بعد زيارة نجاد إلى دمشق
الأزمة اللبنانية على خط الملف النووي الإيراني
بلال خبيز من بيروت : قبل ان يتلاشى ضجيج حناجر المحامين العرب في دمشق الذين دعوا إلى نصرة سوريا في مواجهة المخططات الأميركية، ذهب السيد مقتدى الصدر، قائد جيش المهدي في العراق إلى التصريح بأن جيش المهدي الذي يقوده سيدافع عن إيران في مواجهة اي هجمة عليها.
من ناحية ثانية اخذ المسؤولون الإسرائيليون ينظرون بعين قلقة إلى التوجهات الإيرانية المعلنة في ما يخص الملف النووي من ناحية اولى والحدود الشمالية مع لبنان من ناحية ثانية والتي يسيطر عليها حزب الله اللبناني الذي يخدم سيدين في وقت واحد: ايران وسورية. وذهبت بعض التعليقات الإسرائيلية إلى اعتبار الرئيس بشار الأسد مجرد مقاول عند الرئيس محمود احمدي نجاد. في إشارة إلى الدور الحاسم لإيران والثقل الذي تشكله في ما سمي حلف التصدي للهجمة الدولية.
بطبيعة الحال يفصح هذا الحلف عن كل نقاط قوته دفعة واحدة. ذلك ان مهمة هذا الحلف المنوطة به إيرانياً على ما يبدو، هي مهمة جانبية، وليست له الاولوية المطلقة في هذه الأيام. لذلك يكشف الحلف كل اوراقه دفعة واحدة في مواجهة الخصوم، ذلك ان القوة الإيرانية تستند إلى مفاعيل أخرى غير تلك التي تهدد بها حصراً.
على اثر الزيارة التي قام بها الرئيس نجاد إلى دمشق واجتماعه بقادة الفصائل الفلسطينية وامين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله ورئيس حركة امل اللبنانية الشيعية، رئيس المجلس النيابي اللبناني السيد نبيه بري، اعلن الرئيس بشار الأسد جملة مواقف تتعلق بسياسة سورية او ما يمكن ان تكون عليه سياستها في المقبل من الأيام. وفي هذه المواقف ما يلفت حقاً وما يجعل الحلف الذي يجري الحديث عنه اليوم في مواجهة quot;المؤامرةquot; قيد الفعل والمباشرة.
على اي حال لم يمر وقت طويل قبل ان يتراجع السيد حسن نصرالله عن لهجته المجاملة في ما يخص ازمة الحكم المستمرة فصولاً في لبنان، وخاطب خصومه السياسيين بلهجة من يريد العودة بالأمور إلى التوتر الشديد الذي يحكم احوال لبنان منذ ما يزيد على الأربعين يوماً.
خلاصة القول ان الحلف قيد النشاط، وكان قد سابق القمة الإيرانية ndash; السورية بعملية انتحارية في تل ابيب، سرعان ما ادانها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واعلنت اسرائيل انها تمّت بتمويل إيراني وتخطيط سوري وتنفيذ فلسطيني.
إذاً تتكامل الحلقات الأساسية من لبنان إلى فلسطين فالعراق. ويهدد الحلف الجديد بالتأثير على الاستقرار الهش الذي تعيش هذه الجبهات في ظله. فالحلف الجديد يريد تعميق المأزق الأمني الاميركي في العراق، بأدوات سورية وإيرانية على نحو مباشر. ويهدد بالعودة إلى نوع من الحرب المعلنة على اسرائيل والمكلفة على الفلسطينيين، نقضاً للهدنة التي كان الفلسطينيون قد ثبتوها مع اسرائيل. وفي لبنان تبدو الاحتمالات مفتوحة على كل انواع التصعيد. من عودة العمل بلائحة الاغتيالات، إلى التوتير في الشارع وصولاً إلى تمديد ازمة الحكم بما يجعل البلد في مهب الريح.
والحق ان الدخول الإيراني على خط الأزمات المباشرة في العراق وفلسطين ولبنان يجعل من الدور السوري اقل شأناً في هذه الأزمات، مما يسمح بالحديث عن تصدر إيراني وعن تبعية سورية تعمل بموجب الأجندة الإيرانية مما يجعل الحديث عن أجندة سورية خاصة او بالتوافق مع سائر الدول العربية ومصالحها ضرباً من الوهم الذي لا يعود الحديث عنه مفيداً. فالسياسة السورية التي لطالما جهدت في البقاء قيد التأثير السياسي والأمني في الساحة الفلسطينية تلقت ضربات موجعة على هذا الصعيد، منذ ما قبل رحيل ياسر عرفات وحتى اليوم. إلى حد ان القيادة السورية ابدت استعدادها اكثر من مرة إلى احتمال إقفال هذا الملف إذا ما توافقت مع الإدارة الاميركية في الشأن اللبناني، وتمت رعاية مصالحها الحيوية في هذا البلد الصغير. اما في العراق فإن السياسة السورية منذ ما بعد الاجتياح الاميركي للعراق مضبوطة بجرم ايواء الإرهابيين ومسؤولي النظام السابق، من دون ان تستطيع ان تستثمر هذه المضبطة في سياسة العراق. فلا يختلف اثنان على كون التأثير السياسي السوري في العراق معدوم ولا امل له، في حين تبدو إيران قادرة على اللعب في السياسة والأمن في هذا البلد على نحو لا يخفى على احد. لكن بيضة قبان السياسة السورية في لبنان بقيت وازنة حتى بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام الماضي.
والوزن الذي تملكه سورية في هذا المجال يتعدى القوتين الشيعيتين الرئيسيتين، حزب الله وحركة أمل، ليصل إلى معظم النسيج السياسي ndash; الطائفي في لبنان. لكن السياسة السورية المعزولة دولياً والمحشورة في زاوية خانقة تغامر اليوم في خلع هذه الورقة من يدها وجعلها ايرانية بامتياز، وفي ذلك ما يجعل بعض القوى الدائرة في فلك السياسية السورية في لبنان محرجة إلى الحد الذي يمنعها من الاستمرار في اتباع هذه السياسة. فليس ثمة علاقات جوار إيرانية مع لبنان، وليس ثمة مشروع إيراني يتعدى حدود المذهب الشيعي في المنطقة، والحال فإن الورقة الإيرانية في لبنان لا تستطيع تجاوز حدود الطائفة الشيعية إلى معابر الطوائف الأخرى على اي وجه من الوجوه. مما يعني سلفاً ان الورقة السورية في لبنان ستخسر بعضاً من وجوه شرعيتها التي تستمدها من تغلغلها في نسيج الطوائف اللبنانية كافة بحكم علاقات الجوار والتاريخ المشترك بين البلدين.
مثل هذا الاتجاه السوري يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك صعوبة الأوضاع في سورية ومدى عزلتها، وعمق المأزق الذي انزلقت إليه.
الأرجح ان دخول سورية في حسابات السياسة الإيرانية سيقيد حركتها على المستوى اللبناني إلى هذا الحد او ذاك. وسيجعل من المصالح الإيرانية مقرراً اساسياً في طريقة عمل الادوات السورية وملحقاتها في لبنان وفلسطين والعراق إلى حد بعيد. مما يعني ربط التوتر والتهديد بضرب استقرار المنطقة بمدى حماوة الملف النووي الإيراني ومدى قدرتها على النفاذ من احكام مراقبة المجتمع الدولي.
التعليقات