علي مطر من اسلام آباد: اللغة الاوردية هي الاوسع انتشارا في هذا الجزء من العالم ويتحدثها كثيرون في باكستان والهند وتنتشر في الافلام الهندية الباكستانية على حد سواء. ولكن المتحدثين بهذه اللغة يحارون من عدم وجود ما يستخدمونه لقول (شكرا لك) عندما يقوم احدهم بإحسان معاملتهم. والحقيقة هي ان الكاتب الانجليزي بيفيرلي نيقولاس الذي ينتمي لفترة ما قبل عام 1947م والذي كتب في شؤون السياسة الهندية قد كان يؤمن بالاعتقاد القائل بان مسلمي شبه القارة كانوا يستخدمون كلمة سكر بدلا من كلمة شكرا.
ويمكن للمبتدئ في علوم اللغة ان يدرك ان الكاتب الانجليزي لم يكن صائبا في ما ذهب اليه بسبب التقارب الكبير في لفظ كلمة سكر وكلمة شكرا. فعندما يقول الناطقون بالاوردية شُكريا فانهم لا يشيرون بذلك الى السكر الذي يلفظ في بعض مناطق الخليج وايران بكلمة شكر. انهم حين يقولون شُكريا فانهم يحاولون الوصول الى او التشبث بكلمة عربية لها تاريخ بديع ومبهج في علم اللغات هي كلمة شُكرا. وهذا يعني انه لا توجد هناك مشكلة في قول الهنود والباكستان لكلمة شكرا بل ان المشكلة الحقيقية التي يعانون منها هو ان لغتهم الاوردية لا تحتوي على كلمة (آسف) للتعبير عن ندمهم على اي اساءة يوجهونها للاخرين.
كُتب التاريخ تؤكد ان البريطانيين لم يبدؤوا في استخدام كلمة (شكرا لك) الا في القرن الخامس عشر. ما الذي كانوا يقولونه قبل ذلك؟ غير معروف.. ربما كانوا قبلها يركلون من يحسن اليهم.. لا احد يدري! فكلمة شكرا لك هي بمثابة علامة من علامات الحضارة والتحضر. واذا ألح المرء بالسؤال على علماء السياسة والاقتصاد فانهم يقولون ان الكلمة قد بدأت تنتشر مع بداية ظهور المجتمع القائم على الثقة بين ابنائه.
فكلمة شكرا بالانجليزية هي صورة محورة لكلمة ( think ) التي تعني التفكير ؛ اي ان قيام المرء بعمل حسن لامرئ اخر قد جعل هذا الاخير يفكر على نحو ايجابي تجاه المحسن. انها قد تعني انه لامر حسن أنك قد فكرت بي جيدا وقمت بمعاملتي بصورة حسنة. والفرنسيون يقولون ( ميرسي ) والاسبان ( جراسيس ) وكلاهما كلمتان مليئتان بالرومانسية؛ والروس يقولون لكلمة شكرا ( سباسيبا ) وهي ترجمة لميرسي.
وقبل أن يقوم الايرانيون بضم كلمة شكرا العربية الى قاموس لغتهم الفارسية؛ فانهم كانوا يستخدمون كلمة ( سباس ) والتي تعتبر قريبة لكلمة( سباسيبا ) الروسية ولكن ربما كان ذلك امرا بالصدفة وغير مقصود.
كلمة شُكريا الاوردية جاءت من جذر كلمة شكرا العربية والتي يرى البارعون في اللغة في هذا الجزء من العالم انها تعني امتلاء ضرعي الماعز بالحليب وبمعنى اخر فانها تعني الامتلاء بالمشاعر الطيبة حتى الثمالة.
وتستخدم هذه الكلمة في القرآن الكريم في مواقع غاية بالاهمية. فاي شخص تكون اعماله ذات نتائج ايجابية كاملة فانه يسمى شكورا. بل أن بعض صفات الخالق هي الشكور وهو وصف مبالغ فيه من كلمة الشاكر والتي تعني ايضا شخصا مليئا بالامتنان.
انه لمن المؤكد حتما ان الانسان قد بدا يستخدم كلمة شكرا وكلمة آسف بعد ان ظهر مجتمع الثقة وذلك بعد ان تحولت اجيال المحاربين القدماء الى مجموعات تجارية تهتم بالاقتصاد اكثر من الحرب.
ما هي الكلمة التي كان الهنود يستخدمونها قبل شُكريا؟ قاموس تيرنر يقول انها ( دضانيواد ) وكلمة ( دضان ) تعني الثناء؛ بل وتمضى الى اعمق من ذلك. فهي كلمة تؤدي معنى تقديم الشكر للاغنياء؛ وكلمة ( دضان ) تعني الآن الثروة ولكنها لم تكن كذلك في سابق عهدها عندما كانت تعني الماشية!
فكلمة ( دضان ) بالاوردية تعني الماشية والماشية كانت تعني في السابق الثراء لمن يحوز عليها. ولديها كلمة مقابلة بالانجليزية وهي ( pecuniary ) والتي تتعلق بالنقود ومصدرها كلمة ( pecu ) اللاتينية التي تعنى الماشية. والمدهش ان كلمة pecu لها كلمة مقاربة لها في النطق باللغة البنجابية الهندية وهي بيسو.
ولكن يجب الاشارة الى ان هناك كلمات اخرى في الاوردية تؤدي معنى الامتنان مثل ( ميرباني ) و( عناية ) و( ذرا نوازي ) وكلها تعني الامتنان والشكر.