مدير المتحف الحربي بصنعاء لـ"إيلاف": مهووس أتلف تمثالاً اثرياً في المتحف نيابة عن الله

محمد الخامري من صنعاء : أكد مدير المتحف الحربي بصنعاء في لقاء خاص بـ"إيلاف" أن هناك أمية ثقافية مطبقة في المجتمع اليمني، مشيرا الى انه تعرض للعديد من المواقف من بعض المهووسين الذين يأتون إليه وينصحونه بإزالة التماثيل الأثرية وتكسيرها بحجة أنها حرام.
وأضاف المقدم ركن شرف غالب لقمان أن احد الذين اسماهم بالمهووسين تهجم على فاترينة زجاجية كانت أمام بوابة المتحف وكسرها وكسر التمثال الأثري المعروض بداخلها بحجة أن الله أمره بذلك كما قال أثناء التحقيق معه.
وقال المقدم لقمان أن المتحف استقبل في عام 2004م المنصرم 221ألف و412 زائر من المواطنين اليمنيين والسياح العرب والأجانب، حيث استقبل 219 ألف و272 زائر يمني و 2140 زائر عربي وأجنبي من مختلف الجنسيات.
وحول التعريف بالمتحف قال المقدم ركن شرف غالب لقمان ان بناءه يعود إلى العام 1902م حسب ما تحكيه اللوحة المثبتة على البوابة الرئيسية للمتحف ( البوابة الشمالية) والمكتوبة باللغة العثمانية والأحرف العربية وذلك في عهد السلطان عبد الحميد خان الثاني، أي أكثر من 100 سنة وهو تحفة أثرية فريدة في فن البناء العثماني، حيث بنته الدولة العثمانية ليكون مدرسة للصنائع أي لتعليم المهن الصناعية (حسب ما تحكيه اللوحة الأثرية)، وعندما تولى الإمام يحي حميد الدين الحكم في اليمن عام 1918م حولها إلى سجن عرف بسجن الصنائع، وفي العام 1940 حتى العام 1943م كان مقرا للبعثة العسكرية العراقية التي جاءت تدرس في أول مدرسة حربية في اليمن، وفي العام 1943 وحتى العام 1965م أي بعد الثورة اليمنية التي قامت في 26 أيلول (سبتمبر) 1962م أصبح دارا للضيافة، ومن العام 1965م وحتى العام 1984م أصبح مقرا لوزارة الداخلية والأمن العام، وفي 30 أيلول (سبتمبر) من العام 1984م تحول هذا المبنى بقرار جمهوري أصدره الريس علي عبد الله صالح إلى متحف حربي يتم فيه حفظ جميع الآثار والتحف العسكرية الحربية اليمنية منذ الحقب القديمة وحتى ما قبل الميلاد.

10 قاعات أثرية
* كم قاعات المتحف وما هي أهم المعروضات فيها ؟
- يحتوي المتحف على 10 قاعات مرتبة حسب التسلسل الزمني للاحداث والتواريخ حيث تحتوي القاعة الأولى على بعض المقتنيات الخاصة بالحقبة القديمة التي تتحدث عن الحضارات اليمنية مثل سبأ ومعين وحمير والعصور الحجرية وبقايا ما كان يستخدمه الإنسان الحجري من رؤوس السهام والنبال الحجرية وغيرها، إضافة إلى عدد من التماثيل القديمة والأواني الفخارية والسيوف البرونزية المصنوعة في عهد الدولة المعينية (دولة معين) في منطقة الجوف شمال صنعاء، وبعض النقوش التي كتبت بالخط المسند في اللغة اليمنية القديمة والمكوّن من 29 حرفا مسنديا.
ثم القاعة الثانية التي تحتوي على الجناح الإسلامي، بعد دخول الدين الإسلامي لليمن ومشاركة اليمنيين في الفتوحات الإسلامية، ونماذج من بعض الرسائل التي كان يرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم للرؤساء والملوك ومجموعة من المخطوطات الإسلامية وأوقاف إسلامية كالدنانير الذهبية التي ضربت بعضها في مدينة صنعاء والتي تعود إلى الدولة الإسلامية في اليمن.
أما القاعة الثالثة فتؤرخ لحقبة التدخلات الأجنبية في اليمن كالتدخل العثماني الذي حكم اليمن منذ العام 1538 -1635م، ثم 1872 – 1918م ويعرض هنا العديد من شواهد قبور العثمانيين وبعض الأسلحة التي تركوها عند مغادرتهم اليمن.
ثم القاعة الرابعة التي تتحدث عن بداية حكم الإمام يحي حميد الدين بعد الدولة العثمانية عام 1918م والتي استمرت إلى مقتله في عام 1948م وهنا أيضا بعض الشواهد والصور والوثائق القديمة التي تتحدث عن دوره في حكم اليمن وبعض الوثائق التي تتحدث عن إرسال بعض الدفع العسكرية للدراسة في الخارج منها دفعتين للدراسة في العراق الأولى عام 1936م والثانية عام 1937م، ومراحل تأسيس المدرسة الحربية في اليمن عام 1940م، إضافة إلى صور فوتوغرافية عن مبنى المدرسة الحربية ثم عدد من الوثائق عن حركة الأحرار التي كانوا آنذاك معارضين للإمام يحي وبعض الصور الخاصة بهم عام 1944م مثل الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ احمد محمد النعمان وعبد الوهاب الوريث وغيرهم من الأحرار الذين اعدموا بعد ذلك على يد ابنه الإمام احمد حميد الدين إلى ان انتهت هذا الفترة بمقتل الإمام يحي حميد الدين بمنطقة سواد حزيز جنوب صنعاء عام 1948م.
القاعة الخامسة وهي عبارة عن جناح خاص بالمساعدات المصرية لليمن في أول الثورة والذي تُعرض فيه العديد من الآثار والرسائل والبدل العسكرية المصرية والعديد من الصور الفردية والجماعية للقيادات العسكرية المصرية في اليمن وللجيش المصري الذي حارب جنبا إلى جنب في سبيل تثبيت دعائم الجمهورية ودحر الملكيين وصدهم، إضافة إلى صور الشهداء المصريين الذين قتلوا في اليمن.
وهناك قاعة جديدة عن ثورة 14 تشرين الأول (أكتوبر) 1963م التي قامت ضد الاستعمار البريطاني الذي كان محتلا للشطر الجنوبي من اليمن، وهي في طور الإنشاء بالتعاون مع المتحف العسكري في محافظة عدن.
القاعة السابعة وهي خاصة بحصار السبعين يوم عام 1967م والتي نشأت بسبب انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد نكبة حزيران 1967م حيث اعتقدت القوى الملكية أنها فرصة لهم للانقضاض على الجمهورية وفعلا تم تجميع فلولهم وتطويق العاصمة صنعاء لمدة 70 يوما كانت عصيبة على الجمهورية وما عرف بعد ذلك بملحمة السبعين يوم التي ذهب ضحيتها العديد من رجالات الثورة والمناضلين.
أما القاعة الثامنة فهي خاصة بالوحدة اليمنية تشتمل على جميع الوثائق المتعلقة بالوحدة منذ قيام الثورة عام 1962م إلى قيام الوحدة عام 1990 وموثقة جميعها بالاتفاقيات والصور الفوتوغرافية وغيرها، إضافة إلى بعض الصور التي تحمل عدة دلالات على التشطير البغيض، وهناك برميل الشريجة دار سعد الذي كان يفصل اليمن الشمالي عن الجنوبي سابقا (موضح بالصورة).
ثم قاعة خاصة بحرب الانفصال عام 1994م والذي تحتوي على جميع الوثائق بالصوت والصورة والوثائق والرسائل التي تم تبادلها قبل الحرب ورسائل اللجان والوساطات وغيرها، ثم بقية القاعات التي هي عبارة عن تطور القوات المسلحة منذ قيام الثورة والى اليوم بقواتها الثلاث البحرية والبرية والجوية.

* هل لكم قطع عسكرية خارج اليمن.
- نعم نحن مشاركون في المتحف اليمني المتجول الذي يجوب العالم فهناك مجموعة من القطع العسكرية الأثرية التي تصل تقريبا الى 20 قطعة أثرية، وهناك العديد من التحف والقطع الأثرية التي هربت من اليمن نتيجة للجهل المطبق عند العامة الذين لا يقدرون ثمن وقيمة هذه القطع الأثرية فيقومون ببيعها او تهريبها إلى الخارج، كما ان هناك مطالبات عدة من قبل الهيئة العام للآثار والمتاحف والمخطوطات بالآثار اليمنية المهربة والموجودة في بعض المتاحف الخارجية.

التماثيل حرام !
* هل هناك مضايقات او مشاكل تتعرضون لها في المتحف من قبل الزوار؟
- لا نعاني من زوار المتحف، وإنما نعاني في اليمن بشكل عام من الأمية الكبيرة في أوساط الشعب، وهناك العديد من التحف والآثار التي تصل إلينا وقد كسرت وفصل رأسها عن بقية جسدها كالتماثيل بحجة أنها حرام شرعا، وهناك العديد من المواطنين الذين ينظرون إلى هذه التماثيل على إنها مجسمات ويجب إزالتها وتكسيرها تقربا لله جل وعلا، وأنا عرضت فيما سبق احد التماثيل على فاترينة زجاجية أمام بوابة المتحف كنوع من التغيير وتزيين المدخل فجاء احد المهووسين وكسر الفاترينة وانقض على التمثال يكسره، وعندما القينا القبض عليه واستجوبناه لماذا فعل هذا قال الله امرني بذلك!!، وقد تعبنا كثيرا في عرض بعض التماثيل الموجودة في المتحف (موضحة في الصورة).
وأضاف مدير المتحف الحربي انه التقى بالعديد من الناس الذين جاؤو إلى مكتبه لمناقشته حول قضية الأصنام وحاولوا إقناعه بأنها حرام وانه يجب إزالتها وتكسيرها.

بريطاني عاشق صنعاء
- وجدناه يتجول في المتحف وعرفنا بنفسه على انه مدرس في المجلس البريطاني، ومؤرخ وباحث، إضافة إلى ذلك فهو المسؤول الثقافي في جمعية الصداقة اليمنية البريطانية – وأنا دائما أقول أني مؤلف بريطاني ساكن في صنعاء.
انه تيم ماكنتوش سميث (باحث ومؤلف بريطاني له أكثر من 20 عاما في صنعاء) وجدناه يتجول في المتحف ويشرح لمجموعة من السواح عن مقتنيات المتحف كما انه يجيد اللهجة الصنعائية (نسبة إلى صنعاء) بشكل كبير ويتحدثها بطلاقة وكأنه من أهل صنعاء القديمة، التقينا به وقال انه ألف العديد من الكتب في التراث الصنعاني الغنائي والأدبي والفني والتراثي، إضافة إلى ترجمته للعديد من الكتب الإنجليزية التي تتحدث عن اليمن، يقول ماكنتوش انه يحب اليمن كثيرا ويعشق صنعاء على وجه الخصوص ويزجي شكره لوزير الداخلية الذي منحه إقامة استثنائية سارية وغير محددة.
وأضاف الباحث الإنجليزي انه زار العديد من الدول التي احتلتها الدولة العثمانية إضافة إلى زيارته للأناضول واسطنبول وبعض المدن التركية فوجد أنها مبنية على طراز واحد تشبه إلى حد كبير مبنى المتحف الحربي.
وقال ماكنتوش أن أول كتبه عن اليمن الاجتماعي والفلكلور اليمني الذي أسميته ( رحلة المتيم المهووس في بلاد القاموس) يقصد القاموس المحيط الذي ألفه الفيروز بادي اليمني الزبيدي، وهو عبارة عن متحف كامل ومتنوع في شتى الفنون ويعتبر من أدب الرحلات حيث بدأت برحلة في صعده وتحدثت عن كل شئ وأنا سائر إلى مدينة تعز حيث بينت كل شئ جغرافيا وتاريخا، حاولت أن أوضح فكرة وحدة التاريخ اليمني القديم والحديث.
كما كتبت العديد من المقالات والأبحاث في العديد من الصحف الإنجليزية عن اليمن وتاريخها وفنونها وفلكلوراتها الشعبية المختلفة، وجزيرة سقطرى.


سيارة الإمام يحي
التقينا بمدير إدارة العلاقات بالمتحف عبد الملك المطري وشرح لنا عن سيارة الإمام يحي التي من نوع فورد والتي قال أنها صنعت في كندا في الأربعينيات، وهي السيارة التي قتل فيها الإمام يحي حميد الدين بمنطقة سواد حزيز (جنوب العاصمة صنعاء) في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1948م وهي الحادثة التي كانت أول الأعمال الجادة للإطاحة بالنظام الامامي السابق والتي تعرف بثورة 48.
لكن هناك خطأ فادحاً ارتكب في حق هذه السيارة الأثرية التي كانت تُقل أول إمام بعد انسحاب الدولة العثمانية من اليمن (والحديث للمحرر)، لقد أخضعت السيارة لعملية ترميم أزالت كل الأشياء الثمينة الطبيعية التي كانت لها العديد من الدلالات والمعاني التاريخية، حيث أزيلت معظم الآثار الحية التي تحكي قصة الشيخ القردعي ووثوبه على الإمام وثبة أسد هصور، لقد استبدل الزجاج المكسور بآخر جديد، وكسيت المقاعد بغير لونها الأصلي، وأضيفت داخلها مصابيح ما كانت موجودة في السابق، وتم تلميعها بمادة أخرى غير الصبغة الأصلية للسيارة.