لندن: ازدهرت ألعاب القوى للسيدات بعدما تعرضت لكثير من الاجحاف والاهمال أغلب فترات القرن العشرين. ولم يكن حلم البارون الفرنسي بيير دو كوبرتان مؤسس الحركة ألاولمبية الحديثة يمتد ليشمل النساء.. ولم يسمح لهن بالمشاركة في دورة ألعاب أثينا عام 1896 ولم يشاركن في ألعاب القوى حتى دورة 1928 في امستردام عندما خاضت السيدات أيضا منافسات الجمباز للمرة الاولى.
ففي تلك البطولة أصبحت الامريكية بيتي روبنسون (16 عاما) أول بطلة لالعاب القوى عندما فازت بسباق 100 متر عدو. لكن سباق 800 متر عدو للسيدات كان أكثر المنافسات اثارة للجدل في تاريخ الدورات الاولمبية وكانت له تداعيات طويلة الاجل. فقد طلبت عدة لاعبات مساعدات أولية بعدما انهرن في نهاية السباق وهو ما أثار عاصفة من الجدل. وكان رد الفعل سريعا وعدائيا للمرأة كما كان متوقعا. فقد أعرب كونت دو باييه لاتور رئيس اللجنة الاولمبية الدولية عن رأي واسع النطاق انذاك عندما تبنى الدعوة لمنع النساء من المشاركة في كل بطولات الاولمبياد. ورغم ان الاتحاد الدولي لالعاب القوى للهواء كان أقل تشددا فانه تأثر هو الاخر بحظر كل مسابقات السيدات التي تزيد على 200 متر لمدة 32 عاما.
وتداعى الحظر تدريجيا بفضل بعض النتائج المبهرة للاعبات. وفي عام 1932 شاركت الامريكية الناشئة بيب ديدريكسون في التصفيات الامريكية المؤهلة لدورة الالعاب الاولمبية. وخلال ثلاث ساعات تقريبا شاركت ديدريكسون في ثمانية من عشرة سباقات وفازت في ستة. ولم تستطع ديدريكسون الا المشاركة في ثلاث مسابقات فقط بسبب القواعد الاولمبية انذاك ففازت بميداليتين ذهبيتين في سباق 80 متر حواجز والقفز الطويل. وفي أولمبياد 1948 بلندن ظهرت الهولندية فاني بلانكرز كوين التي اثارت هي الاخرى جدلا حادا. قال منتقدون انذاك ان بلانكرز كوين (30 عاما) كبيرة جدا في السن على المشاركة في الاولمبياد.
وقال اخرون ان الرياضة لا تجتمع مع الامومة وانه يجب على امراة مثلها لديها طفلان ان تمكث في المنزل لرعايتهما. وتغلبت بلانكرز كوين على الانتقادات الموجهة اليها وفازت بذهبيات 100 متر و200 متر و800 متر حواجز وقادت فريق التتابع 4 في 100 للتقدم من المركز السادس الى الاول والفوز بالذهب. وكان يمكن أن تفوز بمنافسات الوثب الطويل لو لم ينصحها زوجها بالانسحاب. أما عازفة البيانو الفرنسية ميشيل اوسترمير فحققت مفاجأة اخرى في منافسات العاب القوى للسيدات بالفوز بذهبيتي رمي القرص ودفع الجلة وببرونزية الوثب العالي. وفازت الامريكية بوب ماثياس (17 عاما) بمنافسات العشاري.
ولم تمت أية عداءة عندما عادت مسابقات 800 متر للبطولات الاولمبية عام 1960. كان أداء السيدات رائعا وسرقت العداءة الامريكية الجميلة ذات السيقان الطويلة ويلما رودولف الاضواء من الجميع بعدما فازت بثلاث ميداليات ذهبية. انتزعت رودولف المركز الاول في سباقات 100 متر و4 في 100 تتابع كما كانت أول امرأة تكسر حاجز 23 ثانية في سباق 200 متر. وفي دورة طوكيو 1964 عندما خصصت اليابان ثلاثة مليارات دولار وهو ما كان رقما قياسيا انذاك لتنظيم أول دورة اولمبية في اسيا حققت السباحة الاسترالية دون فريزر ثالث ذهبية على التوالي لسباق 100 متر حرة.
وفي دورة ميونيخ 1972 التي شهدت أسوأ الايام في التاريخ الاولمبي بسبب أزمة الرهائن الاسرائيليين جذبت لاعبة الجمباز السوفيتية الصغيرة اولجا كوربات الملايين من مشاهدي التلفزيون بأدائها في منافسات الاجهزة. وسرقت لاعبات من شرق اوروبا الاضواء في دورة مونتريال 1976. قبل هذه الدورة لم تكن لاعبات المانيا الشرقية فزن بأي ذهبية اولمبية في السباحة لكنهن فزن تحت قيادة كورنيليا اندر التي سجلت ثلاثة أرقام عالمية بأحد عشر لقبا من جملة 13. وكانت الاسباب التي سيقت حينذاك في هذا الشأن هي الاعداد العلمي شديد الدقة لكن الوثائق التي أتيح الاطلاع عليها عقب سقوط حائط برلين عام 1989 كشفت أن المنشطات التي وفرتها الدولة بانتظام لعبت دورا مهما.
وبحلول دورة لوس انجليس 1984 شعرت اللجنة الاولمبية الدولية بثقة كافية في قدرة النساء على عدو مسافات طويلة دون ان يصبن بالاغماء فتم تنظيم ماراثون للسيدات. وتغلبت جوان بينوا التي خضعت لجراحة في ركبتها اليمنى قبل أسبوعين ونصف الاسبوع من التصفيات المؤهلة للدورة الاولمبية على حرارة الجو والرطوبة لتفوز بأول ميدالية ذهبية في سباق ماراثون للسيدات. سجلت بينوا ساعتين و24 دقيقة و52 ثانية وهو ما كان يمكنها للفوز في 13 من 20 سباقا اولمبيا للماراثون للرجال حتى ذلك الحين.
ومع كشف النقاب عن تورط لاعبات المانيا الشرقية اللاتي هيمن على ألعاب القوى في السبعينيات والثمانينيات في فضائح منشطات قرر الاتحاد الدولي لالعاب القوى البدء في تطبيق اختبارات المنشطات بشكل عشوائي. وهناك 12 رقما قياسيا عالميا للسيدات لم يكسر منذ ذلك الحين أبرزها الذي سجلته فلورينس جريفيث جوينر في سباق 200 متر وهو 21.34 ثانية وهو زمن لم يستطع احد الاقتراب من تحقيقه. واعتزلت جريفيث جوينر العدو في العام التالي لدورة سول 1988 وتوفيت بشكل مفاجيء عام 1998. واصبحت العداءة الامريكية ماريون جونز أفضل لاعبة في الفترة الاخيرة.
وحاولت جونز ان تتفوق على مواطنيها كارل لويس وجيسي اوينز بتحقيق انجاز غير مسبوق بالفوز بخمس ميداليات ذهبية في دورة سيدني عام 2000. لكن محاولة جونز انتهت بالفوز بالميداليات الذهبية في سباقات 100 متر و200 متر و4 في 400 تتابع وبالميدالية البرونزية في الوثب الطويل و4 في 00 تتابع. وفي الدورة نفسها أضاءت كاثي فريمان الشعلة الاولمبية للدورة رمزا للمصالحة بين السكان الاصليين في استراليا والمستوطنين الاوروبيين. ونجحت فريمان رغم الضغوط التي تعرضت لها في الفوز بسباق 400 متر لتحصل لاستراليا المولعة بالرياضة على ميدالية ذهبية كانت تتوق اليها.
وبرنامج ألعاب السيدات لدورة اثينا هذا العام يماثل برنامج الرجال باستثناء سباق ثلاثة الاف متر موانع و50 كيلومترا مشي. كما تلعب السيدات السباعي بدلا من العشاري. وسيتقلص الفارق الى مسابقة واحدة العام المقبل عندما تصبح بطولة الموانع حدثا رسميا في بطولة العالم التي تستضيفها هلسنكي.
التعليقات