تغطية حرب غزة في الفضائيات
الأنيقات يقرأن عدد الضحايا والتسمية تحدد موقف القناة
خلف علي الخلف: تدعي كل وسائل الإعلام الحياد وتصرُّ على ذلك، وتضيف دومًا أنها تستخدم المعايير المهنية في تغطية الأحداث. وينقسم الجمهور تبعًا لتوجهاته في تخصيص قناة محددة يتابع من خلالها الأخبار وفي الغالب تكون هذه القناة ممثلة له، ويعتقد أنها الأقرب للنزاهة والحياد والمهنية لأنها قريبة من وجهات نظره أو أفكاره أو ميوله.
وفي الإعلام المعاصر أصبح الخبر مشاعًا؛ وصار من النادر أن تسجل وسيلة إعلام سبقًا صحافيًا في خبر يكون حدثًا؛ فقد تحول السبق الصحافي من الخبر إلى التحقيقات واللقاءات الخاصة، والقدرة على استضافة شخصيات صانعة للحدث أو مشاركة في صنعه أو مطلعة على كواليسه. بينما محللو الفضائيات أصبحوا يمثلون حشو الصفحات في الصحف الورقية، وهم مطلوبون لتعبئة ساعات البث.
في كل الحروب تحشد الفضائيات طواقمها وتبدأ في بث طويل قد لا تساعده الأحداث على الأرض ولا تسعفه بخبر عاجل كل حين، فتعمد الى المراسلين لتغطية أوقات البث الطويلة بأحاديث مطولة تخلو في الغالب من معلومة جديدة، وخصوصًا في القنوات الفضائية العربية، وعندما يطول الوقت ولا يأتي خبر وينهك المراسلون، تلجأ الفضائيات الى المحللين بألقابهم الفخمة وأحاديثهم quot;القليلة القيمةquot; في الغالب، وبالطبع تتسابق القنوات لاستضافة الناطقين باسم الحروب وممثليها، وبحسب أهمية وقدرة القناة المادية والفنية وتاريخها.. يكون ممثلو الحروب الذين تستضيفهم أرفع شأناً.. وفي خضم ذلك يرتدي المراسلون الخوذات والدروع الواقية من الرصاص وشارات الصحافة، ويكون المذيع المدجج في الغالب بعيداً عن مكان quot;المعركةquot;، لكن لا بد من تكريس إيحاء الحرب وأدواتها على الشاشة!
حرب غزة والتغطية الفضائية لها
في حرب غزة الحالية(مع التحفظ على التسمية) كانت ساعات البث طويلة، ومملة كذلك، لكن لا بأس من مغادرة قناة روسيا اليوم RT التي أصبحت مفضلة لمن ملّ من الصراخ في القنوات العربية، تلك القناة الناشئة والجديدة؛ والتي تخلو من الصوت العاليبسبب فخامة صوت المترجمين ورخامته، وبسبب درجات الحرارة المنخفضة quot;ربماquot; في روسيا يكون الحوار في العادة هادئاً يخلو من مقاطعات المذيع المتحمس في القنوات العربية.. حتى علي حسن خليل رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني أجبره إيقاع القناة أن يكون هادئا وهو يتولى أفكاره الحماسية والثورية عن غزة والمقامة والقمة العربية! وفي تغطية قناة روسيا اليوم للحرب يمكنك أن تسمع في القناة خارج الأخبار مفردات من مثل quot;العدوان.. قتل الأبرياء.. quot; وقد تمر كلمات من نوع quot;الوحشيةquot; من أحد الضيوف لكنها تمر هادئة من دون زعيق أيضاً. لكن روسيا اليوم لم تطلق تسمية عامة على تغطيتها للحرب وبقيت الكثير من برامجها المعتادة تبث بشكل طبيعي، وأفردت تغطيات للمظاهرات في العالم المعارضة للحرب.
قناة الـ BBC القادمة أيضا حديثًا الى العالم العربي جعلت تسميتها للتغطية quot;الهجوم على غزةquot; ومن الملاحظ أنها تستخدم تسمية quot;المقاتلين الفلسطينيينquot; وتوسعت في شبكة مراسليها وخصصت وقت بث لمراسليها من الضفة الإسرائيلية والمراقب سيلاحظ أن مصادرها مضبوطة بدقة من نوع quot; مصدر في هيئة الأركان الإسرائيلية حضر الاجتماع الأخير..quot; وقال المصدر الذي.. ويحددون موقعه في حال عدم الكشف عن أسمه.
وذلك بعكس المراسلين العرب في القنوات العربية الذين ينسبون كثيراً من أفكارهم و تهيؤاتهم وقراءاتهم للحدث الى مصادر غامضة ومجهولة دون تحديد.
وقد اشتركت غالبية القنوات الفضائية في نقل بث مباشر من تلفزيون الأقصى المسمى quot;رامتانquot;، وقد كان البث في الغالب يركز على الجو سواء للطيران أو الصورايخ أو سماء مدينة غزة.
قناة الجزيرة في تغطيتها للحرب التي أطلقت عليها quot;الحرب على غزةquot; ركزت على مظاهرات الجماهير العريضة في العالم العربي وquot;الشهداءquot; كما هي تسميتها المعتادة لضحايا الحرب من الجانب الفلسطيني. بالطبع خصصت ظهوراً شبه متوازن لصانعي الحرب من الطرفين؛ لكنها لم تخلُ من حماس بعض المذيعين في توجيه أسئلة تعكس نبض quot;الشارع العربيquot; الى الضيوف الاسرائيلين الذين يتقلدون مناصب رفيعة في الحكومة الاسرائيلية، واستضافت بالطبع quot;صقور المقاومةquot; في تغطيتها وبرامجها وكذلك من خلال محلليها.
قناة الحرة الأميركية والتي عطلت بلادها مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف فوري quot;لإطلاق النارquot; أطلقت تسمية quot;الحرب في غزةquot; على تغطيتها للحرب، وهي تعكس وجهة نظر تتوخى الحياد ويلاحظ المتابع الهدوء الرتيب للمذيعات! فتسأل المذيعة التي بكامل أناقتها وماكياجها بهدوء شديد كمن يسأل شخصا ماراً كم الساعة الآن؛ ضيفها الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية: quot; ولكن هل تريدون إعادة احتلال غزة؟quot; يجيب المترجم quot; لا، لا نحن نريد أن نحمي أطفالنا كي يذهبون إلى المدارس...quot; فنحن لا نسمع صوت الناطق الأصلي! المترجمون هم من يتحدث باسم الناطقين بغير العربية.
إلا أننا نكتشف في خضم الحروب التي لم تعد تجري سوى في منطقتنا المسؤولين الأجانب الذين يتحدثون العربية بشكل جيد، ويكون هذا quot;يومهمquot; للتحدث بالعربية على القنوات العربية. فقد اكتشفنا من خلال الحرب أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يجيد العربية بشكل جيد، بل ويتقن الانفعال نفسه الذي يتحدث به الخطباء والناطقون العرب على الفضائيات.!!
قناة فرانس 24 لم تطلق تسمية على الحرب أيضاً، حتى ولم تفرد حيزاً واسعا لزيارة رئيس بلادها ساركوزي الى المنطقة في محاولة لإيقاف الحرب.. وفي بثها العربي والانكليزي كانت تبث الأخبار المعتادة؛ ولم أرها قد استخدمت خلال ساعتين من المشاهدة المتواصلة لـ quot;خبر عاجلquot;، الذي أفرطت في استخدامه جميع القنوات، وبقيت ضمن إيقاع بثها المعتاد حتى أنها بثت أخبار ثقافية في نشراتها.. إلا أنها خصصت quot;نشرة خاصةquot; لتكثيف الأخبار حول الحرب.
قناة العربية شهدت تحولاً واضحًا في استجاباتها لرغبات quot;الشارع العربيquot; سواء على صعيد المفردات المتداولة في الأخبار أو في تحمّس المذيعين كذلك، ومقاطعتهم لضيوفهم الإسرائيليين.. في أحد فترات تغطيتها قالت لمشاهديها ننتقل لتغطية مؤتمراً صحفياً لحركة حماس، بدا الأمر غريباً بعض الشيء!! لنكتشف بعد انتهائه أنه بيان quot;حماسيquot; مسجللم يقدم أي معلومة سوى إنشاء خطابي! وكانملفتاً الرجل الذي يقف بجانب من يتلو الخطاب الذي بداثابتاً لاتتحرك منه سوى عينيه..واستخدمت في تغطيتها التي أسمتها quot;الهجوم على غزةquot; التي لم تظهرها كـquot;مانشيتquot; دائم يعلو الشريط الإخباري أو بثها المستمر واكتفت ببث التسمية بين الفقرات؛ وأضافت تغطية غرافيك برسوم تفاعلية تشرح على الخرائط سير العلميات من داخل الاوستوديو..
قناة المنار كانت تخوض المعركة بمذيعاتها المحجبات الأنيقات وعمائم الخطباء الذين لم تمل من إعادتهم بشكل دائم على المشاهدين في فقرات طويلة وهم يخطبون بالأمة ويحرضون الجماهير ويخونون الأنظمة؛ والأهم يعدون بالنصر. واختارت عنواناً لتغطيتها quot;العدوان على غزةquot; ليكمل مشهد الخطباء، ويوحي أن المنار في قلب المعركة وأن حزب الله قد أطلق كل مخزونه من الصواريخ الى ما بعد بعد بعد حيفا.
القنوات المصرية التي تبث أخبار، ركزت بشكل عام على quot;معبر رفحquot; وتبرير وجهة النظر المصرية حول عدم فتحه؛ ورد محللوها الصاع صاعين لمن خوّن النظام المصري ومواقفه.. ونال حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني نصيب الأسد من quot;الصاعاتquot; المتتالية من المحللين والتي جاءت دعوته للمصريين جيشا وشعبا للخروج الى التظاهرواقتحام quot;معبر رفحquot;بمفعول عكسي شديد الوضوح حتى لدى معارضي النظام. وقد اختارت قناة النيل الإخبارية عنوان quot;العدوان الإسرائيلي على غزةquot; في رغبة للتميز عن التسميات الأخرى وتحديد من هو المعتدي للمشاهد كي لا يضل.!
ومن باب الحنين الى الوطن وجلد الذات لا بد من مشاهدة طرائف القناة الفضائية السورية، فـquot;السوريةquot; عنونت تسميتها للحرب بعنوان نضالي مقاوم هو quot;غزة الصامدةquot; ونتيجة فقرها بالأخبار والضيوف والمراسلين والمحللين وجدت حلاً غرافيكياً يظهر كل حين على شكل صاروخ كهدية رأس السنة يسقط على رأس الأطفال والضحايا والبيوت.. وفي خضم الـ quot;خبر عاجلquot; المتكرر في الفضائيات استضافت الفضائية السورية سفير ماليزيا في دمشق ليقول بحق المقاومة!!
أما قناة الدنيا التي يملكها quot;ابن خال النظام السوريquot; والتي وجدت لكي تكون رديفا إعلامياً مقاتلاً ينقل وجهة نظر سوريا الى العالم التي عجز الإعلام الرسمي عن نقلها ولتخوض حروبا بالوكالة ضد الأنظمة العربية، وتقول ما لا يستطيع النظام قوله في القنوات الرسمية فقد نزلت الى quot;الشارعquot; بالطبع، وخصصت أوقات بث طويلة لهذا quot;الشارعquot; السوري ليشتم الأنظمة المتخاذلة ويحيي الرئيس المفدى بشار الأسد وسوريا الأسد الصامدة؛ وقد يستخلص المشاهد من خلال حماس المذيعين والمحللين وquot;الشارعquot; للإشادة بموقف سوريا ورئيسها، أن قوات الرئيس الأسد quot; باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة السوريةquot; تحارب في جبهة الجولان لتنجد أهلنا في غزة وخذلها العرب المتخاذلون quot;أنصاف الرجالquot;!!