العالم التونسي في الناسا يؤكد:
الإنسان سيغادر الأرض نحو كواكب أخرى

الدكتور محمد الأوسط العياري
علي إبراهيم من تونس : يحدث أن نلتقي نجوم الفن والثقافة والرياضة والسياسة ونسعد بذلك، لكن عندما نلتقي أحد أهم علماء الدنيا اليوم ينتابنا إحساسا إستثنائيا بهيبة العالم ونظرته المتزنة للحياة والكون وايمانه اللامحدود بقدرة الإنسان. عندما إلتقيت الدكتور محمد الأوسط العياري أحد أهم علماء وكالة الفضاء الأمريكية اليوم وجدته رجلا بسيطا، خجولا ومتواضعا، لكنه محاور متزن يتثبت مفرداته ودقيقا في إجاباته. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الدكتور محمد الأوسط العياري هو من عائلة الدكاترة الستة كل في إختصاصه، أما والده فهو الشيخ الجليل المرحوم عثمان العياري أحد أهم أساتذة كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الزيتونة ومصحح أغلب المصاحف التي طبعت في حياته في تونس، وأمه هي الخالة نفيسة إمرأة مناضلة ضحت بحياتها من أجل أبنائها فحققوا جميعهم التفوق والتميز. هذا وتجدر الإشارة أن الدكتور أوسط متزوج من أمريكية وله منها سارة وعثمان. أحببت أن أسأله عن كل شيء لكن لابد للقاء من نهاية على أمل أن يتجدد قريبا بعد أن يعلن إنجازاته العلمية الجديدة.

دكتور أوسط، أولا لماذا الإختيار على إختصاص الميكانيك التطبيقية ولماذا السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟
لما أكملنا الدراسة بالمدرسة العليا للمهندسين بتونس، صدفة جاءت فكرة مواصلة الدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية وكنت أرغب في مواصلة البحث والتعمق في الإختصاص الذي بدأته بالمدرسة العليا للمهندسين وتمت الأمور بشكل يسير.

ولماذا الإختيار على جامعة كولورادو بالذات؟
في بادئ الأمر توجهت إلى جامعة أخرى فاكتشفت أن البرنامج التكويني ضعيف ولا يرقى إلى مستوى ما أريد فغيرت وجهتي إلى جامعة كولورادو لأنها من أكبر الأقطاب الجامعية في العالم في إختصاص الميكانيك التطبيقية.

وماهو محور إهتمامك في بحث الدكتوراه؟
إشتغلت على تشقق المواد العضوية والهندسية عبر متابعة أثر الثقل المسلط عليها، بدأت في هذا الميدان ثم توزع إهتمامي إلى ميادين أخرى مثل هندسة الأشكال تحت أرضية.

هذا تم بطلب من إحدى الجامعات الكندية لضبط خاصيات البيوت الجوفية والهياكل تحت أرضية لخزن أو دفن النفايات النووية حتى ذوبانها نهائيا؟
كان هذا هو المطلوب، وتم ذلك بين 1988 و1991 بنجاح.

وماهي إنعكاسات هذا النجاح على مسارك البحثي؟
الحلّ الذي توصلنا إليه من خلال الفهم الدقيق لكيفية وضع هذه النفايات والتعاطي معها لتفادي مضارها وآثارها الخطيرة مثل حدثا لدى الكثيرين وفتح لنا أبواب العمل على نطاق أوسع وبإمكانيات أكبر للبحث.

هل إتفق العلماء على إعتبار quot; سيدنا quot; الكوكب العاشر ضمن المجموعة الشمسية؟
هذه المسائل تتطلب بعض السنوات لإقرارها، فبلوتو أيضا لم يتم حسم مسألة إعتباره كوكبا أم لا، ولدينا برنامجا لإرسال عربة تصل سنة 2015 لإعطائنا مزيدا من التفاصيل لأن الصور التي حصلنا عليه من خلال التيليسكوب quot; هابل quot; كانت ضعيفة وغير دقيقة بالشكل الذي نريد.

وكنت قد أصلحت العطب الذي طرأ على المرآة العاكسة quot; لهابل quot;؟
نعم، وكان ذلك أول تعاطي مع الهندسة الفضائية.

يوم 4 كانون الثاني 2004 لم يكن عاديا في حياتك؟
يوم وصول أول صور ثلاثية الأبعاد من المريخ بفضل نجاح نزول وعمل عربتين فضائيتين : quot; سبيريت quot; و quot; أوبورتونتي quot;، ورغم أن البرنامج المقرر هو أن تبقى العربات تشتغل لمدة ثلاثة أشهر لكنها تجاوزت الثلاث سنوات ومازالت تعمل بنجاح وترسل إلينا صورا علمية دقيقة، وهي في الحقيقة تطورات ايجابية لم نكن نتوقعها، لأن المناخ غير ملائم، فدرجة الحرارة في المريخ تنزل في الليل إلى ما دون 73 درجة وفي النهار تصل إلى ما تحت 20 درجة شتاء.

لماذا كل هذا الإهتمام بكوكب المريخ؟
وحتى نصل إلى المريخ تمتد الرحلة بين 4 و7 أشهر حسب موقعه في تلك الفترة، لكن الهام في هذا الأمر هو أن المريخ قريب في شكله من الأرض وماحدث له يعطينا فكرة على مايمكن أن يحصل للأرض. فدراسة المريخ هامة جدا، مثل تاريخ المياه على هذا الكوكب وتاريخ الحياة وإمكانياتها أيضا.

هل لديكم أمل كعلماء في إمكانية إستيطان الإنسان المريخ مستقبلا؟
نعم، لكن إذا إستوطن الإنسان المريخ سوف لن يكون بشكله الحالي، إذ لابد أن يتطور في إتجاهات أخرى.

قلت ذات مرة، الإنسان سيتمدد نحو الكواكب الأخرى، ماذا تقصد بهذا؟
عندما تنظر في الفضاء ترى النجوم التي لها بداية ونهاية، فنحن سنغادر الأرض والمدار الشمسي في يوم من الأيام لكننا سنغادر ونحن بأشكال مغايرة لما نحن عليه اليوم. ما أقوله ربما يحدث بعد مئات آلاف السنين أو ملايين السنين القادمة، فالحياة على الأرض تغيّرت عدة مرّات.

الأم نفيسة تتوسط أبنائها وزوجاتهم
مرّت بعصور مختلفة؟
نعم، وهذا العصر، هو عصر الأمان والإستقرار.

لكن هنالك زلازل مدمرة وأعاصير جارفة وبراكين ثائرة ... على الأرض، وأنتم كعلماء تتسابقون في غزو الفضاء وإستكشاف الكواكب والمجرّات، ألا ترى بأنكم مطالبون بتقديم إجابات على هذه الأسئلة أولا؟
خروجنا للفضاء سعي لفهم ما يقع على الأرض، ولا يعني أننا نريد فهم ما يقع على الكواكب الأخرى فقط وإنما معرفة وفهم ما يحدث على الكرة الأرضية، ونحن نشتغل على البحار والمناخ وغيرها من المواضيع الأخرى، ثم أن تاريخ المريخ هام جدّا، ولابد من معرفة الأسباب التي منعت من تواصل الحياة على المريخ حتى نفهم مصير الأرض عند تغيّر درجات الحرارة بفعل الإحتباس الحراري الذي يمثل الملف رقم واحد في مختلف المؤتمرات الدولية سياسية كانت أو إقتصادية أو إجتماعية.

السلطات الأمريكية أجرت تعديلات على مواصفات بناء الجسور والسدود إنطلاقا من نتائج بحث أجريتموه منذ مدة، فهل أن التفاعل بين نتائج البحث والحياة المدنية سريع دائما في أمريكا؟
نعم، القوانين الهندسية التي ينتجها العلم تأتي بحلول وإجابات على أسئلة تحيّر الناس وبالتالي فهي جعلت لخدمة الإنسان في حياته اليومية.

منحتك جامعة quot; مانيتوبا quot; الكندية لقب أستاذ محاضر مدى الحياة منذ 1993، هذا إمتياز علمي غير عادي ولا يحدث كثيرا، أليس كذلك؟
(يضحك) نعم، وكانت فرصة سعيدة جدا بالنسبة إليّ، لأن جامعة quot; مانيتوبا quot; منحتني إمكانيات كبيرة كباحث لإنجاز مشاريعي، فتفرغت للبحث وتخرج على يدي 12 طالبا بدرجة الدكتوراه.

هل كان من بينهم طلبة عرب؟
نعم، طالب سعودي وطالبان من ليبيا والبقية من أمريكا وكندا.

وزملائك في مركز البحث التابع لوكالة الفضاء الأمريكية quot; الناسا quot; ماهي جنسياتهم؟
كلهم من أمريكا، لكن الرابط بيننا كعلماء وباحثين هو الكفاءة العلمية لا غير.


ماهو محور إهتمامك الآن؟
جهاز الليزر، سيستعمل بطرق جديدة في المستقبل القريب، وهي أجهزة تتطلب أدوات دقيقة جدّا مثل المرآة التي تقوم بتحويل الأشعة الدقيقة جدا في مكانها وحركتها، فوضعنا الحلول لهذه المسائل وإن شاء الله خلال ثلاث سنوات أو أقل ستسمعون بهذا الجديد.

هل هنالك تعاون بينك وبين مؤسسات بحثية تونسية وعربية؟
نحن على صلة ببعض المؤسسات ونأمل أن يتدعم ذلك في المستقبل القريب وأنا على إستعداد تام لذلك.

عديدة هي الحوادث التي حصلت في تاريخ غزو الفضاء فكانت الخسائر البشرية والمادية، ألم يؤثر ذلك على علاقة العلماء بمجال البحوث الفضائية؟
كل الصعوبات والحوادث التي تقع نبحث فيها بشكل عميق حتى لا تتكرر، وأعتقد أن مثل هذه المسائل يصعب أن تحدث مستقبلا.

أنت أحد العلماء الذين يعملون على فهم الكون والفضاء، لكن ألم تراودك فكرة أن تكون أحد رواده مرة من المرّات؟
عندما كنت صغيرا راودتني الفكرة، لكن فهمي لهذه المسألة يرتكز على أن الجسد البشري خلق كي يعيش على الأرض وإذا فكرنا في الفضاء الخارجي يمكن أن نذهب إليه بجسد مغاير ... ربّما، ومادام بالإمكان إرسال مركبات فضائية تساعدنا على التقدم في البحث فلا أرى ضرورة في ذلك.

ماهي مشاكل الأرض في علاقتها بالفضاء الخارجي اليوم؟
هنالك العديد من النيازك وبقايا الأقمار والكواكب التي تسبح وهنالك من ألقى آلاف المسامير، فهنالك تلوث كبير، أما اليوم فنظرة العلماء تغيرت وهنالك قوانين تنظم هذه المسائل.

ماهي أحلامك العلمية؟
هل يأتي اليوم الذي نتمكن فيه من توليد الطاقة على سطح القمر ونوجهها إلى الأرض، حبذا لو نحقق هذا في السبعين سنة القادمة، عندها نوفر طاقة نظيفة ونتجاوز المشكل الكبير المتعلق بالطاقة، خاصة وأن القمر ليس فيه هواء يمكننا أن نركز تجهيزات تساعد على توليد الطاقة ونحولها إلى الأرض.
هذا ممكن؟
نعم، لكن يلزمنا شيء من الوقت وكثير من المال، وأعتقد أن هذا من أقرب الحلول الخاصة بالطاقة، كما أنه لابد من تحصين الأرض من النيازك وكل ما يهدد أمنها وسلامتها بالعمل الدائم على تحويل وجهة هذه الأجسام الخطرة حتى لا تسقط على الأرض.

شكرا لكم دكتور، هل تعدنا بلقاء آخر لتقديم مستجدات البحث العلمي المتعلق بالفضاء؟
بكل سرور، وشكرا على إهتمامكم بمثل هذه المسائل التي لابد أن تكون مجال إهتمام ومتابعة من قبل الشباب على وجه الخصوص حتى يفهموا أين هم؟ وماهو مستقبلهم؟ وكيف يمكن أن يساهموا في تحديد ملامحه.


[email protected]

تعاليق الصور:
الصورة 1:
الصورة 2: