عبد الله الدامون من الرباط: إسبانيا تحب السمك المغربي. ومنذ أن أوقف المغرب العمل باتفاقية الصيد البحري بينه وبين الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات، والذي كان يتيح لمراكب الصيد الإسبانية بجمع السمك من المياه المغربية، فإن الإسبان لم يفقدوا الأمل يوما في العودة على جمعه من جديد ووضعه على موائدهم العامرة التي يتفننون في تلوينها بكل أشكال المخلوقات البحرية.

الإسبان بطبيعته محبون للسمك، لكن مشكلتهم أنهم يحبون سمك غيرهم أكثر مما يحبون ما يوجد في بحرهم، هذا إذا بقي في بحرهم سمك.

وعندما أوقف المغرب تلك الاتفاقية وسط مباركة وتفاؤل من المغاربة الذين اعتقدوا بسذاجة أن أسعار السمك في المغرب ستنزل إلى الحضيض نتيجة ذلك، فإن الإسبان لم يهدأ لهم بال واستمروا شاهرين أسلحتهم في انتظار العودة إلى مياه المغرب يوما ما.

المغرب أوقف تلك الاتفاقية عندما كان الحزب الشعبي اليميني الإسباني في الحكم. لذلك فإن خوسي ماريا أثنار اعتقد أن المغرب اعتدى على معدة الإسبان وهدد المغرب علانية بأنه سيفقره إن لم يتراجع عن إلغاء الاتفاقية عملا بالمثال العربي "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".

أثنار قال وقتها إن المغرب سيندم على ما فعله في حق إسبانيا. أما زعيم البحارة الأندلسيين فألقى خطبة في مدينة "قادس" بأقصى الجنوب الإسباني وصف فيها المغاربة بأقذع النعوت وقال إنه لا يفهم كيف يمنع المغاربة السمك عن الإسبان وهم ،أي المغاربة، لا يحتاجونه إطلاقا لأنهم يعيشون على حفنة تمر وكوب ماء في اليوم.

خطبة زعيم البحارة كانت شبيهة بخطبة طارق ابن زياد حين كان سيفتح الأندلس، لذلك فإن زعيم نقابة البحارة الإسبان كاد يغزو المغرب لكي يأخذ حقه في السمك المغربي.

ما اعتبره الإسبان إهانة من طرف المغرب اعتبرته حكومة الرباط حقها الشرعي في ممارسة سيادتها على مياهها الإقليمية. وهكذا صفق المغاربة لهذا القرار الشجاع وتوقعوا أن يتوقفوا عن أكل السردين الرخيص وباقي الأنواع الأخرى ليبدؤوا في أكل تلك الأشكال السمكية التي لا يرنها سوى في الأفلام وبرامج الطبخ على الفضائيات.

لكن الذي حدث أن المغاربة ظلوا على جوعهم البحري وبقي السعر على ما هو عليه، بل ارتفع في كثير من الأحيان. عند ذلك فهم المغاربة أن منع السمك عن الإسبان لا يعني أن ينتفعوا هم به.
ولكي ينفس الناس عن غضبهم فإنهم تداولوا سرا في مجالسهم أحاديث عن عدد من جنرالات المغرب الذين يملكون المئات من بواخر الصيد في أعالي البحار وقالوا إنهم المسؤولون عن حرمانهم من السمك لأنهم خلفوا الإسبان في نهب المياه المغرب وأصبحوا "يبيعون السمك في الماء" ويخوضون حروب البحر بسفن بشباك رقيقة وليس بمدافع.

وبيع السمك في الماء مثال مغربي يدخل في إطار السخرية السوداء ويعنى به أولئك الذين يتاجرون في أشياء لا يملكونها. لذلك أصبح عدد من الجنرالات المغاربة هدفا لغضب عشاق السمك الذين اتهموهم بصيد السمك في البحر وبيعه في البحر وجني بحر من الأرباح وإيداعها في الأبناك الأجنبية.

أما الصحف الإسبانية فإنها واصلت رش الملح على جرح المغاربة البسطاء ولم تتوقف يوما عن الحديث عن السمك المغربي الذي تقول إنه لذيذ وطري وملوّن. بل سخروا من المغاربة، أي من الناس العاديين، وقالوا لهم أنتم لا تأكلون السمك بعد أن حرمتمونا منه وكنا نعطيكم الكثير من المال لكي تبنوا مدارس ومستشفيات، إذا لم يسرقها منكم المسؤولون.

وعندما رحل خوسي ماريا أثنار الذي هدد بتجويع المغرب، وجاء الولد الاشتراكي الطيب خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، فإن رائحة السمك عادت لتزكم أنوف الجالسين حول موائد المفاوضات بين الطرفين.

واليوم تتوق الحكومة الاشتراكية الجديدة إلى عقد اتفاقية جديدة مع المغرب يخول لموائدها الامتلاء من جديد بالسمك المغربي الشرعي على الرغم من أن الإسبان لم يحرموا في يوم ما من السمك لأنهم يعرفون أين يجدونه في السوق السوداء، وهذه السوق ليست سوى بواخر المغرب التي يملكها مسؤولون كبار فضلوا تهريب السمك على بيعه بشكل شرعي.

المغاربة البسطاء فقدوا اليوم كل حماسهم حول ما سمي بالسيادة على المياه المغربية وشعارات "السمك لنا لا لغيرنا" حينما اكتشفوا أن "السمك لغيرهم لا لهم".

وهكذا ستظل مواد المغاربة ممتلئة بتلك الأنواع المعروفة من الأسماك المغلوبة على أمرها، وبإمكانهم أن يبحثوا عن برامج الطبخ في الفضائيات الجديدة لكي يتملّوا بطلعة تلك الأسماك البهيّة التي يرونها على الشاشة نهارا ويحلمون بها مناما. أما آلاف الكيلومترات من الشواطئ المغربية فإنها تصلح للسباحة لا غير. وأيضا للهجرة السرية.