أسامة العيسة من قلنديا: يجسد الحاجز العسكري الإسرائيلي بالقرب من بلدة ومخيم قلنديا شمال القدس, حجم المعاناة الفلسطينية على الحواجز العسكرية، وأصبح هذا الحاجز، الأشهر من بين عشرات الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية، لموقعه الاستراتيجي الذي يتيح له فصل القدس عن رام الله وشمال الضفة الغربية.
وبني الحاجز على الشارع الرئيس بين القدس ورام الله، المجاور لمطار القدس المعروف لدى الفلسطينيين باسم مطار قلنديا، ولا يثير موقع المطار أي اهتمام للذين يعانون من المرور عبر الحاجز، لأنه ببساطة لم يعد موجودا، فسلطات الاحتلال التي سيطرت على المطار بعد عام 1967، جعلت الجدار الفاصل يخترقه، ويصبح جزءا من الحاجز العسكري، وهذا الإجراء اعتبر بمثابة رصاصة الرحمة على ما كان يعرف بالمطار.


مطار وحيد
يعتبر مطار القدس الذي بني في موقعه الحالي في ضواحي مدينة القدس الشمالية، المطار الوحيد الذي كان في الضفة الغربية عندما كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.
وعلى ارض هذا المطار حط ضيوف فلسطين الكبار من سياسيين وفنانين وحجاج وسائحين، ومن مدرجه أقلعت الطائرات بالفلسطينيين إلى الخارج.
ولكنه لم يكن مطارا رئيسا ويأتي في المرتبة الثانية بعد مطار العاصمة عمان، وتنقل السياسيون وقادة الحكم بين الضفتين: الغربية والشرقية، من مطار عمان إلى مطار القدس وبالعكس.
وبعد انتصار إسرائيل في حزيران 1967، فيما عرف بحرب الأيام الستة، سقطت القدس بما فيها مطارها في قبضة الاحتلال الجديد، الذي لم يضيع وقتا وبدأ في تنفيذ خطة معدة مسبقة لتهويد المدينة المقدسة، وتحول المطار ومدرجه إلى معسكر للجيش، ثم استخدمته إسرائيل كمطار تجاري، ولأغراض عسكرية.
وبعد اتفاقات اوسلو وإعلان السلطة الفلسطينية، بقي المطار في حوزة الإسرائيليين، وتحولت مبانيه ألان إلى ركام، بينما يخترق الجدار الفاصل الأسمنتي أرضه ومدرجه، وتحيط به أبراج مراقبة يعتليها جنود الاحتلال لمراقبة المارين عبر الحاجز العسكري الذي أصبح المطار جزءا منه.


اكبر من حاجز
ويمكن أن تكون كلمة حاجز غير ملائمة لوصف ما أحدثته سلطات الاحتلال بعد عدة اشهر من انتفاضة الأقصى في هذه المنطقة لحصار القدس وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية المحتلة.
فسلطات الاحتلال استحدثت هذا الحاجز على الطريق المؤدي إلى رام الله من المدن الفلسطينية المختلفة, والذي تسير عليه السيارات من طرق التفافية بعد إغلاق طريق القدس, ليست فقط كما تبين جغرافية المنطقة لأسباب أمنية, بل أيضا لإحداث مزيد من الإذلال اليومي وجعل السفر بين المدن الفلسطينية رحلة محفوفة بالمخاطر وبالإذلال- كما يؤكد ليس فقط الفلسطينيون ولكن أيضا نشيطات إسرائيليات أسسن لجنة لمراقبة الحواجز.
وقالت إحداهن لمراسلنا "ليس هناك أية دواع أمنية لهذا الحاجز لأنه يسبقه حاجز رئيس أخر على مشارف القدس وعلى نفس الشارع، وهذه الحواجز أصلا لم تستطع توفير ألامن لنا".
وعلى جانبي الحاجز تنتشر السيارات بما يشبه مواقف كبيرة وعشوائية, لتنقل المواطنين إلى رام الله والمدن الفلسطينية المختلفة, وتحاول السلطة الفلسطينية التدخل لفرض نظام في المنطقة ولكن دون نجاح، وفي أثناء إعداد هذا التقرير، وصل إلى المنطقة مصطفى عيسى، محافظ رام الله، لهذه الغاية، ولكن الزحام والفوضى اكبر من قدرته ومسؤولياته.
ولكي يمر المواطن الفلسطيني من جانب إلى آخر عليه قطع رحلة إذلال وتفتيش قاسية, بينما ينتشر جنود الاحتلال على النتوءات الجبلية والصخرية المرتفعة حول الحاجز.
وبالإضافة إلى رحلة العذاب النفسي والمعنوي فان تكلفة السفر زادت عما كانت عليه بسبب اضطرار المسافر لاستخدام أكثر من مركبة للوصول إلى هدفه.
ويؤشر هذا الحاجز أيضا على المدى الذي قطعته سلطات الاحتلال, ضمن خطة مبرمجة على ما يعتقد, لتدمير قطاع المواصلات الفلسطيني والذي بدا ع الاحتلال وتلقى ضربة قاضية عام 1993 عندما تم عزل القدس كليا وبالتالي تم توجيه ضربات للشركات الوطنية التي كانت تنقل المسافرين بالحافلات من نابلس ورام الله والخليل وبيت لحم إلى القدس وبالعكس, ونتج عن ذلك إيقاف عشرات الحافلات وتشريد عشرات الموظفين وإغلاق بعض هذه الشركات التي تعمل على خطوطها لسنوات طويلة وكانت تشكل إلى حد بعيد مفخرة لقطاع المواصلات الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني على فلسطين.


عصافير وحجارة
وتلاحقت الضربات الموجعة بعد إغلاق مزيد من الطرق حتى الفرعية منها وفي هذه الأيام لا يعرف المسافر أو السائق أي الطرق التي سيتم سلوكها أو كما سيدفع الراكب زيادة على أجرة المواصلات العادية.
ورغم هذه الصورة المأساوية التي يعكسها حاجز قلنديا فان كثيرين من العاطلين عن العمل عمدوا إلى وضع بسطات في المنطقة للخضار والملابس الشعبية وألعاب الأطفال وحتى أقراص الحاسوب التي تباع بأسعار زهيدة للغاية، ومن المفارقات أن بعض الجنود الإسرائيليين يشترون من أصحاب هذه البسطات لرخص ثمن البضائع عن مثيلتها لديهم.
وينتشر أيضا صبية يبيعون عصافير وطيور، مسجونة في أقفاص، تلفت انتباه المارين، ويقفون لالتقاء الأنفاس ورؤيتها وأحيانا ابتياعها.
ويترافق مع هذا النشاط التجاري البسيط الذي يسميه الفلسطينيون تحديا لإجراءات الاحتلال تحدي أخر أكثر بروزا ويتمثل بما يفعله أولاد مخيم قلنديا، الذين طرد أجدادهم من بلدات وقرى عام 1948 وأصبحت ألان جزءا من دولة إسرائيل، ويمكن رؤية هؤلاء الأولاد، بين الوقت والأخر يتجمعون لرشق جنود الاحتلال بالحجارة من مسافات جد قريبة وتجعل الجنود الإسرائيليين المدججين بالأسلحة والذين يئنون من ثقلها يطاردون الأولاد الذين لا يعرف أحد أين يختبئون ليظهروا من جديد في معركة كر وفر مع الجنود.
ويعمد جنود الاحتلال في حالات عديدة إلى نوع من العقاب الجماعي فيطلقون القنابل الغازية المدمعة على حشود المواطنين الكثيفة مما يؤدي في الغالب إلى إصابة العشرات اختناقات في الغاز وتدافع وفوضى كبيرة.
والغريب أن الوضع يعود إلى ما هو عليه بعد فترة قصيرة، وبحيث يمكن سماع العصافير وهي تغرد، دون معرفة إن كان تغريدها حزنا أو فرحا.