سمية درويش من غزة: مع ان موضوعات العمالة والبطالة والتشغيل، المحرك الأساسي للتقدم والمقياس الحقيقي لنتائج أي تطور اقتصادي في العالم، تعتبر البطالة من اكبر المشاكل التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة حيث حول الاحتلال الإسرائيلي،العمالة الفلسطينية من مصدر قوة وإنتاج للاقتصاد الفلسطيني إلي رهينة لديه،يستخدمها باستمرار لابتزاز الموقف الفلسطيني وتوجيهه بما يخدم الإستراتجية الإسرائيلية.
وكان الاقتصاد الفلسطيني قد ضربه الشلل والتدهور جراء إحكام سلطات الاحتلال الإسرائيلي من إغلاقها لمعابر القطاع منذ اندلاع انتفاضة الأقصى الحالية في نهاية أيلول "سبتمبر" العام 2000م،خشية من تسلل فدائيين فلسطينيين لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية داخل الدولة العبرية.
وهناك نوعان من القوى العاملة على حد تعبير المركز الفلسطيني، عمالة تامة أي العمل بمعدل 35 ساعة أو أكثر في الأسبوع بمعنى العمل تحت ظروف اعتيادية وطبيعية، وعمالة جزئية أو ناقصة العمل بعدد ساعات أقل من الوضع الاعتيادي تعمل في المتوسط 64% من أيام العمل.
وتزداد أهمية تلك الموضوعات في الاقتصاد الفلسطيني لأسباب معروفة تتعلق بالظروف التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي أساسا، والتي حولت المجتمع الفلسطيني إلي منتج للأيدي العاملة بشكل رئيسي مع ما يستلزم ذلك من إنتاج اقتصادي محلي هامشي وفق متطلبات الاقتصاد الإسرائيلي.
وكانت وزارة العمل الفلسطينية قد اعتمدت عدة اقتراحات وتوصيات يمكن بواسطتها حل مشكلة البطالة ولو بشكل جزئي من خلال دعم و تفعيل سوق العمل الفلسطيني وذلك بالاعتماد على الذات،وإنشاء صندوق وطني للتنمية والتشغيل لإقامة المشاريع الصغيرة وتطور المنشآت إضافة الي استغلال كل الإمكانيات و الموارد البشرية المتاحة لإصلاح هياكل البنية التحتية.


إهدار المال العام
وأكدت عدة توصيات لخبراء اقتصاديين مؤخرا، ضرورة التقنين الحكومي في المصروفات، وعدم إهدار المال العام وإصدار قرارات ملزمة من قبل السلطة لكل الجهات الحكومية والأهلية باستخدام المنتج المحلي بدلا من المستورد لدعم المنتجين وذلك ليتمكنوا من استيعاب أيدي عاملة متعطلة،والعمل مع عدم ازدواج الوظائف في الحكومة و في المؤسسات الأهلية.
وقد حذرت مؤسسات فلسطينية عدة من تدهور وانهيار الوضع الاقتصادي في قطاع غزة إذ تجاوزت نسبة البطالة 70%، وذلك تزامنا مع تهديد مئات المصانع بالإغلاق لعدم وجود البدائل لتشغيل الأيدي العاملة.


معبر الموت
وأدى إغلاق المنطقة الصناعية معبر الموت "أيرز" شمال القطاع،إلى فقدان 4500 عامل لوظائفهم كانوا يعملون في 80 مصنعا، ومع تطبيق إسرائيل للفصل التجاري فان مئات المصانع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة أصبحت مهددة بالإغلاق.


إغلاق المعابر
وتؤدي سياسة إغلاق المعابر التي تمارسها إسرائيل إلى تقييد حرية تنقل الأشخاص كما أدت إلى تعطيل الحركة التجارية الفلسطينية سواء بين المدن أو مع العالم الخارجي.
وقال عمر شعبان الخبير الاقتصادي لـ"إيلاف"،أن الخسائر التجارية اليومية تقدر بحوالي 700 ألف دولار كما تأثرت الواردات بصورة أكثر سلبية جراء سياسة الحصار والإغلاق الإسرائيلي الذي أدى إلى فقدان الخزينة الفلسطينية الدخل الناتج عن الجمارك والضرائب وخاصة ضريبة القيمة المضافة التي تحصل عليها السلطة الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي والمقدرة بحوالي 700 مليون دولار مما راكم العجز في الموازنة،كما قدر الخسائر في قطاع النقل والمواصلات الذي أصيب بالشلل التام بحوالي 346 مليون دولار.


خسائر الاقتصاد
وأوضح تقرير اقتصادي نشره المركز الصحفي الدولي أن خسائر الاقتصاد الفلسطيني المباشرة وغير المباشرة خلال الفترة من 29/سبتمبر/2000 ولغاية 31/يوليو/2004 نتيجة الحصار وإغلاق المعابر والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني تقدر بأكثر من خمسة عشر مليار وأربع مائة وواحد وثمانون مليون وتسع مائة وخمس وستون ألف دولار.


أشكال المعاناة
وتتعدد أشكال المعاناة التي كان يعيشها يوميا مئات العمال الفلسطينيين على معبر بيت حانون "ايرز" حيث تنكيل جنود الاحتلال الإسرائيلي بالعمال الذين يتعرضون للإهانة وإساءة المعاملة والتفتيش الدقيق والإذلال والشتم.
وقال العامل سميح الصرفندي 46عاما عن رحلة ذهابه السابقة إلى عمله داخل الخط الأخضر عبر معبر بيت حانون مع بداية كل صباح،"ما نتعرض له يوميا على المعبر لا يستطيع أن يتحمله بشر أو حتى حيوان، حياتنا جحيم، والضرب والإذلال والتفتيش أصبح معتادا.
وأضاف الصرفندي في حديثه لـ"إيلاف" ان لقمة العيش التي نشقى ونتعب من اجلها صارت مغمسة بالذل والإهانة بسبب ما يمارسه جنود الاحتلال علينا أثناء ذهابنا إلى العمل مع بداية كل صباح".
وتعتمد قوات الاحتلال سياسة إغلاق معبر المنطار المنفذ التجاري الوحيد الرابط بين قطاع غزة والضفة الغربية وأراضى الخط الأخضر وتمنع في أغلب الأحيان البضائع والسلع الفلسطينية من التصدير الى محافظات الشمال في الوقت الذى تسمح به للمنتجات الإسرائيلية بالدخول الى قطاع غزة.

شلل قطاعات العمل
وفي السياق نفسه قال سليم أبو صفية مدير عام أمن المعابر أن إغلاق المعابر والحصار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أدى الى الشلل شبه التام في مختلف قطاعات العمل، وقد دفع الحصار والإغلاق الإسرائيلي قرابة 366 ألف عامل الى البطالة منهم 120 ألف عامل كانوا يعملون في إسرائيل قبل 29/سبتمبر/2000، وقد وصل حجم الخسائر للعمال داخل إسرائيل 3.250 مليون دولار يوميا،وقدرت خسائر العمال المحليين اليومية بحوالي 3 ملايين دولار وتقدر الخسائر الإجمالية للعمالة داخل الخط الأخضر خلال العامين الماضيين بحوالي 1760 مليون دولار.


مصادرة التصاريح
وفي أحيان كثيرة كانت تقوم قوات الاحتلال المتمركزة علي نقاط التفتيش بمصادرة تصاريح العمل من العمال الفلسطينيين دون اي مبرر يذكر، إضافة الي كلابهم المدربة والتي تجري تفتيشات خاصة من خلال فتح المظاريف والحقائب وتشتم طعام العمال الفلسطينيين الذين يضطرون في أحيانا كثيرة الي إلقاءه بحاويات القمامة.
ويقول العامل الصرفندي وعلامات التعب والارهاق بادية على وجهه ما باليد حيلة، لقمة العيش كانت تجبرنا على سلوك هذا الحاجز فالبديل أسوا، وهو ما يحدث حاليا من جلوس في البيوت دون مصدر دخل.

إسقاط امني
ولا تقتصر معاناة العمال الفلسطينيون داخل إسرائيل علي الذل او الأذى النفسي الذي يتعرضون له من قبل جنود الاحتلال عند حاجز التفتيش بل امتدت معاناتهم لتشمل محاولات إسقاط أمنية من خلال مساومتهم علي منحهم تصريح العمل الي داخل الخط الأخضر مقابل تعاون امني مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "الشين بيت"، وتؤكد دراسة أمنية فلسطينية أعدها جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني مؤخرا بان الاحتلال الإسرائيلي استطاع استثمار الوضع الاقتصادي المأساوي الفلسطيني لربط العديد من المواطنين بأجهزته الاستخبارية مقابل منحهم تصاريح عمل او توفير فرص للعمل داخل إسرائيل وان اجتثاث هذه الظاهرة بشكل كامل وسريع سيكون شاقا علي الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع استمرار سيطرة إسرائيل علي المعابر والطرقات ودوام ابتزاز المواطنين الفلسطينيين عبر منحهم تسهيلات معينة نظير قيامهم بإعطاء معلومات عن بعض المناضلين الفلسطينيين.