أسامة العيسة من الخليل: يفخر أنور زبلح (55 عاما) بأنه ولد ونشأ بالقرب مما يعرف باسم (بلوطة إبراهيم) على جبل الجلدة في مدينة الخليل، وهي البلوطة التي يأتيها السياح من مختلف العالم مقتفين ما يعتقد انه أثار النبي إبراهيم الذي حط رحاله تحت هذه البلوطة.
وألان يعمل زبلح (أبو نمر) الذي تملك عائلته الأراضي المحيطة بالبلوطة حارسا عليها والتي أصبحت جزءا من كنيسة أرثوذكسية تتبع البطريركية الروسية، ويعمل (أبو نمر) أيضا في خدمة الكنيسة الأرثوذكسية المعروفة باسم المسكوبية، والتي يوجد فيها اقل من عدد أصابع اليد الواحدة من الرهبان والراهبات.


البلوطة المقدسة
امتازت فلسطين طوال ألاف السنين بغابات البلوط التي تقلصت لأسباب عديدة، أهمها عمليات الاستيطان التي لا تهدأ على رؤوس الجبال، ومن لمعروف أن شجر البلوط يتأثر مع الزمن فتموت الشجرة لتنبت غيرها، لذلك من الطبيعي أن تكون بلوطة إبراهيم تأثرت بعوامل الزمن، وهي ألان تبدو كبيرة وضخمة وجافة يحمي أغصانها أسلاك غليظة وعليها سياج ولا يسمح لأحد بالدخول إليها حفاظا عليها، باعتبارها بلوطة مقدسة.
وحولها توجد شجرات بلوط يانعة ولكنها كبيرة يعتقد أنها نبتت من بذورها.
وكان السائحون والزوار في السباق يأخذون معهم جزءا منها لاعتقادهم بأنها تجلب السعد لهم.
ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بهذه البلوطة المعمرة، يقول أبو نمر الذي يحلو له أن يقوم بدور الدليل السياحي للزوار بان عمر هذه الشجرة يزيد عن أل 5 ألاف عام، ويقال بان سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما جاء إلى الخليل وكان عمره 106 عوام وزوجته سارة عمرها 101عاما بشر من الملائكة بأنه سيأتيه ولد، وهو ما حدث بولادة ابنه اسحق.
ولهذا السبب يأتي مسيحيون ومسلمون من مختلف أنحاء العالم لزيارة هذا الموقع، وفي فترات سابقة قبل الانتفاضة كانت يأتي يهود بأعداد كبيرة إلى الموقع، ولكنهم لا يأتون ألان لأسباب أمنية.
ويفخر (أبو نمر) ببطاقات سياحية قديمة يظهر فيها بالقرب من الشجرة يرعى الأغنام وعمره نحو 8 أعوام.
وهو ألان وقد أصبح عمره 55 عاما مازال يقوم بنفس العمل يربي الأغنام ويحرس الشجرة المقدسة ويكافح الحيوانات الضالة مثل الكلاب والذئاب التي تمكنت أخيرا من قتل عددا من أغنامه.
ومشاكله لا تتوقف عند هذا الحد، فهو يعاني من إصابة كادت تودي بحياته من جمله، الذي اعتدى عليه بدون سبب كما يقول أبو نمر.
ويحتجز الجمل خلف سياج ولكنه يبدو عنيفا بشكل كبيرا ومتأهبا لقتال كل من يقترب منه، ويفسر أبو نمر ذلك بان الجمل يريد أن يتزوج ولهذا فهوا مستفزا وعنيفا.
ويتفهم (أبو نمر) رغبة الجمل، لأنه نفسه تزوج من أربعة نساء، تعيش ثلاثة منهن معه ألان، ويرغب بزوجة رابعة، ولكن ضيق اليد يجعله، كما يقول لا يستطيع أن يزوج جمله او يزوج نفسه.


المسكوبية
تقع (شجرة إبراهيم) ألان في محيط الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الموقع والمعروفة باسم المسكوبية.

الكنيسة الروسية
بنى الروس هذه الكنيسة عام 1871م، بالقرب من بلوطة إبراهيم، وحملت الكنيسة اسم إبراهيم.
وتعتبر هذه الكنيسة من الأملاك المميزة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية وللمسيحيين بشكل عام، وعادة كان يعيش فيها راهب أو اثنين في محيط من المسلمين يزيد تعداده عن نصف مليون في الخليل وجبالها وقراها.
وتمتع رهبان الكنيسة بشكل دائم بالحماية والاحترام من المحيط الإسلامي، وتجسد علاقة أبو نمر بالرهبان ذلك، بل انه أصبح واسطة الصلح بينهم.
ومرت على الكنيسة فترات حرجة بسبب انقسام الكنيسة الروسية إلى اثنتين: بيضاء وحمراء، فعندما اندلعت ثورة أكتوبر الاشتراكية بقيادة لينين عام 1917 انشقت الكنيسة وسمي المنشقين ب (البيض) أمام الكنيسة التي بقيت في الاتحاد السوفيتي فسمي أتباعها ب (الحمر).
وتوزعت أملاك الكنيسة الروسية، على الأقل في فلسطين بين الطرفين، وسيطر الأرثوذكس الروس البيض على كنيسة بلوطة إبراهيم.
وبعد تسلم السلطة الفلسطينية زمام الأمور وزيارة البطريرك الروسي الكسي للضفة الغربية عام 1998 ولقاءه عرفات، تم الاتفاق على تسليم الكنيسة له، وهو ما حدث ولكن بصعوبة وتم طرد الروس البيض منها وتسليمها للحمر.
ولكن اثنين من البيض رفضا المغادرة وبقيا في الكنيسة يخدمان تحت رئاسة الحمر وهما جورج وهو راهب مسن أمضى عمره في المكان وتوفي ودفن
صورة حديثة للبلوطة المقدسة
فيه واسكندر أقدم راهب في الكنيسة ألان والذي علمه (أبو نمر) التحدث باللغة العربية.
وعندما وصل مراسلنا الكنيسة كان عدد الرهبان 3 بالإضافة إلى اثنتين من الراهبات، وغادر المكان، في نفس اليوم، راهب وراهبة وبقي اسكندر وزميل وزميلة له.
يقول أبو نمر بان الروس البيض يحنون إلى المكان فيأتون إلى بيته المجاور إلى الكنيسة حيث يتولى إدخالهم للصلاة ويحول دون حدوث احتكاك مع زملائهم الحمر.
ورفض الراهب اسكندر الذي لم يغادر مدينة الخليل منذ عشرة أعوام، التحدث عن الخلافات بين الأرثوذكس الروس، وكلف راهبا روسيا جديدا بمرافقة مراسلنا إلى الكنيسة مبديا اعتزازه بالبطريرك اليكسي.
وتزدان الكنيسة بصور وأيقونات لأنبياء العهد القديم خصوصا إبراهيم واسحق وإسماعيل وزوجاتهم: سارة ولائقة وراحيل.
وسوى طرد الرهبان البيض وإحلال الرهبان الحمر مكانهم، لم تشهد المسكوبية أية اشاكالات غير تعرضها للسطو من قبل مجموعة من اليهود في أثناء خضوع المكان للحكم العسكري الإسرائيلي.
وتم فقدان مجموعة من الأعمال الفنية القديمة خلال حادث السطو هذا.


قبور قديمة
وتوجد مواقع أثرية كثيرة في المكان مثل القبور وغرف سكنية محفورة في الصخور وأماكن لصنع النبيذ.
ويوجد مكان محفور في الصخر بشكل متقن ويتم الدخول إليه من باب صغير جدا ليجد الداخل نفسه في مكان متسع مقسم إلى عدة أقسام وفيه قبور محفورة في الصخور.
واستخدم هذا المكان للدفن حتى العهد العثماني، وتوجد في المكان سراديب تؤدي إلى مغر، يبدو أنها غير مكتشفة بعد.
وهناك قبر أخر في المكان حفره (الروس البيض) عندما كانوا يسيطرون على المكان ولكنه مليء بالماء، فلم يكملوا عملهم.
ومن الأمور المثيرة غرف محفورة في الصخور واضح أنها سكنت منذ ألاف السنوات.
ولكن بناء الكنيسة الروسية الذي يعلوه قبتين مذهبتين هو الأبرز في المنطقة التي يمكن منها رؤية كافة أحياء مدينة الخليل، وفي ساعات المساء أو الصباح الرائقة يمكن رؤية زرقة البحر الميت الذي يشهد منذ ألاف الاعوام على الأحوال المتقلبة في الأرض المقدسة.