بعد العزلة التي عاشتها ليبيا , وجهل الكثيرين عن المعالم التاريخية في هذا البلد شاسع المساحة وما به من المواقع السياحية والأثرية المنتشرة في معظم أراضيه وتنوع هذه الآثار التي تحاكي تاريخ الحضارات الإنسانية التي مرت بها ليبيا من الحضارة الرومانية والإغريقية والفينيقية والجرمنتية وحضارة السكان المحليين والآثار الإسلامية بالإضافة إلي حضارة ما قبل التاريخ فليبيا تمتلك جانبا مهما لتأريخ هذه المرحلة الإنسانية, ساعد في ذلك مساحتها الشاسعة التي حوت كل هذا التنوع الأثري من مدن أثرية كاملة مثل لبدة وصبراتة وشحات ومازالت هذه المدن شاهدة لما مرت به ليبيا على الرغم من الدمار الذي أصاب اثارها نتيجة للإهمال ولتعرضها للسرقة وتهريب بعض من محتوياتها إلي الخارج ويعود ذلك لسببين هما عدم الوعي الكافي عند عامة الناس بأهمية مثل هذه المدن وكيفية الاستفادة منها كمصدر للدخل والثاني عدم وجود خطة سياحية شاملة ويعود ذلك للاعتماد الكلي على النفط كمصدر للدخل, ولعدم أهلية الليبيين للعمل في المجال السياحي فالليبيين إلي وقت قريب يتحرجون من أداء بعض الأعمال الخدمية مثل العمل في المقاهي والفنادق أو تقاضي أجر مقابل إيواء وما شابه ذلك وكان حتى أنهم يقدمون الخدمات إلي السياح مجاناً ودون اجر أو مقابل و قد يدفعون للسائح بعض من مصاريف الرحلة كمصاريف الإقامة والنقل وغيرها ويسعدون بذلك فهم يعاملون السائح كضيف حل بمرابعهم ونزل ديارهم , إلا أن هذه العادات بدأت بالتلاشي في الفترة الأخيرة وبدأ العمل للتأسيس لصناعة سياحية وفق سياسة عامة أقرتها المؤتمرات الشعبية (السلطة التشريعية في ليبيا حسب النظام الجماهيري) بأعداد الدراسات التي من شأنها العمل على تفعيل القطاع السياحي والخدمي داخل ليبيا والتعريف بكافة المناطق التاريخية والأثرية ودعم مشروع السياحة الصحراوية من خلال إقامة المهرجانات السياحية في أهم المناطق التي تمتلك هذه المقومات مثل مدينة"هـون " التي تعد بوابة للسياحة الصحراوية وذالك لوجودها في وسط ليبيا ولتنوع التضاريس الجغرافية المحيطة , وتم اكتشاف العديد من الرسومات الصخرية التي تعود إلي حضارات إنسان ما قبل التاريخ والتي تمتد جذورها إلي ألاف السنين ومازال الكثير منها لم يستكشف ولم تجري عليه الدراسات بشكل علمي علاوة على ارثها الفني الزاخر بالعديد من الألوان الفنية التي تحاكي تعايش هذا الإنسان مع البيئة الصحراوية القاسية التي يعيش فيها وكأنه يرفض الاعتراف بها وجعل لنفسه عالم من الفرح فقد كان له في كل موسم فرح ولكل مناسبة بهجتها , فقد تم توظيف كل هذا التنوع وإبرازه في أجواء احتفالية في مهرجان الخريف السياحي بهون الذي أقيم بشكل أهلي ويقام لمدة ثلاثة أيام ابتداء من أول يوم جمعة من شهر أكتوبر من كل عام حيث تقدم في هذا المهرجان اللوحات الفنية الرائعة لموروث هذه المدينة وليست هون فقط تملك هذا بل معظم مناطق ليبيا لها فنونها مثل "غدامس وغات" اللتان تميزتا بالفنون التارقية في الرقص والموسيقي ولهذا حديث آخر لا يقل روعة عن ما يقدم في "هون ".

"غات "التي تقع على بعد ألف ومائتين كيلومتر جنوب غرب طرابلس على الحدود الليبية الجزائرية هذه المدينة تحتضن احد أروع وأقدم المهرجانات السياحية في ليبيا حيث أن مهرجان غات سبق مهرجاني "هون وغدا مس" بسنتين فكانت الدورة الحادية عشر ويحضر هذا المهرجان ألاف السياح الأجانب والمحليين ولوجود جبال "أكاكوس" وما تحويه من أثار ويوجد بها قوس يعد من اكبر الأقواس الطبيعية في العالم وكذلك "كاف الجنون" الجبل الذي يروي عنه سكان غات القصص الغريبة وعن سكانه من الجان والأصوات التي تسمع فيه وفي ذلك أساطير كثيرة , وكذلك وجود المناطق الرملية بألوان متنوعة وبالإمكان زيارة البحيرات الواقعة في وادي الحياة بالقرب من مدينة" اوباري" ومن أهمها بحيرة "قبر عون" فهي الأكبر والغريب في هذه البحيرة التي يصعب تحديد قرارها فهي بحيرة تقع بين كثبان رملية عالية ولا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة السيارات رباعية الدفع فلا توجد وسيلة للوصول سواها إلا الجِمال وتكون محظوظا إن حظيت بامتطاء ذروة ألمهري حينها تحس بذاك الذي اكسب أهل الصحراء الشموخ والأنفة , ولهذه البحيرات أسرارها فمياهها مالحة جدا فهذا من حظ من لا يستطيع العوم فليس من السهل الغرق في هذه البحيرة وإذا حفرت في الرمال على بعد عشرون سنتمتر من البحيرة بعمق لا يتعدى الثلاثين سنتمتر فأنك ستحصل على ماء عذب زلال صالح للشرب كل هذا التنوع في مساحة لا تتعدى بضع الكيلومترات من الجنوب الليبي.

وكان للبروفسور "فابريزو موري" الايطالي وسواه من الرحالة والبحاث الاروبين الذين توافدوا على الجنوب الليبي فضلاً كبيرا في اكتشاف بعض الأثرية ودراستها ووضح ذلك جلياً في مدينة جرمه القديمة ومازال السكان في هذه المناطق يذكرونهم فقد عاشوا بينهم لفترة طويلة ومن أبرزهم الرحالة الألماني "ارفن فون باري" والذي أقام في مدينة غات من عام 1846 إلي 1877 فتخلق بأخلاق اهل الصحراء ودان بدينهم وقد اعتنق الاسلام وبالغ في العبادة وأداء صلاة الجماعة في المسجد حتى لا يشك احد في إسلامه فتقتله "الطوارق" لان "الطوارق" (من اعرق القبائل التي تسكن الصحراء الكبرى) في ذلك الوقت يعتبرون كل من لا ينطق بالشهادتين فهو كافر ويحق قتله وهدر دمه توفي" فون باري"في 2/10/1877 ودفن في غات التي عشقها كثيرا وكتب عنها الكثير فقد أن يرسل مذكراته أليوميه كل سنة إلي ألمانيا لتنشر في الصحف فما كان من تراب غات ألا احتضانه ونشر الدفء في جثمانه وكان لقبره كل الاحترام من أهل غات.

مهما تحدثنا عن الصحراء وروعتها لن تستطيع الإحساس بالصباح فيها ولا بلحظات الغروب ففي الصحراء فقط تشعر باليوم لا يزيف لك عمرك ولا يسرقك ساعات الصفاء التي تعيشها ترى الشمس فيها تداعب الأفق المشتاق لاحتضانها في ليلة هادئة حينها فقط يكون للنجم والقمر جرأته على الهمس للصمت بأن يحترم وحدتك ويرسم لك طيفا آخر يناجي الوجد فيك وتحس بضآلتك أمام هذا الرحب فتشفق عليك نجمة وتنزل لتأخذك إلي حلم لن تستيقظ منه إلا وشمس الصباح تنشر الدفء بين أضلعك فتتصاعد وتيرة النبض وكأنك تحتضن معشوقتك وترتطم أمواج الرغبة على صخرة الأماني كأمواج المتوسط المرتطمة على مواني الذاكرة في" صبراتة" و" لبدة " التي تقع على بعد ثلاثة كيلو مترات من مدينة الخمس على الساحل الليبي عند مصب وادي لبدة وتبعد عن طرابلس 122 كيلومتر إلي الشرق, "لبتس مجنا" كما تسمى باللاتيني أو لبدة الكبرى لتميزها عن مدينة لبدة التي تقع بجوار مدينة سوسة في تونس وما زالت لبدة الكبرى قائمة كما هي بشوارعها ومسابحها ومسارحها المزدانة بالتماثيل والأعمدة الرخامية كما هو الحال في مدينة" صبراتة" الأثرية والتي تقع إلي الغرب من طرابلس بحوالي 100 كيلومتر وكذلك "قورينا" والتي أسسها المهاجرين اليونانيين القدامى وكل هذه المدن يمكن للزائر أن يراها إذ ما قصد أماكنها, وما لا تجده في عين المكان تجده في المتاحف التي تزخر بالعديد العديد من الآثار والتماثيل والرموز الدينية , الناس في هذا البلد مضيافين بطبيعتهم ويرحبون بالزائر ويقدمون له كل التسهيلات منذ تطأ قدماه ارض بلادهم على الرغم من الملامح القاسية التي ترتسم على معظم الوجوه التي تراها إلا أن هذه القسوة تتلاشى وراء ابتسامة الترحاب التي يستقبلونك بها وتستطيع الولوج إلي قلوبهم بكل أريحية ما دمت ضيفهم.