حصيلة القمم بين الملك عبدالله ومبارك والأسد:
استمرار النظام السوري لقاء استقرار لبنان


إيلي الحاج من بيروت: عكست الحركة السياسية الاستثنائية والعاجلة التي جرت في المثلث المصري- السعودي- السوري وتمثلت بقمة طارئة سعودية - سورية في جدة وثانية سورية- مصرية في شرم الشيخ بعد زيارة مفاجئة لوزير الخارجية السعودي الى دمشق ، دقة وحراجة الوضع الذي تمر به سورية من جراء ازدياد الضغوط وتضييق الخناق الدولي عليها من باب التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، وكذلك الوضع المتأزم الذي تمر به العلاقات السورية ndash; اللبنانية. إلا أن الخلفية المباشرة لهذه الحركة quot;الانقاذيةquot; تكمن في المعطى الجديد والمثير الذي تمثل في quot;انشقاقquot; النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام وقنبلة الاتهامات التي ساقها ضد النظام السوري، والتي أدت الى نتيجتين مباشرتين، أولهما اعطاء المجتمع الدولي ذريعة ومادة لممارسة ضغوط اضافية والتشدد مع سورية، وثانيهما طرح مصير النظام السوري على البحث ، عبر فتح باب المناقشة الداخلية في شأنه وتحريك اوراق المعارضة وتجميعها.
مصادر دبلوماسية عربية تلخص خطوط التحرك المنسق بين مصر والسعودية وسقفه السياسي في النقاط التالية:
-التشديد أولا على ضرورة التعاون السوري مع التحقيق الدولي، وذلك باعتبار أنه السبيل الوحيد المتاح لدمشق كي تخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه وان لا مجال لتفاهمات وتسويات على حساب التحقيق والحقيقة في جريمة اغتيال الحريري.
والنصيحة العربية في هذا المجال واضحة: على سورية ان تتعاون دون شروط وعقبات وأوهام ، على ان يصير الى تفهم وضعها ومراعاة موقفها في نقطة محددة وحصرية تتعلق بمسألة لقاء الرئيس بشار الاسد مع لجنة التحقيق للاستماع إليه في ضوء ما أفاد به خدام وشهود آخرون عن علاقته بالرئيس الحريري ولقائه الاخير معه قبل تمديد ولاية الرئيس اللبناني إميل لحود . فهذا quot;اللقاء الاستجوابquot; يعرض مكانة الاسد كرئيس دولة للاهتزاز ومن اللازم والممكن ترتيب مخرج ملائم لهذا الوضع يعفي الاسد من لقاء لجنة التحقيق شخصيا، ولكن مقابل ان يكون التعاون مطلقا في كل ما تطلبه لجنة التحقيق ان لجهة الاستماع الى مسؤولين سوريين كبار ، او لجهة تسليم او توقيف أي من الضباط بصفة مشتبه به.
- التزام عربي للمحافظة على النظام السوري ودعم استمراره لقاء ما يظهرمن إيجابية وتعاون ومرونة. وثمة واقعيا حرص لدى مصر والسعودية على نظام الاسد من منطلق إرادة بقاء الاستقرار في المنطقة وعدم الرغبة في ان تتحول سورية الى quot;عراق آخرquot;، بشرط ألا يسيء النظام السوري تفسير هذا الدعم واستخدامه في مجالات اخرى، مثل quot;تمييعquot; التحقيق الدولي او تقويض الاستقرار اللبناني.
- السعي الحثيث إلى احتواء التوتر في العلاقات اللبنانية السورية، ويكون ذلك عبر خطوات ومبادرات تدفع في اتجاه quot;اعادة العلاقات الى مسارها الطبيعي واعادة بناء الثقة بين البلدينquot;.
ومن هذه الخطوات:
- وقف الحملات الاعلامية المتبادلة.
- وقف كل اشكال التدخل السوري الامني والاستخباراتي والسياسي في لبنان.
- تجاوب سورية مع المطالب اللبنانية وابداء استعداد للبحث فيها وتتعلق بالآتي: ترسيم الحدود بما في ذلك مزارع شبعا، اقامة تمثيل دبلوماسي، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساهمة في quot;امن لبنان واستقرارهquot; واخراجه من دوامة التفجيرات والاغتيالات، المساهمة في تسليم السلاح الفلسطيني واغلاق القواعد العسكرية خارج المخيمات.

الموقف المصري السعودي واضح في الحرص على سورية، بلدا ودولة ونظاما، ولكن ذلك يتوقف على الطريقة التي سيتصرف بها الرئيس بشار الاسد في مسألة التعاون مع التحقيق الدولي اولا وفي مسألة ادخال تحسينات عاجلة على سياسته وعلاقاته الاقليمية والدولية... ويرى مراقبون دبلوماسيون ان مصر والسعودية استشعرتا الخطر المحدق بالنظام السوري بعد quot;الصدمة الكبيرةquot; التي أحدثتها تصريحات خدام والتي أتاحت للجنة التحقيق الدولي الدخول عبر هذه الفجوة الى quot;القلعة السورية المحصنةquot; بعدما ضاق هامش المناورة امام الأسد الى أضيق حدود وبات في امكان اللجنة ان تتقدم في ملف اغتيال الحريري للبحث عن مدى العلاقة بين توجيه التهديد إلى الحريري واغتياله، وعن سبل اتخاذ القرار في سورية وتنفيذه.
ويعتبر هؤلاء ان فحوى دخول السعودية ومصر على الملف السوري هو التقدم بالنصيحة للرئيس السوري وابلاغه ان الخيارت العربية، وليست الخيارات السورية فحسب، باتت ضئيلة ومحدودة. وهو تبلغ أن لا استغناء عن نظامه ولكن عليه ان يتخلى عن القيادات الامنية والاستخباراتية التي ارتكبت الاخطاء الفادحة او يصير الى الاستغناء عنه ليس دوليا فحسب وانما عربيا كذلك.
وفحوى هذا الموقف العربي ان القيادتين المصرية والسعودية توصلتا خصوصا بعد شهادة خدام وتداعياتها إلى اقتناع بأن معادلة الاستقرار في سورية تبدلت. ففي الماضي كان استمرار النظام صمام الامان لمنع الفوضى وضمان الاستقرار في البلاد، اما اليوم فبات استمرار النظام كما هو عليه المحرك الرئيس لاطلاق مرحلة quot;اللااستقرار والفوضىquot;...
وبهذا المعنى تبحث مصر والمملكة السعودية عن مخرج للنظام السوري وعن quot;تسوية سياسيةquot; توقف تدهور اوضاعه وتقيه الأسوأ، ولا یتعلق الامر هنا بصفقة او مقايضة مع سورية المحاصرة دوليا في معادلة quot;الاستمرار المشروط للنظامquot;. هذه المعادلة ظهرت من خلال التعامل مع مواقف خدام التي أخذ منها ما يفيد التحقيق والضغط الدولي على نظام الأسد وأهمل فيها ما يتعلق بإسقاط ذاك النظام ومحاربته من الداخل... كما ظهرت في زيارة وزير الخارجية البريطانية جاك سترو الى بيروت وفي بيان مكتوب للسفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان، وتأكد من خلالهما استمرار الدعم الدولي للحكومة اللبنانية وعدم وجود صفقة على حساب لبنان.