تفاعلات غاضبة لتهديدات بارزاني بالإنفصال عن العراق
انتحار سياسي ونتائج وخيمة وتطلع للإنسلاخ عن البلاد

أسامة مهدي من لندن: أثارت تهديدات أطلقها رئيس أقليم كردستان مسعود بارزاني بالإنفصال عن العراق في حال تغيير الدستور مواقف غاضبة من قوى وشخصيات عراقية اعتبرتها انتحارًا سياسيًا للاقليم وعزلاً له وتعبيرًا عن جدية في الانسلاخ عن البلاد في وقت جمدت فضائية الشرقية العراقية عملها في اربيل عاصمة الاقليم، إثر اتهام رئاسته لها بتحريف تصريحات بارزاني. ففيما وصف الائتلاف الشيعي التهديدات بأنها غير موضوعية وانها انتحار سياسي، اعتبر التيار الصدري انها ستؤدي الى نتائج وخيمة بينما اكدت الشخصية السياسية والعسكرية العراقية الفريق الركن وفيق السامرائي المستشار العسكري السابق للرئيس العراقي جلال طالباني بأنها تؤكد رغبة جدية في الانسلاخ عن العراق.

وكان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني أعلن في تصريحات لصحيفة quot; لوس انجلوس تايمز quot; امس الاول أنه سيعمل على فصل الإقليم عن العراق في حال تعديل الدستور العراقي بشكل يقوي صلاحيات الحكومة المركزية واستمرار ما اسماه بتسلط وانفراد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اتخاذ القرارات داخل الحكومة العراقية متهمًا اياه بـrdquo;الانجراف نحو الحكم الاستبداديrdquo; والتقرب إلى القوميين العرب. واضاف ان المالكي ldquo;يعمل على تطهير قوات الأمن العراقية من الأكرادrdquo;.محذرًا من انه اذا استمر بما قال انها محاولاته لإجراء تعديلات على الدستور وتغيير روح عراق ما بعد صدام حسين فمن الممكن أن ينظر الأكراد في إعلان استقلالهم عن العراق.

وفيق السامرائي

وقال المحلل العسكري الفريق الركن وفيق السامرائي المستشار السابق للرئيس طالباني في حديث مع quot;ايلافquot; انه في المرحلة التي أعقبت سقوط النظام السابق كان بارزاني يظهر جانباً ايجابياً في التعاطي مع المشاكل التي خلفت النظام وكان توجهه موضع ترحيب من قبل العرب وقادة كبار من الجيش الى حد أنهم قدموه على أنفسهم إلا أنه اتخذ منحى آخر بمرور الوقت يدل على رغبة جدية في الانفصال عن العراق وعمل على عزل الإقليم عن سلطات الحكومة المركزية كلياً وتحجيم دورها في محافظتي الموصل وكركوك وبدأ بإثارة مشكلة العلم العراقي والاعتراض على تسلح الجيش العراقي ورمى ثقلا لتضمين الدستور مواد شعر الكثير من ممثلي عرب العراق بالندم على القبول بها في حينه على أمل التعديل.

وعن رأيه بوصف الكرد بأنهم مصدر استقرار في المعادلة العراقية قال انه لا شك في التوصيف والشعب الكردي شعب طيب ووفي وفيه قيادات وطنية لها مواقف مشرفة، لكن للأسف تركت سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني انطباعًا مخالفًا، وهم ويحاولون استخدام مليارات الدولارات سنوياً لتعزيز كيان مستقل على حساب آخرين ومحاولة التأثير على بعض الأطراف العربية والكردية وهذا خلل في إجراءات أو صلاحيات الحكومة المركزية حيث ينبغي أن تكون هناك رقابة على حركة الأموال التي تخصص للمحافظات من دون استثناء.

وحول اعتراض بارزاني على تسليح الجيش العراقي ورئيس أركانه كرديا الذي قيل بأنه مهمش اشار السامرائي الى ان الفريق اول بابكر الزيباري كان ضابطًا في الجيش برتبة ملازم وهو من عشيرة معروفة بوطنيتها قبل أن يلتحق بالحزب الديموقراطي الكردستاني ثم منح بعد سقوط النظام رتبة فريق اول وعين رئيسًا لأركان الجيش ما أعتبر تجاوزاً على هذه المؤسسة الوطنية الحساسة ودليل موقف معاد لقادة الجيش السابقين علماً انها الحالة الأولى التي يعين فيها شخص غير مؤهل لرئاسة أركان الجيش منذ تأسيسه. من الممكن أن يكون وزير الدفاع مدنياً لكن لا يجوز أن يرأس أركان الجيش ضابط بهذه الرتبة المبتدئة. واوضح ان العديد من كبار ضباط الجيش قالوا إنه كان يعمل على عرقلة تسليح الجيش بتوجيه من قيادته قبل أن تقدم القيادة العامة للقوات المسلحة على تهميش دوره فعلاً.

وعن مدى التزام القيادة الكردية بالدستور قال ان الدستور كتب في ظروف صعبة ولو كتب اليوم لما جاء بالمواد التي تضمنها. ومع ذلك فهنالك خلافات كثيرة لجهة تفسير العديد من المواد والفقرات، والكل يتذرع بالدستور ويدعي أن الطرف الآخر لا يلتزم به. وكان قد اتفق على تشكيل لجنة لتعديل العديد من فقراته لكنها لم تستطع إنجاز مهمتها. وكل الدساتير قابله للتعديل، فكيف اذا كتب في ظروف غير طبيعية ولم تصوت عليه شريحة واسعة من الناس؟.

وفيما اذا كان يعتقد ان مواقف الاكراد موحدة من القضايا العراقية شدد السامرائي بالقول : لا ليست الحال كذلك فالرئيس طالباني له رأي آخر يعتمد على الحوار الهادئ وهو مع تسليح الجيش، ووقف مع ضباط الجيش السابقين ، ومع تقاسم السلطة في كركوك كما هو معروف ومعلن وكثير من القيادات الكردية تتخذ مواقف بناءة إلا أن التشدد يأتي من بعض قيادات الحزب الديموقراطي الكردستاني ووقف ممثلو الحزب على الدوام ضد إعادة ضباط الجيش السابقين الى الخدمة للإبقاء على العراق ضعيفاً لأنهم يرون في ضعف الجيش فرصة لتنفيذ برامجهم التقسيمية وهو تصور يجافي الموضوعية.

وعما اذا كان يعتقد ان الاكراد سيحصلون على الاستقلال اجاب السامرائي بالقول : ممكن ، لكن ضمن حدود محافظات السليمانية وأربيل ودهوك وليس من حق أحد منع الكرد من حق تقرير مصيرهم. ومع القناعة بأن العشائر الكردية التي وقفت مع وحدة العراق تقف في الضد من مشاريع التقسيم. وسوريا وتركيا تقفان في الضد من مشروع كهذا وهما دولتان مهمتان ومجاورتان للمنطقة كما أن الدول الغربية الرئيسية تقف الى جانب وحدة العراق لأنها تدرك أهمية التوازن الاستراتيجي الإقليمي وهي بالمناسبة ليست مرتاحة لأعمال المفاصلة التي تمارسها بعض الأطراف الكردية.

وحول اذا كان يعتقد ان للاكراد القدرة على ضم كركوك وسهل نينوى الى الاقليم اشار الى ان بعض القيادات الكردية اسست مشكلة جديدة من خلال دفع أعداد كبيرة الى كركوك تزيد أضعافاً عما جرى ترحيلهم خلال مرحلة التعريب فجرى استبدال سياسة التعريب بالتكريد. ومع ذلك لا أرى وجود فرصة لضم كركوك الى إقليم كردستان وكذلك أطراف الموصل ولم يسمع أحد من قبل بمصطلح سهل نينوى كما يروج له حالياً.

وعما اذا كان يعتقد ان ممارسات القيادة الكردية هذه نتاج ظلم النظام السابق اوض ان خصومة المتشددين من الاكراد كانت مع كل الحكومات السابقة والحالية وبالغوا مبالغة كبيرة في ما حصل ضدهم،على حساب الآخرين واستخدموا كل الوسائل لتمرير مشاريعهم، علمًا أنهم (المتشددون) كانوا على تواصل مستمر مع نظام صدام حتى قبل أيام من سقوطه وكان يقدم لهم مساعدات مختلفة ولا بد أن يكون لدى الحكومة المزيد من الحقائق لكن العبرة في التصحيح والتعاون البناء وليس العكس، متمنيًا ألا يكون ذكر الحقائق مزعجًا.

واضاف ان الحل لكل هذه الاشكالات يكمن في الجنوح الى العقل والتخلي عن الأفكار والممارسات التي تصب في تقسيم العراق وتشجيع الاتجاهات التي تتصرف بواقعية ضمن الإقليم والعمل على التفاهم لتغيير الممارسات الخاطئة وليس التصعيد. والحكومة متجهة على ما يبدو للتنسيق مع العشائر الكردية ضمن حدود صلاحياتها لتعزيز الوحدة الوطنية والمهم أن ينصف العراقيون بلدهم.

الائتلاف الشيعي

ووصف عضو مجلس النواب العراقي النائب عن كتلة الائتلاف الشيعي عبد الهادي الحساني تهديد بارزاني بأنه غير موضوعي وانتحار سياسي ويهدف إلى الضغط على الحكومة العراقية. وقال إن quot;الخلافات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لا تبرر للبارزاني التهديد بفصل الإقليم عن العراقquot; كما نقلت عنه وكالة quot;نيوزماتيكquot; مؤكدا أن مطالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتعديل الدستور وتقوية الحكومة الاتحادية لا تستهدف إقليم كردستان. واشار الى ان بارزاني يحاول بتهدبده الحصول على مكاسب سياسية تقوي موقفه في المفاوضات الجارية بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليمquot; مؤكدا أن quot;التهديد بانفصال اقليم كردستان العراق أمر غير موضوعيquot;.

وشدد على ان تطبيق تهديدات بارزاني على ارض الواقع سيعني انتحارًا سياسيًا للإقليم، وتدميرًا لكل الانجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية فيه بسبب رفض دول الجوار العراقي لأي محاولة لفصل إقليم كردستان عن العراقquot;. ودعا الحساني رئيس إقليم كردستان إلى quot;الابتعاد عن التصريحات التي تؤدي إلى تأزيم الأوضاع السياسية والأمنية، والعمل بشكل جدي على الحفاظ على وحدة العراق، من خلال إيجاد حلول واقعية للمشاكل بين حكومة الإقليم والحكومة المركزيةquot;.

يذكر أن ابرز الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان تتمثل بالصلاحيات التي يجب أن تعطى للمركز وللإقليم حيث تطالب الحكومة المركزية بصلاحيات واسعة بينما ينظر إقليم كردستان إلى هذه الصلاحيات بأنها عودة للنظام المركزي فضلاً عن خلافات أخرى تتعلق بالعقود النفطية التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع بعض الشركات الأجنبية والمناطق المتنازع عليها.

التيار الصدري

ومن جهته وصف رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب عقيل عبد حسن تهديدات بارزاني بانها ldquo;غير واقعيةrdquo; وعواقبها وخيمة لان اي عملية انفصال لا يمكن ان تحظى بمؤهلات واقعية تمكنها من ذلك. وقال ان بارزاني يسعى الى تحقيق مكاسب سياسية من خلال تصعيد فكرة الانفصال لافتا الى ان ldquo;عملية الانفصال لاتحظى بمؤهلات واقعية تمكن من ذلك وان مقدار ما حققه الاكراد كان بغطاء سياسي عراقي وتحت مظلة العراقquot;. وشدد على ldquo;ان دعوة الانفصال رسالة مترابطة يمكن قراءتها على الصعيد المحلي برفع سقف المطالب والضغط السياسي وعلى المستوى الاقليمي من خلال الضغط على تركيا ايضاrdquo;. وحذر في تصريح نقلته وكالة quot;أصوات العراقquot; من انه ldquo;ليست هنالك اية مقومات لانفصال الاكراد واذ ما حدث ذلك فهو امر لا يحمد عقباه وفق ماموجود من عوائق وموانع دوليةquot;.

قناة الشرقية تجمد عمل مكتبها في أربيل

وأعلنت قناة الشرقية العراقية تجميد عمل مكتبها في أربيل عاصمة اقليم كردستان موضحة ان القرار جاء تجنبًا لاثارة الازعاج لرئاسة كردستان بعد ما أبدته من استياء لنقلها تصريحات بارزاني كما قال بيان للقناة. وردت رئاسة اقليم كردستان علي قناة الشرقية واتهمتها بالاثارة والاساءة وذلك في اطار نقلها مع وسائل اعلام أخري تصريحات بارزاني حول الخلاف مع المالكي الواردة في الصحيفة الأميركية أمس. وقال بيان لرئاسة كردستان ان الشرقية تتعمد الاساءة في حين نشرت مواقع عربية وعراقية كثيرة التصريحات من دون ان يتعرض لها البيان الرئاسي الكردي. وقال فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة الاقليم ان الشرقية لا تنصف الخبر الكردي ولا تعرض وجهات نظر الاقليم الكردي بتوازن. واشار الى ان سلطات الاقليم مستاءة من تغطية قناة الشرقية لأحداث الموصل خاصة تهجير المسيحيين من المدينة. وواوضحت قناة الشرقية انها كانت quot;قد غطت تلك الأحداث بشكل حيادي ومستقل وشارك فيها مسؤولين أكراد تحدثوا فيها عن رأي الأكراد في هذا الموضوعquot;.