الرباط: يحاول منظمو الألعاب الأوليمبية في اليونان أن تكون هذه الدورة الأنظف من بين كل الدورات السابقة في مجال تعاطي المنشطات، لذلك عملت كل الوفود الرياضية على ممارسة المزيد من الرقابة الذاتية على رياضييها، بشكل يشبه لدغ الثعبان لنفسه، خصوصا وأن العقاب في حالة ضبط رياضي يتعاطى المنشطات المحظورة لا يشمله هو فقط، بل أيضا المسؤولين الطبيين وأحيانا الإداريين، وبهذه الطريقة الذكية تعم الفضيحة الجميع, ويغرق الوفد كله في بحر من الإحراج.
اليونانيون يريدون أن يعودوا بالألعاب إلى أصلها، أيام كانت الدورات الأوليمبية قمة النظافة في كل شيء، في الأفكار والممارسة والأهداف، لذلك جعلوا شعار هذه الدورة هو "الحرب على المنشطات". لكن المشكلة أنه إلى حد الآن توبع رياضيون فقط بتعاطي المنشكات وعوقبوا لوحدهم على الرغم من كل الشعارات المرفوعة، مع أن الجميع يعرفون أن الرياضي هو آخر مسؤول عن تعاطيه المنشطات. فالمواد المنشطة المحظورة صارت استراتيجية عامة تتبعها كل الوفود الرياضية تقريبا في كل الدورات الرياضية, والهدف طبعا هو المزيد من المال, والمزيد الميداليات.
أيام الحرب الباردة كانت السياسة حاضرة بقوة وتصارع المعسكران الشرقي والغربي بشراسة على الميداليات في الألعاب الأوليمبية, ومن أجل ذلك تحركت مختبرات كل معسكر من أجل اكتشاف أو اختراع منشطات لا يكتشفها التحليل الطبي, وربما نجحت الولايات المتحدة الامريكية أكثر من غيرها في ذلك وحصد رياضيوها مئات الميداليات, قبل أن تتفجر الفضيحة قبل أشهر كون أغلب الرياضيين الأمريكيين كانوا يتعاطون منشطات ذكية جدا، ومن بينهم كارل لويس الذي كان يحصد لوحده أربعة ميداليات ذهبية في دورة واحدة. إضافة إلى (البطلة) "ماريا جونز" التي لاحقتها الفضيحة اليوم وصارت مجرد بطلة من ورق. بل إن منتخب الولايات المتحدة الأمريكية لكرة السلة لم يخضع لتحاليل الكشف عن المنشطات في دورة برشلونة سنة 1992, بينما الجميع كان يقول بأن اللاعبين كانوا "منشطين" زيادة عن اللزوم.
ألمالنيا الشرقية كانت بدورها بطلة حقيقية في صنع المنشطات المستعصية على المختبرات، وحصد سباحوها وسباحاتها ميداليات بالجملة أمام دهشة جارتها القوية ألمانيا الغربية التي لم تفهم سر تفوق جارتها في رياضة السباحة على الخصوص. ربما لأن هؤلاء كانوا يتخلصون من بولهم وهم في المسبح، فيصبح عمل المختبر مجرد لعب أطفال. دول أخرى توجه إليها تهم تعاطي المنشطات بكثافة من بينها الصين وبلغاريا. أما البلد الوحيد الذي مازال رياضيوه يحظون بشرف السمعة وشهامة المنافسة فهو كوبا الذي يشكل استثناء غريبا وسط كل هذا السعار من أجل المال والشهرة.
من الصعب على اليونانيين اليوم أن يحاولوا إعادة تنظيف ما لوثه المال. فالنظافة والشهامة خرجت من الألعاب الأوليمبية يوم دخلها المال، والرياضي الذي يعول على عضلاته وحدها من أجل حصد المال والألقاب من الأنسب له أن يتسول على الطرقات عوض المشاركة في هذه الألعاب.
وفي جميع الأحوال فإن إصرار اليونانيين على ملاحقة المنشطات كانت له إيجابيات كثيرة، فبلدان كثيرة لاحقت رياضييها حتى قبل بداية المنافسات واستثنتهم من المشاركة حتى لا تعم الفضيحة الجميع. إسبانيا حرمت اثنين من رياضييها من المشاركة في أوليمبياد أثينا. اليونان نفسها طردت أشهر دراجيها وعدائيها بعد فضيحة مدوية، وهناك أمثلة أخرى كثيرة. لكن الأمل ضعيف في أن يصلح العطار ما أفسده الدهر, ورئيس اللجنة الأوليمبية يقول إن السيل وصل الزبى ومن الصعب أن تتم محاربة كل هذا الانحراف في الرياضة. وفي كل الأحوال فإن إلقاء حجر ولو صغير في الماء الراكد خير من لاشيء.
التعليقات