دوامة من السجال السياسي والاعلامي حول الاجانب والاندماج
هل يفجر السجال حول أبناء المهاجرين التحالف الحاكم في ألمانيا؟

محمد مسعاد من برلين: يبدو أن السجال السياسي في ألمانيا حول نزعة العنف والجريمة لدى الشباب، خصوصا الشباب من أصول مهاجرة بدأ يهدد بانقسام المجتمع الألماني إلى قسمين، واحد يرى أنها خاصية مرتبطة بالشباب من أصول مهاجرة وبالتالي ضرورة تشديد العقوبات واللجوء حتى إلى الترحيل إذا ما لزم الأمر ذلك. وقسم آخر يدعو إلى التريث والتعامل مع الظاهرة على أنها ظاهرة عامة تهم الشباب والناشئة بغض الطرف عن أصولهم. ولقد تحول النقاش حول هذه المسألة في اليومين الأخيرين إلى ما يشبه حلبة للصراع السياسي بين الأحزاب السياسية من جهة و مختلف المتدخلين في هذا المجال من جهة ثانية، بل حتى الطائفة اليهودية دخلت على الخط واعتبرت أن تصريحات رئيس ولاية هيسن رولاند كوخ والذي ينتمي للحزب المسيحي الديموقراطي أنها قريبة من شعارات الحزب الوطني الألماني، حزب النازيين الجدد.

المستشار السابق غيرهارد شرويدر هو الآخر انتقد رئيس ولاية هيسن وفي الاطار نفسه دعا رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي كورت بيك أن هذا النقاش سيقسم المجتمع إلى شطرين إذا شعر عدد من المواطنين الذين يدينون بديانات أخرى أو الذين لهم أصول أخرى بالعزلة. وذهب بيك إلى دعوة الحكومة الألمانية إلى عقد مؤتمر آخر للاندماج. ومن دون شك أن هذا السجال سيتطور ككرة الثلج ولا أحد في ألمانيا على علم بنهاية هذا السجال الذي حاول رئيس ولاية هيسن استغلاله كشعار لحملته الانتخابية التي ستشهدها ولايته في آخر الشهر، فإذا به يحول البلاد إلى صفيح ساخن ستكشف الأيام القادمة عن حممه الذي قد تحرق السلم الاجتماعي الذي يتميز به المجتمع الألماني.

لقد تميزت سنة 2007 في ألمانيا بعدد من الاجراءات والمبادرات تصب في إطار تعزيز سياسة الاندماج التي تسنها الحكومة الألمانيا منذ سنة 2005، سنة دخول قانون الأجانب حيز التطبيق. وحاولت الحكومة الاتحادية والحكومات سن قوانين واتخاذ اجراءات تصب كلها في خانة الاعتراف بأن ألمانيا دولة هجرة من جهة، وأنها واعية بضرورة تعبيد الطريق لمواطينيها من أصول مهاجرة من جهة أخرى. وفي هذا السياق عقد مثلا مؤتمر الاندماج تحت إشراف المستشارة الألمانيا أنجيلا ميركل لبحث عدد من القضايا العالقة في هذا المجال خصوصا تجاه فئات عريضة من المواطنين يدينون بالاسلام. نفس السنة شهدت ادخال بعض التعديلات على قانون الهجرة الذي بدأ العمل به منذ يناير 2005، وهي التعديلات التي جاءت بناءا على تقييم جميع الفاعلين والمتدخلين في مجال الهجرة والاندماج لهذا القانون، وذلك من أجل سد الثغرات التي طفت على السطح من جراء تطبيقه على أرض الواقع. لم يكن هذان الاجراءان الوحيدان في هذا المجال بل انطلق في عدد من الولايات الألمانية ما يعرف بمخططات جهوية للاندماج، ساهم في وضع تصوراته العديد من الفعاليات والجمعيات و المسؤولين المحليين لهذه الولايات.

إجمالا يمكن القول أن سنة 2007 هي سنة الأجانب بامتياز في ألمانيا، غير أن الملاحظة التي يمكن استخلاصها هو أنه أمام كل هذه الاجراءات و المبادرات التي شهدتها السنة الفارطة فإن الألمان ودعوا السنة نفسها على إيقاع مختلف تماما عن هذه الوتيرة. لقد تميزت نهاية السنة بسجال كبير على المستوى السياسي والاعلامي حول الأجانب وسياسة الاندماج. وانطلق هذا السجال بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء ولاية هيسن رولاند كوخ عندما صرح لاحدى وسائل الاعلام أكثر رواجا في ألمانيا قائلا:quot; لدينا عدد كبير من المجرمين الأجانبquot;. لم يكن هذا التصريح سوى ردة فعل على حادث شهده إحدى القطارات الأرضية بمدينة ميونخ بجنوب البلاد. ويتعلق الأمر بهجوم شابان يتراوح سنهما بين 17 و20 سنة، واحد من أصول يونانية والآخر من أصول تركية على رجل تعليم متقاعد في النفق الأرضي وأشبعوه ركلا وضربا كاد أن يفقد حياته من جرائها.

وتحكي وسائل الاعلام الألمانية بناءا على تصريحات شرطة ميونخ أن الحادث جاء جراء خصام في إحدى مقصورات القطار الأرضي بين الرجل الذي طلب إلى الشابين التوقف عن التدخين داخل المقصورة، لكون التدخين ممنوع. فلم يكن من الشابين إلا أن تهجما عليه بالسب والكلام النابي وتعقباه عندما غادر القطار ليتهجما عليه. لم يكن الحادث سوى شماعة استغلها بعض الساسة الألمان خصوصا من تحالف الاتحاد المسيحيين الديموقراطي والاجتماعي في مقدمتهم رئيس وزراء ولاية هيسن كي تدخل البلاد في دوامة من السجال السياسي والاعلامي والقانوني حول الأجانب وسياسة الاندماج. لقد كان رولاند كوخ يتصيد الفرصة كي يحتل هذا السجال صفحات وسائل الاعلام، وهو الذي يستعد للدفاع على سياسته أمام الناخبين في نهاية الشهر الحالي من خلال انتخابات الولاية التي يترأسها، وذلك بعدما بدأ يشتم رائحة الخسارة الانتخابية التي قد يمنى بها حزبه.

ومعروف أن رولاند كوخ يوجد على رأس هذه الولاية منذ 8 سنوات وأن حزبه المسيحي الديموقراطي يسير شؤون هذه الولاية بأغلبية مطلقة. لقد بات كوخ متأكدا أنه سيفقد الأغلبية التي تسمح له الانفراد بتسيير أمور الجهة. و ليس غريبا عليه أن يجعل من المهاجرين وقضاياهم ورقة انتخابية يستميل بها الناخبين. وهو الذي صرح قبل أسبوع من الحادث لنفس الصحيفة أن الاندماج و الوضع الأمني بالبلاد هما قضيتان انتخابيتان بامتياز. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا الوضع، هو ما مدى شرعية وأخلاقية تحويل حادث من هذا النوع إلى حصان طروادة الذي ينتظر أن ينجي الساسة من خسارة انتخابية. لقد نجح كوخ في تحويل البلاد إلى نوع من صفيح ساخن من السجال حول الأجانب وسياسة الاندماج من جهة وبين قضية قديمة تسترعي اهتمام المجتمع حد القلق وهي عنف الشباب القاصر وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة.

لقد سبق لهذا السياسي أن نجح في استمالة ناخبي ولاية هيسن قبل ثماني سنوات عندما استغل النقاش الذي كان وقتها يسيطر على الساحة السياسية الألمانية والمتعلق بازدواج الجنسية، حيث أنه الألمان وقتها كانوا غير مستعدين نفسيا لتقبل هذه الوضعية القانونية، فما كان من السيد رولاند كوخ إلا أن طرح فكرة تجميع التوقيعات ضد هذه القضية التي تحولت من لوائح ضد ازدواجية الجنسية إلى توقيعات ضد الأجانب، حيث أوردت وسائل الاعلام آنذاك أن عددا من الألمان وخصوصا المتقاعدين والمسنين كانوا يتقدمون إلى الخيم التي نصبت لهذا الغرض بالسؤالquot; أين نسجل أسماءنا ضد الأجانبquot;. لقد نجح حينها كوخ وحزبه من تسجيل الانتصار ووضع حد لتحالف سياسي بين الاشتراكيين الديموقراطيين وحزب الخضر والذي عمر لعقود طويلة. إنها الاستراتيجية نفسها التي يجربها من جديد هذا السياسي الذي يحاول أن يداري على فشله في الوفاء بالتزامات انتخابية بمحاولة جلب تعاطف الناخبين بالتركيز على نقطة ترتبط باشكالية التنشئة الاجتماعية لجيل بكامله ولا علاقة للأمر بأصوله الهجروية.

إن كوخ و أصدقاءه من أحزاب اليمين يعرف تمام أن قضية عنف القاصرين و الأوضاع الأمنية تشكلان قلقا حقيقيا ليس فقط للمجتمع الألماني بل لكل المجتمعات المعاصرة، غير أنه يلعب على حبل عواطف المتقاعدين والمسننين لأنهم هم الذين يحسمون المعركة الانتخابية لهذا السياسي أو ذاك.
لقد كان من تداعيات هذا الوضع أن توالت التصريحات من سياسيين و كريمونولوجيين وقضاة و جمعيات. وطبعا وجد كوخ من يدافع على فكرته حد الاسفاف، وكانت البداية من زميله في الحزب ورئيس كتلته البرلمانية على المستوى الاتحادي فولكر غاودا الذي تفنن في اعطاء هذا الموضوع بعدا قانونيا و سياسيا وذلك بمطالبته بضرورة إحداث معسكرات للتربية والتأهيل للشباب القاصر ذو ردود الفعل العنيفة. لتتوالى سلسلة التصريحات بين معارض ومؤيد أخذت جلها طابع السجال السياسي ذو الخلفية الانتخابية.

فالحزب الاشتراكي الألماني وعلى رأسه نائب المستشارة ووزير خارجية ألمانيا فالتر شتاينماير ووزيرة العدل سيبروس عارضوا جميعا وبشدة هذه الاقتراحات واعتبروها شطحات من الحزب اليميني هدفها جني انتصار انتخابي. أما زملاء كوخ وقيادة حزبه واخوانهم بالرضاعة في الحزب المسيحي الاجتماعي والذين يسيرون ولاية بفاريا بطريقة شبيهة بالملكية الديموقراطية فكانوا أكثر تصعيدا عندما طالبت وزير العدل بولاية بفاريا بضرورة تشديد العقوبات القانونية وذلك برفعها إلى خمسة عشر سنة بدل عشر سنوات لأنها quot;لم تعد كافية لحماية الناس من الشباب والناشئة بالشكل المطلوبquot;. أما رئيس الولاية نفسها بيك شتاين ورئيس الحزب نفسه تجاوزا زميلتهما إلى المطالبة بتسريع ترحيل وطرد الشباب الذي يقوم بأعمال اجرامية.

فطرد هؤلاء هو الحل في نظره إذاما فشلت معهم سياسة الاندماج. ويبقى السؤال هنا ما هو ذنب تركيا أو اليونان أو حتى المغرب في استيراد شباب لم تكن هذه الدول مسؤولة عن تنشئتهم الاجتماعية. شباب ولدوا بألمانيا وترعرعوا فيها و درسوا في مدارسها وعند ارتكابهم لأي جنحة أو جريمة يتم ترحيلهم فقط لأنهم من أصول أجنبية وهذا ما دفع عالم الكريمينولوجيا كريستيان بففايفه للرد على هذه التصريحات بقوله: quot;إن هؤلاء الشباب هم من صنع محليquot; فهو يرى ان عنف هؤلاء الشباب هو نتيجة فشل الدولة في توفير امكانيات النجاح الدراسي لهؤلاء الشباب، وأنه لا علاقة لهذا بأصولهم. لذلك طالب بففايفه بالاسثتمار في المدارس وليس في سجون جديدة. فحتى نقابة الشرطة وجمعية القضاة انتقدتا هذه الاقتراحات حيث اعتبرت جمعية القضاة أن النقاش مبالغ فيه.

لا شك أن هذا النقاش وجد ظالته في أجندة الساسة الانتخابية، والذي حتما سيرتفع إيقاعه في ولاية هيسن على الأقل إلى غاية 27 من هذا الشهر تاريخ الانتخابات البرلمانية، حيث اتهمت منافسة رولاند كوخ حملة هذا الأخير بغير الأخلاقية. والملاحظة التي نود أن نختم بها هنا هو أين العرب والمسلمين وجمعياتهم من هذا النقاش ففي الوقت التي نددت فيه جمعيات الأتراك بهذه التصريحات لا يكاد المرء هنا في ألمانيا أن يسمع بموقف صادر عن منظمة عربية أو اسلامية.