تصريحات محمد بن راشد تشعل بورصة التوقعات :

أبعاد التغيير المنتظر في الحكومة الاماراتية
التعديل قد يطال وزارات سيادية ويلغي ويدمج وزارات خدمية

قد يطال نائبي الرئيس ويلغي بعض الوزارات
تعديل وزاري في الإمارات الشهر المقبل

تاج الدين عبد الحق من أبو ظبي: في سابقة نادرة، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نيته إدخال تعديل على حكومته التي مضى على تشكيلها عامان، قاطعًا الطريق أمام التكهنات التي بدأت تدور في المجالس عن وجود تشكيل وزاري جديد، وطارحًا اسئلة حول المدى الذي يصله التعديل والأسس التي سيتم على أساسها والأسباب التي دفعت إلى التعديل أصلاً. وقد توقف المتابعون لمسيرة حكومة الشيخ محمد بن راشد، وهم يقلبون الاوجه المختلفة لإعلان نية التعديل عند شكل الاعلان الذي جاء علنًا وعلى رؤوس الاشهاد، ولم يتركه نهبًا لتسريبات اعلامية هنا وهناك. ولمس اولئك المتابعون في هذا الاعلان رائحة المحاسبة وهو امر قال الشيخ محمد عندما قدم فريقه الوزاري ، انه سيكون جزءًا من فلسفة حكومته . واذا صح هذا الاستنتاج فان الشيخ محمد الذي يعرف عنه انه يفوض صلاحيات واسعة لمرؤوسيه ويتابعهم متابعة حثيثة فيما بعد ربما وجد ان القطار الذي يقوده يسير بسرعة لا تسمح لبعض الوزراء في الحكومة الحالية اللحاق به واحتلال مقعد فيه.

والملاحظة الثانية انها المرة الاولى تقريبًا، منذ انشاء الدولة الاتحادية التي يتم فيها الاعلان عن تعديل وزاري بعد عامين من التشكيل. فعمر الحكومات الاماراتية يكاد يكون الاطول في عمر الحكومات العربية، إذ إن بعض الحكومات استمرت بالتشكيل نفسه، والاسماء نفسهامدة زادت عن عشر سنوات فيما استمر وجود بعض الوزراء في الحقيبة الوزارية نفسها اكثر من ثلاثين عامًا لدرجة اصبحت فيها الحقيبة الوزارية كما لو كانت ملكًا شخصيًا يحتفظ به بغض النظر عن تغيير او تعديل الحكومة.

ويرى مراقبون ان الشيخ محمد بن راشد الذي وضع عند تشكيل حكومته الحالية برنامج عمل لها تمثل في الاستراتيجية الحكومية التي حددت اولويات العمل الوطني، ألزم حكومته بمهام امام قيادة الدولة والمواطنين تجعل المحاسبة جزءًا مكملاً للاستراتيجية الحكومية، وبالتالي فإن فكرة التغيير كانت واردة منذ اللحظة الاولى بل واعطى الشيخ محمد اشارات على انه سيمارسها في علاقته بطاقمه الوزاري.

والامر الثاني ان الحكومة الاماراتية وفق الاستراتيجية الحكومية لم تعد انعكاسًا لواقع الفيدرالية السياسية وهو واقع يفرض نوعًا من المحاصصة في تشكيل الحكومة بغض النظر عن طبيعة الدور العملي الذي يقوم به كل وزير ومدى عمل الوزارة التي يتولاها.

وقد ظهر هذا التطور في شكلين الاول تراجع الدور الاتحادي في بعض الخدمات الحكومية وتحميل السلطات المحلية مهام الاشراف عليها . وكانت إرهاصات هذا التحول في انتقال مسؤولية الخدمات الصحية والتعليمية والاعلامية والقضاء والاوقاف للسلطات المحلية في كل امارة، وهو ما يعني ان الامارة التي كانت تتخلى في المرحلة السابقة عن صلاحياتها لصالح الحكومة الإتحادية مقابل حصة لها في الحكومة الاتحادية، تستعيد الآن هذه الصلاحيات بشكل لم يعد لها مبرر لاقتسام قطعة معلومة من الصلاحيات الاتحادية عبر فرض بعض الوزراء في التشكيلة الحكومية. يضاف الى ذلك، إن الوظيفة الاتحادية في ضوء التحسن المضطرد في امكانيات الامارات الاعضاء في الاتحاد لم يعد لها تلك الهالة التي كانت عليها عندما كانت الحكومة الاتحادية هي المنفق الاول والاكبر .

التطور الثاني هو طبيعة التطور في التجربة الاتحادية والتي لم تعد محكومة بفكرة التوافق بين الامارات الا في اضيق الحدود وذلك بعد ان اصبح الاتحاد الاماراتي تعبيرًا عن مصلحة مشتركة يحرص الجميع على الوفاء باستحقاقاتها. وهذا معناه ان المحاصصة في الحكومة والتي كانت في مرحلة ما ، لتأليف قلوب الامارات الاعضاء حول الفكرة الاتحادية لم تعد قائمة بالشكل السابق وهي حتى لو كانت موجودة بشكل ما ، لا تتم على قاعدة الاسترضاء او استدراج الولاءات.

وفق هذين المتغيرين يرى بعض المراقبين ان التغيير المنتظر يجب ان يعكس التوزيع الجديد للصلاحيات الاتحادية والمحلية ما يعني ان تقليص عدد الوزارات الذي يصل الآن الى حوالى 24 وزارة يمكن ان يتقلص الى حوالى 16 وزارة . وطبقًا لهؤلاء، فإن وزارات مثل التربية والتعليم والصحة والشؤون الاسلامية والاوقاف والعدل والاشغال والمياه والبيئة يمكن ان تكون محلاً لاندماجات في ما بينها او مع وزارات اخرى.

كذلك فإن هناك وزارات ليس لها عمل او حتى كادر وزاري يمكن ان يطالها الالغاء مثل وزارة الدفاع التي يشغلها الشيخ محمد بن راشد المكتوم رئيس الوزراء بحيث تصبح شؤون الدفاع جزءًا من صلاحيات رئيس الحكومة بحكم المنصب لا باعتبارها جهازًا مستقلاً عن رئاسة الحكومة . كذلك هناك تساؤلات عن وجود وزيرين في وزارة المالية التي لم تعد اعمالها تعبر عن اسمها القديم كراسم للسياسة المالية في الدولة وتقلصت صلاحياتها للحدود التي تجعل منها جهازًا للحسابات الحكومية تحتسب في دفاترها النفقات والايرادات.

ومثل هذه المهمة لم تعد تحتاج الى وزيرين واحد اصيل هو وزير المالية والآخر وزير دولة للشؤون المالية . واذا تم الاعتراف بأن اعمال الوزارة الفعلية لم تعد تتطلب هذا التمثيل في الحكومة الاتحادية فمن المحتمل ان يقتصر الامر على وزير واحد.

ومن الوزارات التي تتعرض للتساؤل وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي وهي حقيبة استحدثت في التشكيل الاخير وكان الهدف منها في ما يبدو التمهيد للانتخابات الجزئية التي جرت في العام الماضي . وقد اثار وجود هذه الوزارة تحفظات لدى البعض باعتبارها حلقة تتداخل فيها السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية . فضلا عن ان صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي الذي انشئت الوزارة لتنشيط العلاقة معه قد تقلصت بسبب تقلص دور بعض الوزارات الخدمية مما جعل نطاق الرقابة التشريعية على بعض نواحي الحياة الاماراتية يتقلص بالتبعية.

وبناء عليه يعتقد بعضهم ان استمرار وجود وزارة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي اصبح الآن موضع تساؤل في بعض الاوساط . كذلك هناك تساؤل عن وجود وزارة الثقافة وتنمية المجتمع ، حيث يرى البعض ان قضية الثقافة اوسع من ان يحكمها اطار عمل حكومي وانه يتعين ان توكل مهامها الى مجلس اعلى للثقافة والفنون او ان تكون هذه المهمة جزءًا من مهام المجلس الوطني للاعلام بحيث يتولى هذا المجلس استثمار الطاقات الابداعية والفنية والفكرية المحلية بصورة تسمح ببناء هوية ثقافية وطنية.

كما ان هناك تساؤلات حول وجود وزارة مستقلة للشؤون الاجتماعية وهي وزارة استحدثت في التشكيلة الحالية ولا يبدو ان مهامها الفعلية تتجاوز مسألة الاشراف على صرف الاعانات الاجتماعية المختلفة وهي اعانات لا تنفرد بتقديمها الوزارة على كل حال بل توجد جهات عديدة اخرى تتولى مثل هذه المسؤولية، ويرى بعضهم ان هذه الوزارة يمكن ان تكون جزءًا من الهيئة الخاصة بالتقاعد والتأمينات الاجتماعية.

الوزارات السيادية

ولا يعرف ما اذا كانت عملية التعديل المقبلة ستطال ما يعرف بالوزارات السيادية وهي وزارات يشغلها شخصيات من الاسر الحاكمة. ويقال هنا ان هناك حاجة إلى تجديد بعضها خاصة تلك التي مضى على وجودها فترة طويلة في الحكومة الاتحادية والتي اصبحت بحكم الزمن والتجربة اكبر من ان تحويها الحقيبة الوزارية اما بسبب وجود مسؤوليات محلية لها اكبر من مسؤولياتها الاتحادية او لأنها تجد بنفسها عزوفًا عن الاستمرار في تشكيلة دون ان يكون لها واجبات فعلية توازي الدور النظري المفترض للحقيبة الوزارية.

وضمن هذه الرؤية لدور الوزارات السيادية فان هناك من يردد بأن منصب نائبي رئيس مجلس الوزراء وهما منصبان يشغلهما الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان والشيخ حمدان بن زايد آل نهيان قد يكونان من المناصب التي قد يطالهما التعديل كما ان هناك من يرى ان منصب وزير المالية الذي يشغله الشيخ حمدان بن راشد المكتوم والذي يتولى منصب نائب حاكم دبي يمكن ان يطاله التعديل بحث ينهي خروجه من التشكيلة المقبلة حوالى اربعة عقود في هذا المنصب . والى ان يتم التعديل الفعلي فإن بورصة التوقعات والاجتهادات ستظل مستمرة ولن يحسمها الا الاعلان عن التشكيل الحكومي الجديد.