خلف خلف وبشار دراغمه من رام الله: مما لاشك فيه، أن المخدرات آفة تدمر، وتنخر جذور المجتمعات، وان الزمان مهما طال، تبقى مرافقه له كظله أينما ذهب أو حل، وتعشش هذه الظاهرة في معظم المجتمعات دون علاج، لا تفرق بين صغيرا أو كبيرا، لا تعترف بالقوانين الإنسانية أو المساواة!!.
يقف أمامها المجتمع وقفت بريء بحكم إعدامه، فالعادات تصرخ، والطب يحظر، والدين يحرم، لكن عبثا، فما من مجيب، هذه العادة التي تمتص أجساد البعض كبعوضة تمتص دماء النائمين، تستفحل بالمجتمع يوما بعد يوم، يصفها البعض بالموت البطيء، وقاتلة الإنسانية، وتستمر رغم تبدل الأسماء والنعوت في سحق المشاعر، والكرامة، وتحول الإنسان إلى مجرد آلة يتم التحكم به من بعيد أو قريب.


الأسباب عدة
يقول النقيب في السلطة الفلسطينية توفيق (ابو محمد) أن ظاهرة المخدرات أصبحت ظاهرة منتشرة في السنوات الأخيرة بكثرة وخاصة بالسنوات الأخيرة، بين فئة الشباب لأسباب عديدة منها الأوضاع الاقتصادية، والحالة الاجتماعية، وموضوع الكيف، وإقامة عدد من العمال داخل إسرائيل، وكذلك العلاقات بين عرب الداخل وهنا، كل هذه الأسباب اجتمعت بصف هذه الآفة العصرية.
وأضاف: تعد المارغوانا أكثر أنواع المخدرات انتشارا يليها الكوكائين، والهيروين والحبوب.


المكافحة: نواجه مشاكل بالجنوب
العميد حسن العمودي نائب الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في فلسطين وخلال ورشة علمية أشرفت عليها مؤسسة مينتور العالمية قال: كل جهود السلطة تتمحور حول منطقة الجنوب، وخصوصا مدينة غزة، وتابع العميد نواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على المناطق هناك، وخصوصا في المناطق الصفراء والتي تحتلتها القوات الإسرائيلية، ومناطق التماس على الحدود، تلك المناطق فيها رقع مزروعة بالمخدرات ويتم ريها بأسلوب التنقيط لرعايتها وإتلافها ليس بالأمر السهل لأننا بحاجة لتنسيق وحصول على إذن مع السلطات الإسرائيلية، لقد قمنا منذ مدة قريبة باتلاف مساحة 6دونمات وسط منطقة الحراسة، كما أن مساعي الأمن الفلسطيني في تطبيق القانون متعثرة في إثبات التهم على المتجاوزين بعد أن قامت السلطات الإسرائيلية بقصف المختبر الجنائي الفلسطيني الذي كانت تتم فيه تحليل العينات من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، في الماضي كانت غزة معبرا لمصر، وبعد الاحتلال ساد التقليد لذلك تجد المتعاطين للهيروين هم ممن في عمر يزيد عن سن 35، لكن انضمام الشباب إلى جماعات انتماء شكل رادعا ممتازا نتيجة الوعي الوطني.


صديقه ورطه بالمخدرات
الشاب جهاد (س) يبلغ من العمر (29عاما) والد لخمسة أطفال، يقول: كانت بدايتي مع المارغوانا في سنة 2000، عندما قمت بالدخول إلى إسرائيل للعمل، بعد أن ساءت حالتي المادية بسبب الانتفاضة، تعرفت على شاب بالعمل، وأصبحنا أصدقاء، وكان وضعي النفسي سيء بسبب فقداني أحد أصدقائي بالانتفاضة، استغل صديقي الجديد حالتي النفسية السيئة، وقال لي بأنها تجعلني أنسى العالم، تناولتها عن طريق "البانغ" عبارة عن قنينة مثقوبة من الأعلى والطرف يوصل به "بربيش" توضع المارغوانا داخله مغطى بورقة سلفانا مثقوبة -شعرت بإحساس لطيف ونشاط وبعد أيام ذبل جسمي وتعبت، وخلال أربعة شهور، ابتعدت عن أسرتي، ولم اذهب إلى عملي في إسرائيل، واعتكفت في غرفة في البيت، وقال نجحت في تركها لأن خالي وأصدقائي المخلصين، وقفوا بجانبي.


منع الأكمول من دخول البيت
الشاب كريم (34عاما) من قرية قضاء نابلس، يقول تناولت المارغوانا، بشكل منتظم نوعا من العلاج من الضعف الجنسي، قبل ثلاث سنوات، خلال وجودي في حفلة لأحد أصدقائي في إسرائيل، لكن تركتها ليس لأنها ضارة، فانا متأكد أني على صواب، ففي الكنيست الإسرائيلي والدول الغربية مسموحة، لكن خشيتي على أولادي وسمعة بناتي هو ما دفعني إلى تركها، حتى إنني منعت "ألا كمول" من دخول البيت، وأضاف: أن الخطر لا يكمن في متعاطي المارغوانا فهو ما زال على الشط، وإنما الخطر في الكوكايين والهيروين، وتقليد الشباب، غير الواعي للكبار فعليهم ضبط أنفسهم، وانتشالها من الغرق وألا ذهبوا إلى مرحلة إلا عودة، فلابد من توفير مصحة نفسية، بدلا من السجون.


نموذج أخر
الشاب محمد يبلغ من العمر (30عاما) يقول بدأت معاناتي من الصغر كان ينتابني مرض عصبي بين الفترة والأخرى، ترددت على عدد من الأطباء والمشايخ واستخدمت "الحجاب"، لكن لم ينفع، وفي الخامسة عشر من عمري، كنت اشرب الخمر، لكن بسبب تزايد المشاكل العائلية يوما بعد يوم، وعدم محبة أهلي لي، إضافة إلى مناداتهم لي بالمجنون، تركت الدواء، ولجأت بإرادتي إلى المارغوانا للنسيان والهروب من الواقع، ويجيب دكتور علم النفس في جامعة النجاح الوطنية عبد عساف عن سؤالنا لماذا يدمن الأشخاص على هذا السم القاتل، ولماذا يقتربون من حفرة الموت التي يحفرونها بانفسهم، قائلا: تعود أسباب تعاطي المخدرات إلى أسباب كثيرة منه شخصية ونفسية، مثل القلق والملل والاكتئاب النفسي، وتقص في اعتبار الذات، ومفهومها وتقليد الآخرين، وحب الاستطلاع، وأسباب اجتماعية داخل الأسرة، والبيئة المحيطة بالإنسان، فمن الصعب على الإنسان أن يقلد كل شيء يراه، لأنه سيجد نفسه كالفراشة التي تلقي بنفسها بالنار بمجرد رأيتها لها،
ويتابع عساف قائلا: وسائل الأعلام تعرض المخدرات وطرق تعاطيها، بطريقة تشجع على تجربتها كما أن هناك أسباب اقتصادية، فمعظم المتعاطين من الفئة الفقيرة، وأضاف عساف أن طرق معالجتها يكون بالطريقة السلوكية والمعرفية، والخبرات الشخصية، وهذا يتطلب مصحات نفسية مؤهلة، لكن الوضع الاقتصادي حاليا، لا يسمح بوجود مثل هذه المصحات، وتعقب على رأيه المحامية عريب الصويص مضيفة أن البطالة وسوء النوعية، والإرشادات بالعائلة وعدم إدراك الناس لخطورة هذا السم، فالمشاكل كلها تعكس على بعضها البعض، ليست فقط على مستوى المخدرات، وإنما أكثر من ذلك، فالمجتمع الفلسطيني أصبح يعاني من مشاكل كثيرة في ضوء الانتفاضة التي اندلعت بتاريخ 28/9/2000.
ويقول الدكتور بلال سليمان أن الخوف ليس من تعاطي المارغوانا، وإنما من الكوكاكين والهيروين، فالمتعاطي يصاب بألم شديد جدا، في جسمه وسيلان العرق، ووجع بالمفاصل والظهر وألم بالمعدة وتقيؤ وألم لا تطاق وهذا ما يسمى بـ(بالكريزم)، فالغدة الدرقية، لا تفرز لازدياد نسبة الكوكاكين.


التجار في قفص الاتهام
لكن ماذا عن التجار الذين يسحقون دماء أبنائنا وأموالهم، هل تعد العقوبة القانونية رادعه لهم، يقول يقول النقيب توفيق "ابو محمد"، لا توجد عقوبة حاسمة وذلك لعدم وجود معمل جنائي، فنفرض غرامة على الشخص، ولكن هذا لا يعني الإفراج فشهر أو اثنان أو ثلاثة ليست عقوبة، فهناك خلل في القضاء الفلسطيني.
كما تضيف الصويص أن السجن ليس الحل، وإنما الإسراع في محاربة هذه الظاهرة، وإيجاد مصحات نفسية والأهم من ذلك كله، معرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة، ومعالجتها.


دول العالم تجمع..لكن!
يقول الدكتور في الشريعة الإسلامية محمد شريدة قال تعالى( لا تقتلوا أنفسكم) فيما يتعلق بالمخدرات لم تتحدد العقوبة، ولكن أباح الإسلام للحاكم الصلاحية في التعزيز، وهو الوصول إلى القتل في الحكم، وهذا ما تتعامل به السعودية، وإيران بإيقاع عقوبة الإعدام لتجار ومتعاطي المخدرات، لما يترتب من أضرار كبيرة للمجتمع فدول العالم اجتمعت على محاربتها، ويرى لا بد من القسوة على الأفراد ليأمن المجتمع خيرا من أن يتساهل معه فيعود بالفساد، ويتابع دول العالم جميعها تجمع على مدى الضرر الذي تلحقه بالإفراد لكن ما زالت هذه الظاهرة متفشية وتزداد يوما بعد يوم.


مالعمل؟
نقف هنا لنقول أن الحد من هذه الظاهرة هو متطلب وطني، يتعين على المؤسسات جميعها أن تقف وقفة واحدة، وكذلك يجب على مؤسسات السلطة الفلسطينية القيام بدورها على أكمل وجه، كما أن كل فرد في هذا المجتمع له دور في هذا المجال، كل حسب إمكانياته، لأن أصلاح المجتمع مسؤولية الجميع، ولكن كل حسب دوره فمثلا جهاز مكافحة المخدرات يقع على كاهله الدور الأكبر في مكافحة هذه الآفة التي تتفشى بين الشباب، ونقول هنا أن هناك بعض الحوافز والدوافع التي يمكن أن نقدمها للمدمن كي يقلع عما هو مدمن عليه ومتورط به، منها أن نجعل وسائل الاعلام الفلسطينية تركز على مضار وخاطر المخدرات وتنالها، وكذلك فرض عقوبات صارمة على كل من يكتشف بأنه تناول أو قدم أي نوع من المخدرات إلى الخرين، القيام بتنظيم مسابقات تهدف إلى مكافحة المخدرات مثلا هيكل عظمي ويطلب التعليق عليه، واستخدام وسائل الترهيب والترغيب، توزيع النشرات وكذلك القيام بندوات سواء بالجامعات أو المدارس والمؤسسات، ويجب أن يتم تعامل المدمن كأنه شخص غير مرغوب به بين الآخرين.