رغم إنتصاراته التجارية وجولته الناجحة في الخليج
لماذا تتراجع شعبية ساركوزي؟

ساركوزي يؤكد تمسكه بقيم العلمنة في ظل جدل حول حديثه عن الدين
قصي صالح الدرويش من باريس: الإنتصارات التجارية التي حققها نيكولا ساركوزي في دول المغرب العربي وجولته الناجحة في دول الخليج، لم تكن كافية وحدها للإبقاء على شعبيته السابقة بين الفرنسيين، والتي تواصل التدهور منذ بضعة أسابيع. فللمرة الأولى منذ انتخابه، ترجح كفة المتذمرين من سياسته على كفة الراضين عنها، حيث ارتفعت نسبة الشريحة الأولى من 43% قبل شهر إلى 48% في أحدث استطلاع للرأي، وفي المقابل تراجعت نسبة المحبذين للسياسة الساركوزية من 51% قبل شهر إلى 45% حاليا، فيما امتنعت نسبة 7% المتبقية عن الإدلاء برأيها. الاستطلاع الذي نفذه معهد quot; بي في ايه quot; المتخصص لصالح مجلة ايكسبريس كشف أن 65% ممن استطلعت آراؤهم يجدون أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية لتحسين القدرة الشرائية لا تصب في الاتجاه السليم، كما كشفت أن مؤشر الثقة برئيس الجمهورية تراجع لدى شريحة كبار السن وهم محافظون بوجه عام، هذا بالطبع إلى جانب الشريحة الفقيرة التي بدأ صبرها ينفذ وهي تنتظر تحسن القدرة الشرائية التي كانت شعار ساركوزي في حملته الانتخابية التي قادته إلى الرئاسة.

هكذا تراجعت شعبية نيكولا ساركوزي بمعدل 6 نقاط خلال شهر واحد و10 نقاط خلال شهرين دون أن تشفع له عقود تفوق قيمتها ثلاثين مليار يورو أبرمها في رحلاته التي قادته من الصين إلى المغرب مرورًا بدول الخليج. ورغم أن جولته الخليجية لم تشهد توقيع صفقات اقتصادية، تبدو الآفاق مفتوحة بالنظر إلى حرارة الاستقبال التي حظي بها، ويبقى احتمال التوصل إلى اتفاق على مستوى الطاقة الذرية المدنية. لكن جولة الخليج أسفرت عن حدث سياسي استراتيجي استثنائي تمثل في قرار استقبال دولة الإمارات لقاعدة عسكرية فرنسية تعد الأولى من نوعها، لأن القواعد الفرنسية القائمة حتى الآن هي جزء من الإرث الاستعماري السابق وليست وليدة اتفاقات استراتيجية مع دول صديقة تربطها معها مصالح مشتركة.

بالتأكيد سجلت أغلب الشركات الفرنسية ارتياحها للنتائج الاقتصادية التي حققتها جولات ساركوزي، لكن الصفقات التجارية المبرمة لم تجد ترجمتها على مستوى حياة المواطن الفرنسي العادي ولم تحسن مستوى معيشته، حتى الآن على الأقل. بل على العكس تؤكد المؤشرات عودة التضخم الذي يضعف القدرة الشرائية. وتشير قراءات المحللين والخبراء إلى أن تراجع مؤشر الثقة بالرئيس ساركوزي يعود في المقام الأول إلى عدم تحسن أو بالأحرى تراجع القدرة الشرائية للفرنسيين.

إن تراجع شعبية الرئيس الفرنسي بدأ يقلق غالبية أنصاره الذين يتخوفون من تبعات هذا التراجع وأثرهفي الانتخابات البلدية المقبلة، وخاصة أن ساركوزي يصر على قيادة حملة حزبه في هذه الانتخابات، باعتبارها انتخابات سياسية رئيسة. ويفضل العديد من أنصار الحزب الحاكم أن تتكفل الزعامات المحلية بحسم الانتخابات البلدية عوضا من دخول ساركوزي بكامل ثقله إلى الميدان، أي ألا تتحول هذه الانتخابات إلى معركة انتصار أو هزيمة للرئيس الذي بات واضحا أنه قرر تولي قيادة الحملة شخصيًا وبكافة تفاصيلها، متجاوزًا الحكومة التي كانت تتكفل بهذه المهمة في السابق. وقد انتقد بعض المعلقين أسلوب ساركوزي في احتكار القيادة بما في ذلك كافة الجوانب التفصيلية.

ولا بد من الإشارة إلى أن شعبية ساركوزي تبقى قوية رغم تراجعها، فالرئيس الفرنسي ما زال المستفيد الأكبر من حالة الضعف والتمزق وصراعات الزعامة التي يشهدها الحزب الاشتراكي والتي تعيقه عن لعب دوره في قيادة المعارضة بشكل فعال. وبشكل عام تفتقد المعارضة بكافة أطيافها إلى تنسيق يمنحها تأثيرا وقوة أكبر على الساحة وبالتالي قدرة على إزعاج الحكم. وقد تتغير الأمور إذا تمكن الاشتراكيون من اختيار زعيم جديد يتحلى بحداثة وجرأة تفوق تلك التي أظهرها حتى الآن فرنسوا هولاند السكرتير العام للحزب والذي عجز عن الإمساك بزمام الأمور كما يفعل أي زعيم فعلي، خاصة وأنه لم يتقدم لخوض الانتخابات الرئاسية مما كرس حالة التمزق والضعف وأوصل الحزب إلى وضعه الحالي.

من هذه الزاوية فإن استغلال ضعف المعارضة والحالة الراهنة للحزب الاشتراكي قد تكون رهان ساركوزي الأول لتحقيق انتصار قد يكون كبيرا في الانتخابات البلدية المقبلة. قد ينجح ساركوزي في مخططه القادم وقد لا ينجح، إلا أن فشله قد يؤول إلى اهتزاز أركان الحكم وقد يضطره إلى تغيير أو مراجعة حساباته.

أيا كان الأمر يبدو الرئيس الفرنسي مستمتعا بحبه الجديد، فيما تروج شائعات بأنه تزوج يوم الخميس الماضي وأنه يستعد لقضاء رحلة عسل في فيرونا الإيطالية، حيث يبدو أن بروني حجزت غرفا في أحد الفنادق القريبة من مدينة روميو وجولييت. وكانت إحدى الصحف الفرنسية قد أعلنت أن ساركوزي تزوج بالفعل بعيدا عن أعين المتطفلين والصحافيين، لكن أوساطا مقربة من الحكومة وكذلك والدة كارلا بروني استبعدت حدوث الزواج. وسائل إعلام أخرى أكدت أن ساركوزي لم يتقدم بطلب زواج ولم يسجل اسمه في اللوائح قبل أسبوع من موعد الزفاف كما يقتضي القانون، وذلك للتحقق من عدم حدوث حالات تعدد زوجات مثلا. لكن القانون يتيح الزواج دون إشهار في بعض الظروف الخاصة ويستدعي الأمر إذنا من نائب الجمهورية وهو أمر غير مستبعد.

في كل الحالات أصبح ساركوزي وحياته الخاصة أرضًا خصبة للشائعات وعناوين الصحف الصفراء ومواقع الانترنت المختلفة التي تتردد فيها أقاويل عديدة من ضمنها أن عشيقة ساركوزي حامل منه وأنها زارت طبيب مختصا.

لا بد من الاعتراف بأن ساكن قصر الإيليزيه الجديد أحدث قطيعة حقيقية مع السلوك الذي انتهجه من سلفه من رؤساء فرنسا، وربما لا يستبعد البعض منه أن يتزوج دون أن يأخذ الإعلام علمًا كما سبق له القول في مؤتمره الصحافي، لكن إذا كانت غراميات رجال السياسة شأنًا شخصيًا اعتاد الفرنسيون احترام خصوصيته، فإن زواج رئيس الدولة ممن ستصبح سيدة فرنسا الأولى أمر يعني الجميع.

الأكيد أن الطريقة التي استعرض فيها ساركوزي علاقته الجديدة ثم الغموض الذي يحيط حاليا بهذا الزواج يثير استياء المواطنين الذين وجدوا الأمر مسليا في البداية، لكن الحدث الطازج أصبح ممجوجا مع الوقت. كما أن الغموض لا يبدو مقبولا من ساركوزي الذي أكد أنه وكارلا قررا عدم الكذب بشأن علاقتهما. كذلك فإن إشارات استفهام عديدة تطرح حول زوجة الرئيس المقبلة، خصوصا وأن كل ما يعرفونه عنها هو جمالها. وربما حان الوقت لكي تتوجه إليهم عبر حديث أو مقابلة يتعرفون إليها من خلالها. وربما تتكشف شخصيتها عن جمال داخلي وإنساني لا يقل عن جمالها الخارجي لتصبح محبوبة الجميع على غرار الأميرة الراحلة ديانا، وربما تساهم في وصل ما بدأ ينقطع بين ساركوزي والمواطن الفرنسي.

في الانتظار، شهد الأسبوع الماضي صدور ثلاثة كتب عن سيسيليا زوجة ساركوزي السابقة وتم الإعلان عن ثلاثة كتب أخرى تتناول كارلا بروني ستصدر الشهر المقبل سيحمل أحدها عنوان quot;المغنية والرئيسquot; فيما سيتناول آخر مسيرتها العاطفية وفي الوقت نفسه تصدر مجلة شارلي هيبدو الساخرة حكاية مصورة يتابع القراء عبر رسومها مغامرات كارلا ونيكولا.

بعضهم ينتظر متسائلاً أيهما ستبيع حصة أكبر في المكتبات سيسيليا أم كارلا. موقع ساخر آخر يؤكد أن الزواج الرئاسي حصل بالفعل والدليل على ذلك أن العلاقة بينهما تبدو أقل حرارة من السابق!