2007 عام الاستحقاقات الإقليمية:
لبنان مستنفداً: تعادل سلبي للأطرافالمتجابهة

متظاهرون يدخنون النرجيلة ويعتصمون في وسط بيروت
بلال خبيز: لايرى القادة اللبنانيون في اضطرارهم إلى العيش في ملاجئ محصنة خوفاً من عمليات الاغتيال التي تهددهم جميعاً من كل الجهات سبباً يجعلهم يقدمون مصلحة بلادهم على المصالح الضيقة التي يمثلونها. وإذ يعرب جميع القادة والمسؤولين عن املهم في تحقيق الامن والازدهار والسلم للبنان في العام الجديد، فإنهم من جهة ثانية لا يرون سلماً وازدهاراً وامناً إلا بهزيمة خصومهم الداخليين وتراجعهم عن مطالبهم ومكاسبهم في جبهة الدولة اللبنانية. الامر الذي يدعو اللبنانيين إلى التخوف كثيراً من مجريات العام الجديد وما يحمله من أخطار تتهدد بلدهم وعيشهم فيه. من نافل القول ان احد اسباب الازمة الحالية في لبنان يعود في شكل مباشر إلى توازن دقيق في ميزان القوى بين الجهتين لا يتيح لأي تحالف ان يشكل نصاباً سياسياً غالباً يمكّنه من حشر التحالف المواجه.

وان مثل هذا التوازن في القوى يكون عادة من مقدمات الحروب الاهلية الساخنة. وهذا ما جرى عشية الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من نيسان ndash; ابريل العام 1975 حتى مطالع التسعينات من القرن المنصرم. لكن ما يختلف بين الامس واليوم ان كلا الفريقين يبدو حريصاً على حسن تمثيله في مؤسسات الدولة اللبنانية وان الصراع الفعلي اليوم يتمحور حول من يمسك بمقاليد السلطة الرسمية في لبنان. وهذا ما يجعل الصراع الاهلي اليوم يختلف اختلافاً بيناً عن مجريات الحرب الاهلية الاخيرة حين كان الطرفان المقرران فيها يهدفان إلى تغيير النظام السياسي واقامة نظام اكثر ملاءمة لأهدافهم.

اليوم يبدو ان إجماعاً لبنانياً معقود على ضرورة المحافظة على مباني الدولة اللبنانية وإخضاعها من دون تدميرها. وهذا في حد ذاته من النقاط الإيجابية التي تتيح للبلد فرصة او بقية من امل. لكن ذلك لا يمنع الطرفان من محاولة الاستقواء بالخارج للضغط على الطرف الآخر وتدمير بعض موارده.

على هذا يعمد حزب الله ومن يحالفه إلى الاعتصام في وسط بيروت، وهي درة تاج مشروع السنّة الاقتصادي في لبنان ومركز الثقل في موارد هذه الطائفة، تعويضاً عن تغييبه قسراً بسبب الحرب الإسرائيلية الاخيرة على لبنان، عن منطقة نفوذه الأهم والاكثر حيوية في شريط القرى المحاذية لإسرائيل. مما يعني ان بعض اهداف هذا التعطيل المتمادي لعمل الحكومة اللبنانية يكمن في منعها من تحقيق انجازات، سواء تعلق الامر بباريس 3 ام بالتعويض على ضحايا العدوان الإسرائيلي الاخير او حتى بعودة الروح إلى الاقتصاد الخدماتي في بيروت.

السنيورة يصف باريس3 بـ الفرصة
في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء
وإذ يحاول كل طرف من الطرفين تعطيل موارد الطرف الآخر وضربه في اكثر مناطقه حيوية، فإن آثار مثل هذا السلوك تبدو بالغة الخطورة على لبنان في شكل عام. فلن يطول الزمن قبل ان تنهار آلة الدولة برمتها. ذلك ان الدول انما تقوم ادوارها على الانجازات، سواء كان الإنجاز امنياً او سياسياً دبلوماسياً او اقتصادياً. وفي مثل هذه الحال تصبح القوى اللبنانية متساوية في الخسارة، وغير قادرة على تحقيق الربح من جديد. ولن يطول الامر بالدول الغربية والعربية المانحة للبنان او التي تعتزم مساعدته على تخطي ازماته الاقتصادية لتدرك ان هذه المساعدات تذهب هباء، تماماً كتلك المساعدات التي كان الاتحاد الاوروبي يقدمها للفلسطينيين، إذ سرعان ما كانت النار الإسرائيلية تحرقها، وإذا ما سلمت من نار اسرائيل يحرقها الاقتتال الداخلي بين الاخوة الاعداء. وعلى النحو نفسه، يبدو صمود الحكومة في مواجهة اعتصام حزب الله وحلفائه في لبنان كما لو انه يضعف قدرة هذا الحزب على الابتزاز والتخويف داخلياً وخارجياً مما يعني ان راعييه سيجدان نفسيهما قريباً وامام استحقاقات داهمة تنتظرهما هذا العام غير قادرين على تثمير جهوده في مصلحتهما وسيجدان نفسيهما مضطرين إلى تسوية قضاياهما بنفسيهما امام عجز هذا الحزب عن مساعدتهما.

والحق انه فيما يعمد الطرفان إلى الاستقواء على الداخل اللبناني والجور عليه، في وقت لا يستطيع قادتهما عقد مؤتمر صحافي علني بسبب الخوف من الاغتيالات التي تهدد الجميع، يوضح إلى اي حد استنفد اللبنانيون كل طاقاتهم في حروب الآخرين، ولم يعد لديهم ما يقدمونه على مذابح الآخرين. رغم ذلك ثمة من يصر في لبنان وخارجه على جعل هذا البلد ساحة هزيمة اميركا واسرائيل. بلد لا يستطيع قادته ومقدموه الخروج من الملاجئ وتوكل إليه مهمة هزيمة اميركا وإزالة اسرائيل من الوجود! انه زمن الخفة الذي يجعل من رجل كالرئيس احمدي نجاد ملهماً لثورات الشعوب.