إيلاف تناقش شخصيات من quot;الإعتدالquot; اللبناني:
رجال الدين في لبنان: يوم للربوآخر للسياسة

ربى أبو عمو من بيروت: إعتاد اللبنانيون نكهة الزجل السياسي بين النخب الموالية والمعارضة، لتدخل في تفاصيل الحفلة الزجلية بين الردّ والردّ على الردّ. مسألة قديمة جديدة زجّت نفسها أيضًا في حقل quot;الإثارة الكلاميةquot; وإبتكار أساليب لفظية للتنكيل بالخصم، وتتجلّى في دخول رجال الدين وبقوة في صفوف الموالاة والمعارضة، والهجوم على الخصوم السياسيين من الفريق الآخر، وإلى أقصى الحدود الكلامية. هل بات رجال الدين يشكلون طائفة بذاتها، أم تحولوا إلى quot;موظفينquot; لدى الجهات السياسية التي تسعى إلى إستقطاب المواطنين وتشكيل حصانة شعبية؟ يمكن القول إن معظم رجال الدين زاحوا عن مبادئهم الدينية نحو دعم مواقف سياسية أيًا كانت الطريقة، هكذا يلاحظ الكثير من الناس، أما الفئة المعتدلة منهم، فبات صوتها في منأى عن السمع، كحال الطبقة الوسطى في لبنان، لناحية القدرة المعيشية.

وتكمن المفارقة في كيفية النظر إلى رجال الدين، أو تقييم المواطنين لهم، في كلامهم عن القضايا الاستراتيجية كالقضية الفلسطينية أو الوضع العراقي من جهة، وبين الكلام في الشأن الداخلي من جهة أخرى. إذ يرى بعضهم أنه لا يأخذ على رجل الدين حين يبدي آراءه في القضايا الاستراتيجية هذه، بينما يعتبرون مواقفه في ما يتعلق بالشأن الداخلي تحريضًا. الأسبوع الماضي، شهدت الساحة اللبنانية مشادة كلامية بين الوزير السابق سليمان فرنجية والبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، وبررها الأوّل باعتبار بكركي تأخذ موقفًا سياسيًامؤيدًا لفريق 14 آذار على حساب مسيحيي المولاة. وبعد مواجهات مارمخايل التي أسفرت عن سبع قتلى، كان لمفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو مواقف صريحة ضد فريق المعارضة، إذ قال quot;يرقصون على دماء أبنائهم، الغاية تبرر الوسيلة، يلجأون الى الشحن الطائفي والمذهبي كل يوم، يملأون نفوس الفتية والشبان حقدًا وكراهية للآخرين ويدفعونهم الى الشارع للقيام بأعمال الشغب ثم تكون النتيجة ضحايا بريئة في عمر الورودquot;. لا بد لهذه المواقف الصادرة على لسان رجال الدين، والتي تمثّل أحد الفريقين اللبنانيين، أن تدخل إلى عقول اللبنانيين، وخصوصًا في ظل العودة إلى الدين والتدين بحثًا عن الأمان.

ترى لين، طالبة الحقوق في الجامعة اللبنانية، أن المجتمع المدني الذي حلمنا به بات quot;بعيدًا بعد السماء عن الأرض، بعدما عادت الطوائف تعلن جهارة عن مدى حضورها في الأزمة السياسية، وهذا ما يسبب لي الاحباط في كثير من الأوقاتquot;. وتلفت النظر إلىquot; خطورة المواقف السياسية والتحريض الطائفي الذي يمارسه رجال الدين في كل مناسبة، أو كل منبر يقفون عليه. كأنها فرصتهم للارتقاء بمناصبهم ونيل رضا زعمائهم، وتسييس الدينquot;. وتضيف أن quot;غالبية المواطنين أصبحوا جاهزين لتلقي هذه الرسائل الطائفية، بعدما تم تقسيم البلد، ولو من دون متاريسquot;. ورفض لين تدخل رجال الدين في الشأن السياسي من خلال تبني المواقف. فيستطيع رجل الدين برأيها quot;ابداء رأيه بكل حياديةquot;، ساعيًا إلى التهدئة بين الأفرقاء اللبنانيين، quot;بدلاً من أن يصب الزيت على النار، وان لم يستطع، فليبقى بعيدًاquot;.

من جهته، لا يعتبر زميلها طارق أن لعبة التمازج بين الدين والسياسة قد اختلفت كثيرًا عن السابق. إذ هي تعبر عن نفسها، أو تجد مكانها مع نشوء أزمة سياسية جديدة. يبتسم نصف ابتسامة ويقول quot;أعتذر من كل رجال الدين الحكماء. لكن الكثيرين من غير الحكماء منهم باتوا كالنحل الذي ينتظر أوامر الملكة للانقضاض على العسل، مع الفارق أن العسل في الوضع اللبناني ليس إلاّ الفتنةquot;. لا يستطيع طارق إلاّ الجزم أن رجال الدين هم امتداد للسياسيين والطوائف، ويأسف لأنهم عاجزين عن تجسيد القيم الموجودة في الكتب السماوية.

ينسحب هذا الاستنكار اللطيف على أيضًا على آراء العلامة وعضو لجنة الحوار الاسلامي المسيحي والكاتب والمحلل السيد هاني فحص، إذ يقول إنه متحمس لفكرة أن يلتزم رجال الدين موقعهم الفكري والديني العام، ويعتبر أنه من حق رجل الدين quot;كمواطن ابداء آرائه السياسية، إلاّ أن المشكلة تكمن في كونه يحمل طائفته معه. quot;تمنينا أن نبني دولة حديثة مدنية. لكن تدخل رجال الدين بالطريقة الحاصلة يحمل كوارث، كأن الطوائف هي البديل للدولة والوطن. فالطوائف تكون البديل عند وجود أزمة سياسيةquot;.

ويلقي فحص اللوم على السياسسين، إذ غالبًا ما يبحث المواطن عن الأمان في غياب الدولةquot;. ويعتبر أن طريقة الكلام هي التي تفرّق أو تحكم بين كلام رجال الدين في القضايا الاستراتيجية والقضايا الداخلية. quot;فهناك فرق بين أن يكون خطاب رجل الدين في ما يتعلق بالوضع العراقي، يهدف إلى نأي الفتنة الطائفية، ويشجع على بناء الدولة، وبين أن يكون تحريضيًاquot;. أما أستاذ الأديان في جامعة الحكمة د. بشارة سارجي، فيرى من جهته أن quot;المشكلة تكمن في كوننا في عالم ممزوج ببعضه. رجال الدين باتوا لا يرسمون لأنفسهم حدودًا معينة، فقد ورطتهم السياسةquot;. ويضيف أنه لرجل الدين مبادئ يتوجب عليه المحافظة عليها. السياسيون يملكون خيارات فردية. والمشكلة أن رجال الدين أيضًا باتوا ينزلون إلى مستوى هذه الخيارات أو الصعدةquot;.

ويلفت سارجي إلى أن المبادئ هي شيء مشترك بين كل الأديان، وعلى رجل الدين أن ينطلق من مبدأ: لا تصنع للغير ما لا تريده لنفسكquot;. ويؤكد على ضرورة أن يكون رجل الدين أمينًا لمبادئه الدينية، مضيفًا أنه quot;حين يكون كلامه حول القضايا الاستراتيجية وفقًا للمبادئ الدينية، وليس الفردية، حينئذٍ يكون قد أدى دوره الحقيقيquot;. ويعتبر سارجي أن خطورة هذا التدخل مرتبط quot;بدرجة اعتبار الناس لرجال الدين ومنزلتهم، إذ يحدد هذا المعيار مدى تأثرهمquot;.

من جهته، يقول الصحافي نصري الصايغ إن quot;ازدياد الواقع السياسي مأساوية يسهم في إظهار كل مناحي التخلف في المجتمع. ولو كان رجال الدين يلتقون في السلم، لكان اجتماعهم في هذه الظروف أسهل وله ايجابياتهquot;. ويعتبر أن quot;هذه المأساة تفرض عليهم الالتقاء. ففي ظل هذا الشحن الطائفي، لم نر على سبيل المثال قمة تجمع رجال دين مسيحيين ومسلمينquot;. ويضيف أن quot;رجال الدين ليسوا موظفين عند ربنا، بل هم موظفون في مواقفهم السياسيةquot;، معلنًا أن quot;رجل الدين دخل في مرحلة تدني الحياة السياسيةquot;. يتابع الصايغ كلامه وكأنه فقد فقيدًا quot;لم يعد هناك شيء كبير في لبنانquot;. وحول الفارق بين القضايا الاستراتيجية والداخلية، يرى أنها باتت متساوية، quot;فلم يعد هناك فرق بين كلام السيد حسن نصر الله حول القضايا الاستراتيجية، وبين مواقفه المتعلقة بالشأن الداخلي، فلم يعد هناك كبير في لبنانquot;.