النشاشيبي في حوار صريح وطويل مع quot;إيلافquot;:
هذه قصتي مع علياء الصلح وابني الذي لا أراه

ناصر الدين النشاشيبي
أسامة العيسة من القدس: يقع حي الشيخ جراح، الذي يضم فيلا ناصر الدين النشاشيبي أو quot;دار الكوثرquot; خارج أسوار بلدة القدس القديمة، إلى الشمال . حي أخذ اسمه من ضريح فيه لطبيب صلاح الدين الأيوبي ، وعندما صمتت مدافع الحرب عام 1948، كان على خطوط التماس مع القدس الغربية، أما اليوم فقد تمدد الوجود اليهودي إليه، وليس بعيدا عن منازل عائلة النشاشيبي، تسكن عائلات من المستوطنين اليهود في منازل وضعت إسرائيل أبراجا عسكرية مدججة لحراستها، بالقرب من مغارة، يعتبرونها قبر quot;شمعون الصديقquot;، حيث تجمع عشرات المتدينين اليهود يقيمون صلوات، ليست لغرض ديني فحسب ، وأمام قصر أديب العربية إسعاف النشاشيبي، خال الأستاذ ناصر، تجمع عشرات اليهود أيضا أمام نصب تذكاري لجنود إسرائيليين خلال المعارك التي دارت لاحتلال حي الشيخ جراح.

في هذا الجو يعيش ناصر الديني النشاشيبي، لذا كان طبيعيا في بداية الحوار معه أن أساله عن الوضع السياسي الحالي، وعن الظرف الدقيق الذي تعيشه القدس، في ظل هجمة سلام عربية، وعدوان إسرائيلي مستمر. فأجاب: quot;لا يزال العرب في مرحلة التوبة، يحاولون طلب الغفران من القدس وأهلها ولا ادري إن كانت القدس أو أهلها سيقبلونquot;.

وأقول له إن العرب ، على ما يرى بعضهم ، يطلبون المغفرة من إسرائيل وليس من القدس، فيجيب:quot;إسرائيل استولت على القدس وفلسطين وتمكنت، وتنفذ سياسة مرسومة منذ زمان ولا عتب عليها ان هي ساومت العرب أو لاعبتهم . أذكر بان بن غوريون قال في شهادته أمام لجنة التحقيق الانجلو أميركية عن فلسطين: quot;هذه بلادنا وقد خططنا لها وعملنا من اجلها منذ 3 آلاف عامquot;.

هل هذا يعني انك متشائم؟ كيف ترى مستقبل القدس بعد 3 سنين أو 5 مثلا؟
مستقبل أي شيء، يعتمد على الشيء نفسه، وإمكاناته واستعداده للحياة، والقدس قادرة أن تعيش إذا تحولت مصدر إيمان يقول لكل مسلم في الأرض أن من لا يؤمن بالقدس لا يؤمن بالله.

.. يتحدث إلى إيلاف
كتب وشخصيات
كيف تنظر الان إلى مشوارك الصحافي منذ أن أصدرت كتابك quot;شباب محمومquot; في القدس عام 1949 وحتى كتابك الأخير quot;كلام يجر كلاماquot; الذي صدر في القدس أيضا عام 2007؟
عشت حياة صحافية متشعبة حافلة، ومتنورة، وملونة، تضم الكثير من الأعمال الصحافية التي يفخر بها كل صحافي، وحصيلة كتبي بلغت 42 كتابا.

هل ندمت على أي شيء كتبته؟
لا لم أندم.

بعضهم يرى أنك صاحب آراء ومواقف متناقضة، مثلا موقفك من اغتيال الملك عبد الله الأول، ثم قربك وصداقتك للملك حسين والبيت الهاشمي في الأردن؟
لا، أبدا أنا لست متناقضا، وعندما أصدرت كتابي quot;من قتل الملك عبد الله؟quot; أردت القول أن من اغتالوه لم يفعلوا ذلك بدافع فلسطيني وطني، انما قتلته أيدٍ عالمية وقرارات دولية. وأنا عرفت القاتل مصطفى عشو، الذي كان جارا لنا في الشيخ جراح، وكان يعمل أجير خياط، وكنت زرته اكثر من مرة في منزله وعرفته جيدا، ولم يكن لديه أي طموح إلى أن يقتل ملكا في يوم من الأيام.

من إذاً اغتال الملك عبد الله؟
هناك دوائر عدة اتفقت في ما بينها للتخلص من الملك عبد الله: دولية، ومحلية فلسطينية، وعربية بذريعة ان الملك خائن وان العرب قتلوه.

هل هناك شخصيات سياسية اختلفت معها بعد اتفاق؟
نعم، توفيق أبو الهدى، الذي فتح معي معركة، وأنا رجل لا اهرب من المعارك، فعندما قتل الملك عبد الله أراد أن يتخلص من كل الذين عملوا مع الملك الراحل، وكنت آنذاك مديرا عاما للإذاعة الأردنية، فنقلني إلى وزارة الإعلام، وطوال عملي في الإذاعة كان يتربص بي ويضع العراقيل في وجهي، ولا يسمح بتحسين الموازنة لإنجاز عمل إذاعي ناجح.

لكنك انتقمت منه شر انتقام، عندما ذكرت ان سبب انتحار أبو الهدى هو عشقه المحرم لابنته؟
هذه حقيقة، وإن كانت قاسية وصعبة.

علياء الصلح
عندما قابلتك قبل اعوام في هذا المكان وسألتك عن المرأة التي احتلت كل موانئك، قلت أنها حبك الأول، ولم تشأ الإفصاح عنها آنذاك، والآن اكرر السؤال؟
احترمت كثيرات، ولكن السيدة التي ما زالت ذكراها باقية وخالدة لدي، هي علياء الصلح، التي امتازت عن الكثيرات من بنات حواء بعمق ثقافتها، وقوة شخصيتها، وبطهرها، وعزتها، وسأبقى دوما أبكي هذه السيدة الوطنية الأديبة.

إذا كنت تحمل لها كل هذا الحب، فلماذا كان الطلاق؟
الطلاق يحدث أيضا بين العشاق، رغم ان الأفضل ألا يحدث، وأحيانا يكون الطلاق مجبولا بالندامة والتسرع والندم.

متى آخر مرة قابلتها، وأين؟
آخر مرة قبل 3 سنوات في بيروت.

هل شاركت في جنازتها ؟
ذهبت إلى بيروت مدفوعا بحبي وإعجابي بها، وكي التقي ولدي، إذ رزقت منها إبنا وابنة، واكون بجانبهما في هذه المأساة، وشاركت في الجنازة وبقيت أسبوعا كاملا هناك.

.. وهنا يبتسم النشاشيبي
سعاد وفاتن وشادية ونجاة
رغم حبك للسيدة الصلح عرفت كثيرات؟
الإشاعات كانت تربط بيني وبين نجمة صاعدة في ذلك الوقت اسمها سعاد حسني، أو فنانة جادة مثل العزيزة فاتن الحمامة، كانت هناك علاقة دائمة بين الصحافي والفنان، كل واحد يسعى إلى الآخر، من منطلق الشهرة وحب الفن.

هل فعلا ارتبطت معهن بعلاقات؟ هل أحببت فاتن الحمامة مثلا؟
لا أنا طرحت على نفسي هذا السؤال، ولا فاتن . ابن فاتن وابني كانا في المدرسة نفسها في جنيف، وكنا نلتقي على ضفاف البحيرة، حيث الهواء والراحة.

وبالنسبة إلى سعاد حسني كيف ترى حياتها ومماتها؟
كانت حياة سعاد سريعة، وغير متكاملة لم تكن تتمتع بأي قسط من الثقافة والتعليم، لذلك كانت حياتها مفاجأة لها أيضا، تصور انك أمام فتاة في العشرين من عمرها في غاية الجمال وفي غاية الذكاء وخفة الدم، ولكنها عاجزة عن كتابة اسمها، وأنا أعلم أن سعاد لم تتزوج عبد الحليم حافظ، وقد قالت ذلك بصوتها المسجل عندي.

عرفت أيضا المطربة نجاة، شقيقة سعاد، هل ربط بينكما شيء؟
نجاة عشقها صديقنا كامل الشناوي، الذي اختلط عليه الأمر فلم يعد يعبد الله فقط، وانما أيضا نجاة الصغيرة، وكتب لها quot;لا تكذبيquot;، عندما رآها في حضن عز الدين ذو الفقار.

وهل كانت نجاة تبادله الشعور نفسه؟
الأستاذ كامل الشناوي، شخصية ظريفة، ولكن كيف يمكن أن تحب نجاة 200 كلغم من الشحم واللحم؟

وماذا عن المطربة شادية، وماذا كان بينها وبين مصطفى أمين؟
مصطفى أمين احب شادية، وأحب شهرة شادية، التي سكنت معه، وعندما كنا نذهب كل يوم ثلاثاء إلى شقة مصطفى أمين في الزمالك، كانت السيدة شادية تسهر على خدمتنا، كان بين الاثنين شيء، رغم إنكار مصطفى أمين.

من إذا عرفت وأحببت من النساء؟
كما قلت كثيرات، ومن بينهن سعاد أبو الهدى، التي كانت ذكية جدا وطموحة جدا، ولكنها لم تصل إلى مستوى علياء الصلح التي أجادت العربية والفرنسية.

هل غضبت السيدة سعاد مما كتبته عن والدها توفيق أبو الهدى؟
نعم، وكانت تعاتبني بسبب هجومي على والدها.

زملاء محترمون
*في كتابك quot;حضرات الزملاء المحترمينquot; لم تترك أحدا من الأسماء الصحافية المعروفة في العالم العربي دون أن تهاجمه، من هيكل إلى موسى صبري وحتى عثمان العمير من الجيل الأحدث، هل كنت تصفي حسابات معهم؟
نعم هو تصفية حسابات، ولكنني لم اهاجم صديقي عثمان العمير.

هل رد احد منهم عليك، أو عاتبك، أو صحح معلوماتك؟
بعضهم حاول أن يشتمني، ولكن من حاول شتمي، كان عليه أن يتعلم الكتابة أولا. مثلا كتب أحدهم هجوما على عائلتي ودورها في القضية الفلسطينية، ونشر هذا الهجوم في صحيفة quot;الحياةquot;، فوجدت نفسي مرغما على الرد، وان أفسر وأبين كيف ضاعت فلسطين، وشرحت الكثير من خبايا القضية الفلسطينية وأرسلت الرد إلى الصحيفة التي كانت قد نشرت رسالة ذلك القارىء ضد عائلتي، ومضت الأيام ولم ينشر ردي، إلى أن جاء لزيارتي أحد رؤساء تحرير صحيفة quot;الحياةquot; وقال لي أنهم لم يتمكنوا من نشر الرد، لأن الأستاذ جهاد الخازن لم يسمح بنشره، فقلت له ان quot;الحياةquot; ليست ملكا للخازن، والأصول الصحافية تقضي بنشر الرد على الاتهامات التي وجهت إلى عائلتي، ولكن ذلك الزميل قال لي ان جهاد الخازن هو المدير المسؤول السري لصحيفة quot;الحياةquot;.

لكننا نعلم ان علاقتك مع الأستاذ الخازن كانت جيدة، وهو من استكتبك في quot;الشرق الأوسطquot; لدى صدورها؟
قبل صدورquot;الشرق الأوسطquot; ذهبت مع الأخوين الحافظ إلى أسبانيا، وقابلنا الأمير، آنذاك، فهد بن عبد العزيز، وسأكشف لك سرا الآن، فالأمير فهد قال أمام الأخوين الحافظ أنه سمح بمنح رخصة لquot;الشرق الأوسطquot; لتصدر خارج حدود المملكة لأنني سأكتب فيها.

ماذا تريد أن تقول بكشفك لهذا quot;السرquot;؟
أردت القول ان وجودي فيquot;الشرق الأوسطquot; كان درع الأمان الذي جعل المملكة تسمح بإصدار quot;الشرق الأوسطquot; في الخارج.

ثم كان الفراق بينك وبين quot;الشرق الأوسطquot;...
كان الفراق بسبب كامب ديفيد، كنت فلسطينيا، وما زلت فلسطينيا، وسأبقى فلسطينيا، رأيت في كامب ديفد كارثة على العرب.

لكن المعروف ان المملكة العربية السعودية عارضت كامب ديفيد؟
هذا صحيح، وأنا بادرت إلى الهجوم على كامب ديفيد، فتنطح للدفاع عنها جهاد الخازن، وأخذ يحاول شطب بعض الأسطر من هجومي، وعند ذلك كان لا بد من الاتصال بأصحاب الصحيفة، واعني الأخوين الحافظ، وقدمت استقالتي، مشترطا رفع يد جهاد الخازن عن مقالاتي.

هل هناك من الصحافيين من وددت أن تكتب عنهم في كتابك، وامتنعت لسبب أو لآخر؟
هناك اكثر من صحافي لبناني، تقصدت عدم الكتابة عنهم، حرصا على الالتزام باحترامهم، أو بعدم إزاحة تراب النسيان عنهم.

عبد الناصر وهيكل
من تجاربك الصحافية التي تفخر بها رئاستك لتحرير صحيفة quot;الجمهوريةquot; لسان حال quot;ثورة يوليوquot;، هل كنت ناصرياً؟ هل ما زلت ناصرياً؟
كنت ناصريا وما زلت ناصريا، إذا كنت تعني بذلك أن تأييد سياسة عبد الناصر العربية في إنقاذ فلسطين، ومحاربة إسرائيل.

أنت ناصري وفي الوقت نفسه ربطتك علاقات وثيقة مع السعودية، التي كانت محورا مختلفا عن محور عبد الناصر في المنطقة، كيف كان ذلك؟
علاقتي بعبد الناصر لم تؤثر في علاقاتي بالسعودية، التي تضم مجموعة رجال كبار وأمراء لا أستطيع أن أقول عن أي أمير منهم، انه اقل حرصا مني على القدس، و(الرئيس المصري الراحل) أنور السادات، كان يحاول أن يصور موقف السعودية مؤيداً لكامب ديفيد وهذا غير صحيح.

توليت رئاسة تحريرquot;الجمهوريةquot;، في حين كان الأستاذ محمد حسنين هيكل، مقربا مثلك من عبد الناصر، وفي الوقت نفسه كان صديقك، لذا جاء هجومك عليه في كتابك غير مبرر؟
هيكل ضحية من ضحايا عبد الناصر، فعبد الناصر نفخ في هيكل اكثر مما يتحمل هيكل، فامتلأ البالون، واصبح هيكل اليوم عند الناس مجرد ممثل، يزور الحقائق، ويروي الأمور على هواه.

هجومك هذا على الأستاذ هيكل، يرى البعض انه يناقض الحقائق، ويدحضه تألق هيكل الدائم، ويجعلهم يقارونك بأنصاف الصحافيين الذي يشنون هجوما على هيكل، نيابة عن حكوماتهم؟
ما كتبته في كتابي عن هيكل ليس جديدا، لأنني كنت نشرت في مجلة quot;الحوادثquot; سلسلة بعنوان quot;ماذا فعل هيكل بأولاد أمين؟ وماذا فعل أولاد أمين بهيكل؟quot;. وبعدما نشرتها، التقيت هيكل في لندن عندما جاء يزورها، كنت ادخل مكاتب quot;بنك الشرق الأوسطquot;، فوجدت هيكل وزوجته يصعدان السلم، تبادلنا التحيات، وخاطبني هيكل quot;ايه اللي عملته فيّ يا ناصر؟quot;، فأجبته quot;لم اعمل فيك شيئا، أنت صحافي، وأنا ما زلت على استعداد لنشر ردك على كل ما ذكرتهquot;، فقال لي هيكل quot;أنا لا أردquot;، فأجبته quot;أنت حر ترد أم لا تردquot;، فقال لي quot;لماذا ذهبت إلى خصومي لتأخذ رأيهم بيquot;، فأجبته quot;وماذا تريدني أن افعل، أن أسعى لزوجتك أو أحد أولادك لأسالهم رأيهم فيك؟ أنت لم تترك مسؤولا واحدا إلا تعرضت له، وبعض هؤلاء من أقربائي، أمثال سامي الصلح، ورياض الصلح، وتقي الدين الصلح، ولم اغضب، هكذا هو هيكل، والان كما اراك في حالة غضب، لأنني تعرضت لعلاقتك مع أولاد أمين، وهم من أوصلوك إلى مستوى الصحافي العالمي، عندما أرسلك علي أمين في جولة حول العالم، وقدمك وزكاك أمام السفارة الأميركية في القاهرةquot;.

وواصلت مخاطبة هيكل: quot;أنا لا أدافع عن مصطفى أمين، ولكنني أدافع عن الحقيقة، هل من الرجولة في شيء أن تقول لابنة مصطفى أمين عندما جاءت لزيارتك في جريدة quot;الأهرامquot;: قولي لأمك ان مصطفى لن يخرج من السجن حيا، وانه سيموت سجينا في ظلام القاهرة؟quot;.

ولكن الا ترى انك تتحامل على هيكل الذي بقي مخلصا لأفكاره واقتناعاته، مسلحا بالوثائق، اللازمة لعمل أي صحافي؟
اعتقد أن لهيكل اكثر من وجه، فمثلا علاقته مع الملك الحسين بن طلال كانت جيدة، ولكن عندما مات الملك، هاجمه هيكل، فعاتبه على ذلك الرئيس محمد حسني مبارك قائلا quot;يا هيكل كيف تشتم شخص الملك الذي سبق أن مدحته؟quot; فاجابه هيكل quot;كل شيء وله ظروفهquot;. وأنا انقل هذا الكلام عن السفير الأردني في مصر الذي سمع هذا
الكلام من الرئيس مبارك شخصيا.

السادات والنشاشيبي
متى كانت آخر مرة زرت فيها مصر؟
آخر مرة عندما تركت مصر، وهاجرت منها، بعد كامب ديفيد، فتبرع أنور السادات، وصادر شقتي في quot;عمارة ليبونquot; بالزمالك، وصادر كتبي وثياب ولدي، وأثاث منزلي، وسيارتي، وسيارة زوجتي آنذاك علياء الصلح، وكل ذلك حقدا من السادات على قلمي الضعيف، لأنني عارضت معاهدة كامب ديفيد، التي سميتها بمعاهدة الدنس والخزي والعار.

من من الصحافيين الذين تأثرت بهم وتعتبرهم أساتذتك؟
انطون الجميّل رئيس تحرير quot;الأهرامquot;، والدكتور محمود عزمي، ومحمود أبو الفتح الذي اعتبره quot;لورد الصحافة العربيةquot;.

ومن من الصحافيين تعتبرهم من تلامذتك؟
اشعر بالسعادة عندما اعلم بان هناك صحافيين معجبين بأسلوبي، وأنا فخور بوجود من يعتبرون أنفسهم تلامذتي، متأثرين ليس فقط بأسلوبي ولكن أيضا بأخلاق الصحافي الشريف والوطني والملتزم.
اسمع يا صديقي، لو لم اكن أنا كذلك لما جاء عبد الناصر، واسند إلي رئاسة تحرير صحيفة quot;الثورةquot;، وهو يعلم اني غني عن الغنى، ولا أمد يدي لاحد، ولا اعرف غير الصدق والجرأة.

خلال تجربتك في quot;الجمهوريةquot; التي استمرت 12 عاما، زاملت الرئيس أنور السادات، الذي اختلفت معه لاحقا..
نعم، وكان السادات كلما رآني اعلق ربطة عنق جديدة على صدري، يطلبها، ويأخذها لنفسه.

ما هي انطباعاتك التي كونتها عنه من خلال تجربتك معه، وهل كنت تتوقع أن يصبح زعيما لاكبر دولة عربية؟
باختصار، السادات كان مهرجا، وسلوكه وشخصيته لم ينبئا عن زعيم لدولة مثل مصر.

ماذا عن عبد الحكيم عامر؟
عامر أيضا وجميع أعضاء مجلس الثورة كانوا دون شخصية عبد الناصر، عامر رجل عسكري، نراه يقع في غرام برلنتي عبد الحميد، ويلتفت إلى عش الغرام، بدلا من الالتفات إلى المعارك الدائرة على ضفاف السويس.

زمن القدس الجميل
أنت تعيش في القدس وترى يوميا ما يجري لها، وهذه المدينة التي ظهر فيها أديب العربية إسعاف النشاشيبي وخليل السكاكيني، نراها الان شبه عقيمة، كيف تراها الان؟
بالنسبة إلى لماضي لم تأت شخصية بمثل عظمة إسعاف النشاشيبي وخليل السكاكيني، حتى ان الرصافي عندما جاء إلى هنا أوائل القرن العشرين، واقام في دار النشاشيبي، كتب قصيدة مطولة قال فيها:
وكان فيها النشاشيبي يسعفني
وكنت فيها خليلا للسكاكيني

وفي فترات لاحقة كانت القدس محجا لرجال الفكر والأدب والفن، ماذا تذكر عن تلك الفترة؟
القدس عزيزة جدا علي، لأنها بلدي وترابي، ولانها الشاهدة على أحزاني وأفراحي، كثيرون آتوا الي إلى القدس مثل الصديق إحسان عبد القدوس، وهيكل أيضا الذي استقبلته في مطار قلنديا، وادخلته البلاد بدون جواز سفر وبلا تأشيرة، عندما جاء لتغطية الأحداث بعد اغتيال الملك عبد الله الأول، ونزل في بيتي.
كثيرون كانوا يأتون إلى القدس، مثل فريد الأطرش، واسمهان، وعبد الوهاب وغيرهم كثيرين.

ماذا تذكر عن بعض هؤلاء؟
عبد الوهاب زارني في بيروت، وكانت والدتي معي هناك، وكما هو معروف هو صاحب لحن quot;ست الحبايبquot;، فغناها لامي، ورحم الله علياء الصلح، التي كانت سعيدة بمجيء الأستاذ عبد الوهاب، وان يغني في منزلي، على مسمع من نهلة القدسي quot;بفكر في اللي ناسينيquot;. وكان آنذاك يمر بأزمة عاطفية، بسبب الفراق مع زوجته الأولى، والدخول في دوامة نهلة القدسي.

لمن تسمع الان من المطربين؟
اسمع عبد الوهاب، ووديع الصافي، واسمهان، ونجاة الصغيرة، وجورج وسوف.


ما هي تحفظاتك على الطريقة التي تم فيها تناول التاريخ المعاصر للحركة الوطنية الفلسطينية، وتاريخ القدس جزء منها، والذي أفضى إلى نكبتي 1948 و1967، ونكبات لاحقة؟
كثيرون يكتبون التاريخ على هواهم، ويتعمدون الإساءة إلى كل من لم يسر في ركاب الحاج أمين الحسيني، ولا يجوز أن تروى قصة الثورة الفلسطينية بأقلام جماعة يعيشون في أميركا، ومعروفين بانتمائهم إلى جهات معينة، حتى لو كانوا يدعون الحياد، وأنا أقول بان صديقي وليد الخالدي وزميلي في العمل تحت لواء موسى العلمي قد يكون من الشخصيات العلمية البارزة، ولكن مع الآسف فان وليد الخالدي، وابنه، لا يكتبان إلا لما هو خدمة لعائلة الخالدي، وكأنه ليس في فلسطين غير احمد سامح الخالدي وحسين الخالدي، وفي كل مناسبة، وبدون مناسبة يعودان إلى معركة رئاسة بلدية القدس، في العشرينات بين راغب النشاشيبي، وحسين الخالدي، دون الالتفات للأمور الجوهرية.

ناصر الدين النشاشيبي
علياء الصلح مرة أخرى
هل تفكر بكتابة مذكراتك؟
أنا ضد أن احشر كل مذكراتي في مجلد واحد، لقد وزعت مذكراتي على اكثر من كتاب، وفي كل منها، كنت انشر جزء من مذكراتي وذكرياتي، واسرد ما اعرفه عن بعض الشخصيات العربية والأمنية والسياسية.

ماذا تكتب اليوم؟
أنا مصاب هذه الأيام أصبت بهزة عاطفية، بسبب وفاة السيدة علياء الصلح، التي اكن لها كل تقدير واحترام واجب.

هل تفكر في الكتابة عنها؟
نعم سأكتب عن السيدة علياء كتابا.

وهل سيكون فيه جديدا، وثائق وصورا نادرة مثلا، ومتى سيصدر؟
نعم، وسيصدر خلال شهر.

صور النشاشيبي بعدسة الزميل أسامة العيسة