وفاء عمرو من جنين (الضفة الغربية): حمل مسلحون محمود عباس مرشح الرئاسة الفلسطيني على الاكتاف مهللين فيما بدا هو في صورة غير معتادة بحلته الرمادية الانيقة.

كان مبتسما ورفع يده محييا لكنه أظهر دبلوماسية حذرة لاجتذاب المقاتلين في اطار سعيه لخلافة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الانتخابات المقررة يوم الاحد المقبل والمتوقع على نطاق واسع أن يفوز فيها.

لكن وضع هؤلاء المقاتلين تحت سيطرة حقيقية سيكون أكبر تحد يواجه عباس اذا كان له أن يحقق أمله في انهاء العنف المستمر منذ أربع سنوات واستئناف المحادثات مع اسرائيل بشأن اقامة الدولة الفلسطينية.

فالنشطاء لا يبدون مقتنعين بدعوة عباس لوقف الكفاح المسلح ويؤكدون أنه لن تكون هناك هدنة مادامت اسرائيل مستمرة في قتالهم. لكن اسرائيل استبعدت اجراء مفاوضات اذا استمرت الهجمات.

وقال زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الاقصى في الضفة الغربية في جنين والذي نظم الاستقبال المسلح لعباس انه لم يرفض الهدنة لكنه لم يقبلها بعد.

وأمام عباس أفضل فرصة للحصول على تعهد بوقف اطلاق النار من جماعة كتائب شهداء الاقصى التي ينتمي اليها الزبيدي وهي جماعة مسلحة منبثقة عن حركة فتح تشكلت بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي في عام 2000.

وأقر بعض المسلحين في أحاديثهم الخاصة بأنهم تعبوا بعد سنوات من التخفي.

كما انهم قلقون على مصيرهم بعد وفاة عرفات الذي كان نشطاء فتح يعتبرونه زعيمهم الاعلى رغم أنه نفى اتهامات اسرائيلية وأمريكية بالتحريض على العنف.

وقال أحد الهاربين من أعضاء كتائب شهداء الاقصى "تعبت. والناس تعبت ولنكن صرحاء لم نحقق أي مكاسب سياسية."

وأضاف في مخبأ في زقاق مظلم ومترب "أنا هارب على الدوام. اضطررت لبيع بعض ممتلكات أسرتي وذهب زوجتي لشراء بندقية وبعض الرصاص."

وتعهد عباس في محاولة لكسب تأييد النشطاء بضمان سلامة "الهاربين" وأكد كذلك انه سيلتزم بمطالب عرفات الاساسية بشأن اقامة دولة فلسطينية على كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وأبلغ ناصر جمعة زعيم كتائب شهداء الاقصى والذي يتصدر قائمة المطلوبين في اسرائيل رويترز في بادرة على استعداده للسير في الطريق نفسه مع عباس ان جماعته ستعطي أبو مازن (عباس) الفرصة لإقامة الدولة.

وتعززت امال السلام بعد وفاة عرفات يوم 11 نوفمبر تشرين الثاني بتراجع العنف في الضفة الغربية.

ويأتي التحدي الاخطر من جانب حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وهي القوة المحركة الاكبر وراء الهجمات الانتحارية التي قتلت مئات الاسرائيليين منذ عام 2000.

وقال مسؤول من فتح "اذا رفضت حماس وقف اطلاق النار فإن كتائب شهداء الاقصى التي تنافس حماس على النفوذ ربما تتبع خطاها وترفض دعوة عباس لالتزام الهدوء."

واستبعدت حماس حتى الان أي اقتراحات بوقف اطلاق النار ما لم تنسحب اسرائيل أولا من جميع الاراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 - وهو مطلب لن تلبيه اسرائيل بالتأكيد.

ورفضت حماس جهود عباس من أجل التوصل الى هدنة لتهيئة المناخ للمحادثات.

وصعدت في واقع الامر هجماتها بالصواريخ وقذائف المورتر على اسرائيل والمستوطنات اليهودية في غزة حيث تصاعد العنف مع محاولات النشطاء تصوير الانسحاب الاسرائيلي المقرر من القطاع باعتباره نصرا لهم.

وقال محمد غزال احد مسؤولي حماس البارزين في الضفة الغربية انه قلق من أن يكون عباس يصدق بالفعل التصريحات التي يدلي بها علنا بشأن تحقيق الهدوء وانهاء الانتفاضة المسلحة وأنه سيعمل بالفعل على تحقيقها.

وأوضح عباس انه يرى أن السبيل لكسب تأييد الجماعات الاسلامية هو الحوار وليس القوة مؤكدا انه لا يريد للفلسطينيين أن يحاربوا بعضهم بعضا.

وكان من البشائر التي شهدها عباس استعداد حماس للمشاركة في الانتخابات المحلية وربما الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق هذا العام.

لكنه اذا فشل في اقناع حماس قد ينتهي به الامر الي مأزق ان يختار بين التخلي عن امال اجراء مفاوضات أو محاولة استخدام قوات الامن الفلسطينية في السيطرة على النشطاء.

وقال مسؤول أمني فلسطيني "انه لن يتردد في تنفيذ القانون والحمل على أي جماعة تحاول السطو على قرار الاغلبية." وأضاف "لكن خطواته ستعتمد على ما اذا كانت اسرائيل ستستجيب بخطى مماثلة لضمان تحقيق الهدوء."

وكانت المرة السابقة التي اتفق فيها النشطاء الفلسطينيون على وقف هجماتهم في منتصف عام 2003 عندما كان عباس رئيسا للوزراء وحاول دعم "خارطة الطريق" للسلام في الشرق الاوسط المدعومة من الولايات المتحدة.

لكن الهدنة انهارت مع تجدد أعمال العنف في غضون بضعة أسابيع.

رويترز