سها جادو من القاهرة: بيدين سمراوين نحيلتين يلف عم أحمد الضوي عجينة من طمي النيل على دولاب الفخار لتخرج من بين يديه مزهريات وأوان خزفية مستوحاة من التراث الاسلامي.

يعمل الضوي (50 عاما) منذ كان عمره 12 عاما في فواخير (ورش انتاج الخزف) الفسطاط بجنوب القاهرة وهي المنطقة المشهورة بانتاج الخزف والفخار منذ ما قبل الفتح الاسلامي لمصر سنة 641 ميلادية.

قال الضوي "اختارني شيخ الخزافين سعيد الصدر للعمل معه من أكثر من 35 عاما ومن ساعتها لم أفارق مركز الفسطاط للخزف منذ ان كان لا يضم سوى حجرتين فقط وحتى تشييد هذا المبنى الضخم."

قامت وزارة الثقافة المصرية بتطوير الاتيليه الصغير الذي أسسه الفنان الراحل الصدر عام 1958 الى مركز الخزف الذي افتتح عام 2001 بهدف تشجيع مهنة الخزف بدعم صغار الفنانين وعقد ورش عمل ومؤتمرات متخصصة.

قال الخزاف علي ابراهيم علي مدير المركز "الهدف الرئيسي للمركز هو الحفاظ على الحرفة من الاندثار وتدريب جيل جديد من الخزافين والفخرانية... لذلك نستضيف خمس ورش عمل سنويا وبرنامح التدريب التحويلي للراغبين في اكتساب حرفة والعمل بها بعيدا عن مجال تخصصهم الاصلي."

وأضاف "سنستضيف الشهر المقبل المهرجان العربي الافريقي للحرف التقليدية."

ويعقد المهرجان الذي يستمر عشرة ايام تحت رعاية جامعة الدول العربية ووزارة الثقافة ومعهد العالم العربي بباريس وستعرض فيه أعمال فنية تقليدية من عشر دول عربية وافريقية.

ويقع المركز على مساحة 2400 متر مربع في منطقة تضم بعض أهم الاثار المصرية مثل الكنيسة المعلقة وجامع عمرو بن العاص أول مسجد بني في مصر كما تبدو في الافق من حوله كنيسة ابو سرجة وكنيسة الست بربارة ومعبد يهودي.

ويتناسب بناء المركز مع الطابع التاريخي والمعماري للمنطقة من حيث التناغم مع خط السماء الذي يزخر بالعديد من قباب المساجد وأبراج الكنائس وغيرها من المباني التاريخية.

يقول المعماري جمال عامر الذي صمم المبنى "تم بناء المبنى بالكامل دون استخدام الخرسانة واستعنا بالمواد الخام المحلية صديقة البيئة مثل الخشب والحجر والطوب الاحمر الطفلي مع توظيف العناصر المعمارية الاصيلة كالقباب والقبوات المتقاطعة والجدران الحاملة.

"حتى في الاضاءة استخدمنا الضوء الطبيعي بطريقة غير مباشرة نهارا عن طريق الفتحات والكوات الموجهة حسب حركة الشمس والتي تسقط على العمل الفني من خلال الحوائط المزدوجة."

ويضم المركز فضلا عن ورش الخزف متحفا لاعمال فناني الخزف في مصر ومنهم "ساحر الاواني" نبيل درويش وميرفت السويفي. كما يضم أيضا قاعة للندوات والعروض ومراسم وأماكن لاقامة الفنانين الزائرين.

ولا تزيد المساحة التي تشغلها الورش الانتاجية التي روعي فيها ألا تسبب أي اضرار بيئية على 800 متر مربع من مساحة المركز. وتحيط بالمباني مساحات خضراء وحديقة متحفية تضم مجموعة من الاشجار النادرة والمعمرة والنخيل.

ويجري حاليا العمل في مبنى ملحق ليضم عددا اخر من الحرف التقليدية مثل اعمال الصدف والنحاس والفضة والزجاج المعشق بالجبس والخيامية واشغال الخرط العربي (الارابيسك).

ويعمل بالمركز عشرة فنانين وعشرة حرفيين وينتج نحو 175 قطعة كل ثلاثة أشهر بعضها يباع داخل أو خارج مصر في حين تشارك بعض القطع في معارض أو مهرجانات دولية في اطار خطة للتبادل الثقافي.

وتمر عملية انتاج الخزف بخمس مراحل أولها خلط الطين برتقالي اللون القادم من اسوان بالماء وتركه ليتخمر ثم يعجن ليكون جاهزا للمرحلة التالية وهي التشكيل على الدولاب او بالصب في قوالب او يدويا. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التجفيف في الهواء والحرق الاول في افران كهربائية وبعدها المرحلة الرابعة الخاصة بالزخرفة والتلوين باستخدام مواد محلية واخيرا حريق الطلاء الزجاجي لتثبيت الالوان والزخارف.

وفي اطار ارتباطه بالبيئة المحيطة به يستضيف المركز خيمة رمضانية مجانية يرتادها أهل المنطقة والسياح من زوار الاثار الدينية المجاورة.

ويقدم المركز للخزافين الواعدين كل المواد الخام والامكانات اللازمة مجانا مقابل الحصول على نسبة من اعمالهم.

يقول الخزاف الشاب هيثم هداية (27 عاما) "أعمل هنا منذ أكثر من عامين وسبق لي العمل في مصنع للادوات الصحية. لكني هنا أجد نفسي والمهنة التي أحبها... انها مهنة مجزية وفن له عشاقه لكنها تحتاج الى ظروف مواتية."

رويترز