطلت فيكون ذلك لدى وصولها إلى البيت، وفي اغلب المرات تكون بحاجة إلى صيانة بسيطة، وأنا احتفظ ببعض قطع الغيار والأمور الأخرى منذ أن اشتريتها وبعضها ما زال لدي ملفوفا في ورقه،..تصور أن زجاجها لم يكسر ولا مرة، حتى بعد تعرضها لمطر من الحجارة في أثناء سيرها في الشارع في الانتفاضة الأولى، ولم يحدث للزجاج أي خدش..".


دول ذهبت والسيارة بقيت
يقول أبو شارلي انه غير المحرك أكثر من مرة، وبالنسبة للوحة السيارة كانت في البداية أردنية وبعد حزيران 1967 أصبحت إسرائيلية والان هي فلسطينية، ويضيف ضاحكا "الموريس هزمت كل الدول وبقيت صامدة مخلصة لي لأنني أحببتها وأخلصت لها ولم ابخل عليها بأي شيء احتاجته".
ويحافظ أبو شارلي على سيارته دائما ويصونها بشكل دوري ولا يجد أي صعوبة في ترخيصها ويقول "عندما يرى رجال الشرطة سيارتي القديمة يوقفونني فورا، وكنت أتحداهم أن يجدوا أي خلل فيها، ودائما تخرج من الامتحان بنجاح".
وسالت أبا شارلي: هل حاول احد شراء الموريس؟، فأجابني:
"آووه...كثيرا، لقد تلقيت أكثر من 700 عرضا لشرائها، وبعض اليهود يوقفونني على الشارع ويساومونني على شرائها، وعندما يعرفون موقفي المتمسك بها، يطلبون إلقاء نظرة عليها، وحاول احد أصحاب معارض السيارات شراءها ودفع مبلغا كبيرا من الدولارات ولكنني رفضت فوجهها كله خير علي".
وردا على سؤال حول إذا كان لديه علم إذا كانت الشركة المنتجة ما زالت تنتج سيارات مثلها يقول أبو شارلي "أنتجت هذه الشركة موديلات لأعوام 59-60-1961، واشتريت كل هذه الموديلات، ولكنها لم تكن أبدا بقوة هذه السيارة، فتخلصت منها جميعا وأبقيت هذه السيارة، وسيارة مرسيدس موديل 1968 وما زلت أنا وزوجتي نستخدم السيارتين".
ويقول أبو شارلي انه لا يجد أية صعوبة في الحصول على قطع غيار لسيارته القديمة، لأنه يحتفظ ببعض هذه القطع لها كان اشتراها وخزنها لحين الحاجة إليها ويضيف بفخر "منذ أن اشتريت هذه الموريس وما زالت قوية وعفية وجميلة، انظر إلى أبوابها كم هي قوية".
وخلال طوال هذه العقود لم يقع لأبي شارلي أي حادث مروري، وهو يقود السيارات منذ أكثر من 60 عاما.
وعندما سألته عن النصيحة التي يمكن أن يوجهها للسائقين كي يتجنبوا الحوادث أجاب أبو شارلي "كل المشاكل والحوادث تقع بسبب السرعة وعدم الانتباه وانأ لم أقد سيارتي بأكثر من 70 كلم في الساعة".


الحب والهواء
أول سيارة اشتراها أبو شارلي كانت أيضا من نوع موريس موديل عام 1952، ويصفها قائلا "كان لها جناحان و(بوز) مميزا، واشتريتها ب 300 دينار أردني وكانت مستعملة ودفعت 10 قروش ثمن الرقم، وبعد هذه السيارة اقتنيت أنواعا أخرى مثل أل (دوج) و(بلايموث) و(شفروليت) ولكنني لم أحب مثل هذه الموريس..".
وردا على سؤال حول الفرق بين السيارات المصنعة حديثة وتلك القديمة يقول أبو شارلي "أتعتقد أن السيارات الجديدة سيارات..؟!! أنها مثل البسكويت، السيارة القديمة تحمي صاحبها لان حديدها ثقيل وقوي بعكس الجديدة التي لا تتحمل أي تصادم، والسيارات القديمة مرتفعة عن الأرض، وعندما تقودها تستطيع رؤية الشارع أمامك، أما السيارات الجديدة فعند أي تصادم ربما ترسلك إلى القبر، يجلس فيها المرء فلا يرى أي شيء أمامه..!، وعندما انزل من سيارتي الموريس: انزل واقفا، لأنها مرتفعة..!".
وعن سر حيويته وهو في هذا العمر المتقدم يقول أبو شارلي "سر الحيوية هو النشاط..والعمل، يجب على الإنسان أن يظل يعمل فانا اعمل صباحا في البستان..وأدير مخبزا..وما زلت اعمل، وبالنسبة للطعام فانا أتناوله باعتدال، وأعيش حياة بسيطة كالفلاحين بالإضافة إلى التفاهم بيني وبين زوجتي والحب الذي يربط بيننا، لقد تزوجنا منذ 55 عاما ومرت كأنها يوما واحدا، لقد زرت وإياها معظم بلدان العالم".
وردا على سؤال إذا كانت زوجته أيضا تشاطره حب الموريس يقول أبو شارلي "تحبها أكثر مني، وهي متعلقة بها كثيرا ولا ترتاح في قيادة أي سيارة إلا بها".