العراقيون وعام 2008
عزف منفرد على الرقم (8) من عامنا الجديد

عبد الجبار العتابي من بغداد: ها هو فجر عام 2008 يطل ، نرى اشعاعات اطلالته تشرق من منتصف الليل ، كأنما هو يحمل اسرار لايريد احدا ان يطلع عليها ، واولئك القدماء الذي حسبوا الايام منذ منتصف الليل لانعرف ما كانت معاناتهم او فلسفتهم لكي تولد الايام في الظلام الدامس الذي يتوسط قلب الليل.

طلاب عراقيون يجلسون بجوار دمية لسانتا كلوز في فناء جامعة المستنصرية في بغداد
طل العام الذي يحمل رقم (8) ونظر اليه العراقيون بكل الهموم التي حملوها خلال السنوات الماضية ، عسى ان يمنحهم محبة وسلاما ، يتمنون ان يكون صباحا غير كل الصباحات ، مشرقا بالامال الكبيرة وبالصفاء ، نظروا الى وجهه الذي لم تبدو ملامحه بعد وتعلقوا في رقمه.واذن .. هناك منا من يرتجف فرحا لمقدمه ، وهناك من لا يأبه ، وهنالك من يساوره الخوف. فالعمر نهر تجري فيه سفن الايام ، تارة محملة وتارة فارغة ، تارة محطمة وتارة مزهوة ، ولكنها لاتتوقف ، وربما لان ديدن الانسان هو الخوف من المجهول ، فأنهم يذهبون للبحث عن علائق وارتباطات وتفاصيل عساها ان تزرع شيئا من الطمأنينة في نفوسهم.

وحين حاولت ان اتطلع الى الرقم (8) جاءني على الفور ذلك التاريخ الذي توقفت فيه الحرب العراقية ndash; الايرانية (8/8/ 1988) ، واتساءل : هل كان السر في الرقم ، ام ان المصادفة وحدها كانت وراء ذلك ، اخذتني (الصفنة) وانا انظر الى وجه (8) ، واستذكر اشياء عنها كنت قد قرأتها.

اجدني حينما اعود الى (بابل) اهتز من فرط الفزع ، واعود راكضا الى نفسي اتصدى للافكار البابلية بدرع الايمان بالله ، الذي خلق الانسان في احسن تقويم ، فالبابليون يقولون ان (الرقم ثمانية يرمز إلى الشر) ، فاعتقدت بابل أن الدورة الحياتية تنتهي في العدد سبعة، فهو عدد الكمال، وما زاد عن ذلك فهو زيف سببه قوّة الشر. وتعبيراً عن هذا الاعتقاد، كانوا يرمزون إلى الثمانية بأشكال مختلفة تمثل الشر، مثل التّنّين، أو مخلوقات غريبة ذات ثمانية أطراف !!، تصورت ما قالوه مجرد خزعبلات ، وانهم ما قالوا ذلك الا لظرف نفسي او لاسباب سياسية.

واذ كنت احدث نفسي سقط على رأسي قول للشاعر الفرنسي لامارتين يقول فيه عن الرقم (8) : (إنه عدد محدود بطبيعته ، لا متناهٍ في أمنياته ، وهو عدد إلهي سقط من السماء ولا يزال يتذكر الآلهة) ، قارنت بين الرأيين ، تراني ماذا اقول عنهما ؟ من اصدق ، قلت افكار متضاربة ، لم اقتنع ورحت ابحث عن اشياء اخرى وجدت ان (المسيحية تعتبر الرقم 8 رمزا لفكرة الخلاص) ، عدت الى القول ان الظروف البيئية لها دور فاعل في ما يطرحه الانسان من افكار ، وبين يأس يباغتني لاشعوريا ، وبين امل اتمنطقه واتبناه ، اجدني اشعر بأني وجدت ما ابحث عنه ، وجدت ما يزيح من افكاري الشوائب التي علقت فيها ، قفزت كذاك الذي قال يوما (وجدتها) ، ووقفت امام الصورة التي رغبت ان يكون عليها الرقم (8) مجردا وان كان يلتصق به الرقم (200) ، فالنبي نوح عليه السلام كان ثامن الانبياء ، ركضت الى ذلك التاريخ البعيد ، كان (نوح) الثامن ، أي يحمل الرقم (8) فرأيت سفينته التي حملت من كل زوج اثنين ، وكانت (المنقذ) للبشرية من الطوفان ، واذن .. انه فأل حسن ، ويمكن ان نتفاءل به .

ثم رحت اتأمل شكل الثمانية في نفوس العراقيين ، كيف ينظرون اليه ، اول من سألته قال :(لاتهمني الارقام ، فهي مجرد ارقام رسمها الانسان واحاطها بالغموض لانه مجبول على ايجاد صيغ معقدة للتعامل بها ، وحاول الاستفادة منها في حياته لتنظيمها ، لكنني لن اتشاءم ولن اتفاءل ، فالحياة لا تسير بفعل الارقام ، وقد تقلبت السنوات في حياتنا ولم ينفعنا رقم ، ولكن قطعا اتمنى ان تكون هذه السنة افضل من غيرها علينا وعلى العالم ) ، وقال اخر : انا اتفاءل اكثر بالرقم (7) ولكنني بطبيعتي لا اعول عليها ، فالعمل للانسان والمساعدة من الله سبحانه وتعالى ، وهو القائل (اعملوا).

ان الحياة العراقية لااعتقد ان الارقام تنفع معها ، ويمكن ان اقول ان العراق لم يسترح منذ بدء الخليقة ، فتاريخه حروب ودمار وفقر وسلبيات لاتعد ولا تحصى ، وكل ما نقرأه حول البخت والطالع هي مجرد تكهنات (يضحك) بها الانسان على نفسه الامارة بالسوء !! ، وانا كعراقي انا استقبل عاما جديدا فأكيد اريده افضل من غيره ويكون عام امن وسلام ورخاء، اما الثالث فقال : يعجبني الرقم (8) ومن حق الانسان ان يخلق لنفسه ملاذا نفسيا يساعده على الاسترخاء.لكنني اتمنى ان تكون هذه السنة سنة خير للعراقيين ويتوقف نزيف الدم وتنتهي العذابات ، عسى ان يكون لثلاثية هذا الرقم فعل السحر ، أي ان (8) جاء عام (8) و(1008) و(2008) ، يجوز الثالثة تفتح لنا ابواب الخير ، قل : آمين ).

وسألت فتاة كيف تنظر الى الرقم (8) في عامنا الجديد فقالت : ( انا أؤمن بالابراج وعلم الفلك ، واتفاءل واتشاءم بالارقام وغيرها ، ربما لا يكون هذه الرقم مفضلا عندي ، ولكن نحن العراقيين نتمنى ان يأتينا الخير من أي شيء ، من الارقام من الحروف من الاسماء ، أي شيء (بس) دعه يأتي ) .