عبد الخالق همدرد من اسلام اباد:

الحكومة تزود فضل الرحمن برسم تقريبي لمهاجم محتمل
لا شك في أن قضية اغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني ورئيسة وزراء باكستان السابقة مرتين بينظير بوتو في 27 من شهر ديسمبر 2007 م ستحتل المكانة الأولى في القضايا الوطنية الباكستانية بسبب أصدائها القوية على الصعيد الدولي فضلا عن الأجواء السياسية الساخنة على الساحة الداخلية.

وكان الرئيس مشرف رفض أي مساعدة دولية في بداية الأمر في إجراء تحقيق حول ذلك الاغتيال على الرغم من ضغوط دولية ومطالبة ملحّة من جانب حزب بينظير بوتو بإجراء تحقيق حر تحت لجنة أممية على غرار التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وفي نهاية المطاف أبدى الرئيس عدم اطمئنانه حول التحقيق الذي بدأت فيه الأجهزة الأمنية الباكستانية وطالب بريطانيا بإرسال فريق تحقيق من شرطة إسكوتلاند يارد لمساعدة الأجهزة الباكستانية.

لماذا دعيت إسكوتلاند يارد ؟

طبعا إن مشرف يبرر نزاهة ذلك التحقيق بدعوة إسكوتلاند يارد إلى باكستان إلا أن الخبراء يرون أن ذلك الأمر لم يكن برغبة منه بل بسبب الضغوط الدولية عليه. والجدير بالذكر أن حزب الشعب كان طالب باستعانة إسكوتلاند يارد في تحقيق كارثة 18 أكتوبر عام 2007 م التي أودت بحياة أكثر من 150 مواطنا وخلفت مئات من الجرحى عندما تعرض موكب بينظير بوتو الاستقبالي لانفجارين قويين بمدينة كراتشي يوم عودة بينظير من منفاها الاختياري إلى البلاد تحت صفقة مع الجنرال مشرف. وكان مشرف رفض ذلك الطلب واصفا إياه معارضا لاستقلالية البلاد. والآن انعكس الأمر ويعارض حزب الشعب إسكوتلاند يارد ويطالب بتحقيق أممي متسائلا إذا كانت مساعدة إسكوتلاند يارد في تحقيق كارثة
كراتشي ضد استقلالية البلاد فكيف أصبحت الآن في صالح البلاد؟

موقف حزب الشعب الباكستاني حول التحقيق في اغتيال بوتو

من جهة أخرى فإن حزب الشعب طالب بإجراء تحقيق بمساعدة من فرنسا تحت رعاية الأمم المتحدة؛ بيد أن وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنر رفض إمكانية ذلك الأمر خلال لقائه مع وفد من حزب الشعب ترأسه السناتور أنور بيك رئيس لجنة التنسيق الخارجي لحزب الشعب الباكستاني مبررا بأن الأعضاء الدائمين للأمم المتحدة قد يعارضون تلك الفكرة مضيفا أن الأمم المتحدة لا تستطيع التدخل في شأن لا يكون طرفاه دولتان. أما السناتور أنور بيك فإنه لم يدل بأي تفاصيل في هذا الصدد.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الباكستانية تريد تحقيقا تقوم به أجهزتها بمساعدة من إسكوتلاند يارد في حين يطالب حزب الشعب بإجراء تحقيق تحت رعاية الأمم المتحدة على غرار تحقيق اغتيال رفيق الحريري.

الأمم المتحدة والتحقيق في قضية بينظير بوتو

ويرى خبراء قانونيون أن الأمم المتحدة ليس بوسعها التدخل في هذا الشأن إذ القضية لا تهم سوى باكستان وليس لها علاقة بدولة أخرى. في حين كانت قضية الحريري تهم دولتين. ومن هذا المنطلق لا تستطيع الأمم المتحدة القيام بأي تدخل أو تقديم أي مساعدة دون طلب من الحكومة الباكستانية الجهة المسؤولة عن إجراء التحقيق ومعاقبة المجرمين حسب قوانينها الوطنية.

أما حزب الشعب الباكستاني فهو يرى القضية من زاوية أخرى مع اعترافه بصلاحيات الأمم المتحدة في هذا الصدد. ويوضح السناتور بابر أعوان سكرتير الشؤون المالية لحزب الشعب الباكستاني وأحد كبار زعمائه وأحد المحامين المحترفين موقف الحزب قائلا: quot; يقول برويز مشرف ان ليس لديه شيئا يخفيه حول اغتيال بينظير بوتو، فماذا يمنعه من دعوة الأمم المتحدة لإجراء تحقيق؟ quot;.

غنوى بوتو والحكومة ترفضان طلب حزب الشعب

هذا الاقتراح مرفوض من جانب الحكومة الباكستانية كما أن غنوى بوتو- أرملة شقيق بينظير بوتو وخصمها السياسي مرتضى بوتو الذي اغتيل بمدينة كراتشي في حين كانت بينظير رئيسة وزراء البلاد - ترى أن تحقيقا أمميا في اغتيال بينظير بوتو سيزيد الطين بلة وأنه لن يكون ذا جدوى. وتبرر لرأيها بوضع لبنان الذي تدهور أكثر بعد تشكيل الأمم المتحدة لجنة تحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري.

وترى الحكومة أن المطالبة بتحقيق أممي لا تمت إلى منطق حيث يقول الفريق المتقاعد حامد نواز وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية إنهم طالبوا بمساعدة أجنبية فقد لبينا ذلك الطلب ودعونا إسكوتلاند يارد. والآن يطالبون بلجنة تحقيق تحت رعاية الأمم المتحدة وغدا سيقولون لا نقبلها ويطالبون بلجنة تحقيق روسية وهلم جرا...

هل ستغير المطالب شيئا من الواقع؟

إن الحرب الكلامية وتكرار المطالب لن يغير من الواقع شيئا؛ لأن التحقيق قد بدأ على أساس الدلائل الجنائية المتواجدة لدى الأجهزة الباكستانية. وفي حين يتهم حزب الشعب الباكستاني الحكومة بالقضاء على الدلائل الجنائية بغسل موقع الحادث خلال ساعتين بعد الحادث؛ ترفض الحكومة ذلك وتقول إنه قد تم الاحتفاظ بالدلائل الجنائية المتواجدة على موقع الجريمة ثم تم غسل موقع الحادث بسبب وقوعه على طريق عام لا يمكن إغلاقه لوقت طويل حسب تصريحات وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية؛ لكن بابر أعوان لا يتفق معه ويقول:quot; يمكن أن يدلي بتلك التصريحات أحد يكون بمثابة quot;أبو جهلquot; في علم القانون. أما أنا من حيث طالب لعلم القانون لا أستطيع القول بذلك؛ لأن الجاني في معظم الأحيان يخلف دليلا في موقع الجريمة. وإذا تم غسل الموقع فقد راحت الدلائل الكثيرة معهquot;.

لماذا نظفت الحكومة موقع الحادث ؟

ويصر بابر على أن الحكومة لم تنظف موقع الحادث إلا لمحو الدلائل وستر الجاني. وقد نقلت الصحف الأردية المحلية عنه عشرة أسئلة وجهها إلى الحكومة بينها أين كانت الشرطة في وقت الحادث؟ ولماذا كان عدد الشرطة رمزيا وقليلا؟ لماذا لم تكن مع بينظير بوتو سيارات الحماية؟ ... وفي هذا الصدد قد أكد الجنرال المتقاعد مشرف أن الحكومة قد نشرت أكثر من 1000 عنصر للشرطة في موقع التجمع الشعبي الذي ألقت بوتو كلمتها الأخيرة فيه.

نظرة على سير التحقيق

بدأ فريق الشرطة البريطانية عمله مع الأجهزة الباكستانية فور وصوله إلى باكستان عقب الوقوف على المعلومات المتواجدة لديها. وقد زار موقع الحادث أيضا إلى جانب قضاء وقت لا بأس به هناك؛ بيد أنه لم يتمكن من إجراء أي حوار حر مع المواطنين الساكنين حول تلك المنطقة. وقد يكون كثير منهم شهود عيان للحادث. وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى أن المواطن العادي يحجم من تقديم شهادته إلى الشرطة الباكستانية في عامة الأحوال مخافة إتعاب الشرطة له فيما بعد.

كما أن إسكوتلاند يارد التقت بالأطباء الذين قدموا المساعدة الطبية لبينيظير بوتو بعد نقلها إلى المستشفى العام بمدينة راولبندي؛ بيد أنه لم يتم الكشف عما وصلت إليه من النتيجة.

هل تحقيق إسكوتلاند يارد سيتكلل بالنجاح ؟

ويشك الخبراء في نجاح تحقيق إسكوتلاند يارد؛ لأنها مكتوفة اليدين وليست لديها حرية لإجراء تحقيق حسب رغبتها؛ بل إنها تتحرك داخل خطوط رسمتها الأجهزة الباكستانية.

والجدير بالذكر أن إسكوتلاند يارد هي الجهة التي قامت بإجراء تحقيق حول اغتيال أول رئيس الوزراء الباكستاني لياقت علي خان عام 1951 م في نفس الحديقة التي صودف أن كانت مصرعا لبينظير بوتو أولى رئيسة الوزراء الباكستانية بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمن؛ بيد أن لغز اغتيال لياقت علي لم ينحل بعد ولم ير تحقيق إسكوتلاند يارد النور إلى يومنا هذا.

ومن هذا المنطلق ليس هناك أملا في نجاح التحقيق الجديد وذلك لثلاثة أسباب جوهرية:

1.أن إسكوتلاند يارد لم تتمكن من جمع الدلائل الجنائية من موقع الجريمة مباشرة. ما يقوي الشكوك بأن كثيرا من الدلائل ربما تكون ذات أهمية بالغة قد ضاعت بعد غسل موقع الجريمة.

2.أن الجنرال المتقاعد رفض إمكانية إجراء تحقيق مع أشخاص اتهمتهم بينظير بوتو بأنهم يمثلون تهديدا لحياتها في رسالة وجهتها إلى الجنرال في 16 من شهر أكتوبر من العام المنصرم. وهم رئيس حكومة إقليم البنجاب السابق شودري برويز إلهي ونائب المفتش العام إعجاز شاه والمدير السابق لمكتب المحاسبة الوطني حسن وسيم أفضل.

كما أنها أبدت مخاوفها من شودري برويز إلهي وإعجاز شاه والفريق المتقاعد حميد جل رئيس المخابرات العسكرية العامة السابق.

3.رفض الجنرال المتقاعد برويز مشرف إمكانية أن يكون هو نفسه أو جهاز أمني حكومي وراء اغتيال بينظير بوتو. وقد زكّى نفسه في مؤتمر صحافي بأن اغتيال أحد دون شرفه؛ لأنه من أسرة لها تقاليدها وهي لا تؤمن باغتيال أحد أو قتله. كما أنه قال quot; لست قبليا ولا إقطاعيا quot; ملمحا إلى أن تصفية الخصوم جسديا من تقاليد القبليين والإقطاعيين.

وبعد هذه الأمور الثلاثة لا يبقى أمام إسكوتلاند يارد سوى أن تقوم بإجراء تحقيق مع بيت الله محسود والجهات التي ترى الحكومة أنها دبرت اغتيال بينظير بوتو. ودونه خرط القتاد. والجميع يعرفون أن التحقيق يبدأ من الدليل وينتهي إلى نتيجة والعكس لا يصح.

تقرير جديد

هذا وقد نقلت صحيفة ذي نيوز تقريرا عن تحقيق جنائي حول اغتيال بوتو دون ذكر من قام به. وذلك التقرير أكد اغتيال بينظير بوتو بطلقة نارية أصابت رأسها من الجانب الأيسر رافضا إصابتها بشظية قنبلة أو وفاتها بسبب اصطدامها برافعة سقف سيارتها؛ لأنه لم يوجد أي أثر للألياف البشرية والدم على رافعة السقف حتى بعد فحصها بالعدسة المكبرة حسب ذلك التقرير.

كما أنه أشار إلى ضلوع مجموعات إرهابية مختلفة - بما فيها مجموعة بيت الله محسود الذي تتهمه الحكومة بتدبير ذلك الاغتيال- بشكل جماعي بالتنسيق مع أيدي قوية خفية بإسلام آباد.

من المستفيد من اغتيال ببنظير بوتو؟

على صعيد آخر كان الرئيس مشرف أشار إلى أنه ينبغي أن نفكر من سيستفيد من اغتيال بينظير بوتو لنصل إلى الجاني. ويعلق على ذلك القول بابر أعوان: لنرى من يكون أكثر استفادة من الشخص الذي كان يقول لن ندع بينظير بوتو لتصبح رئيسة وزراء لباكستان ؟

وقد نقلت الصحافة المحلية عن مصادر أميركية أن اعتماد الولايات المتحدة على الجنرال المتقاعد برويز مشرف بدأ يزيد بعد اغتيال بينظير بوتو على الرغم من أنها كانت أخذت تبتعد عن مشرف بعد وصول بينظير بوتو إلى باكستان من منفاها الاختياري بعد وساطة أميركية بينها وبين مشرف. وأضافت أنه لم يعد أمام الولايات المتحدة حليفا يوثق به في باكستان من أجل مواصلة حربها على الإرهاب سوى الجنرال المتقاعد مشرف.

البحث عن خليفة لبينظير بوتو

من جهة أخرى فقد نشرت جريدة (ذي نيوز) تقريرا مفاده أن الولايات المتحدة بدأت تميل إلى رئيس الوزراء السابق نواز شريف وقد اتصلت به رسميا عن طريق سفارتها بإسلام آباد. ويمنح المحللون أهمية كبيرة للقاء القنصل الأميركي بلاهور مع شهباز شريف شقيق نواز شريف بـ رايوند قبل بضعة أيام. كما أن الجريدة نقلت عن الناطقة باسم السفارة الأميركية أنه ليس هناك برنامج للقاء بين نواز شريف والسفيرة الأميركية أين بيترسن.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي بوش كان قال ذات مرة quot; إنني لا أعرف نواز شريف جيدا. ولم يسبق لي لقاء معه؛ بيد أني قرأت تقارير تشير إلى أن له علاقات متينة مع الجماعات الدينية المتطرفةquot;؛ لكن مع ذلك تفكر الولايات المتحدة في مد جسور العلاقات معه معتبرة أياه أكبر زعيم للمعارضة في باكستان. وهذا يعني أن الولايات المتحدة التي لعبت دورا نشطا في عودة بينظير بوتو إلى باكستان وإعاقة عودة نواز شريف إلى بلاده، بدأت تدرك بأن الاعتماد الكلي على جنرال متقاعد ليس في مصلحتها الوطنية.

وبناء على ذلك يمكن القول بأن العالم بأسره والولايات المتحدة على سبيل الخصوص سوف تضطر إلى إنشاء علاقات مع قادة سياسيين باكستانيين آخرين عاجلا أو آجلا سواء يكشف التحقيق عن المعتدين على بينظير بوتو أو لم يكشف؛ لأنها قد أصبحت جزءا من التاريخ والاعتماد على التاريخ فقط لن ينفع أحدا.