الدكتورة حصة النصار
يعاني المجتمع الكويتي كسائر مجتمعات العالم الأول والنامي على حد سواء من تفشي العنف على اختلاف أشكاله، ويبدو أن انتشاره بين طلاب المدارس والجامعات وداخل الأسرة وفي أروقة الطرقات وحتى داخل الندوة البرلمانية، بات يثير تساؤلات عدّة عن الأسباب الكامنة وراء تفشي تلك الظاهرة. ايلاف إلتقت مجموعة من الأخصائيين في مجال علم النفس والاجتماع واستفسرت عن آرائهم في الأسلوب الأمثل للتعاطي مع الظاهرة واقتراحاتهم للحد منها وما هو دور المجتمع المدني وسياسة الدولة في ذلك.

الكويت: تختلف ثقافة العنف من مجتمع إلى آخر سواء في العالم المتقدم أو في البلدان النامية ووفق معطيات عديدة منها ثقافة وتعليم الشعوب ومستوى الدخل الفردي في المجتمع والعوامل الجيو سياسية والديموغرافية وغيرها. ولا يخلو مجتمع في دول العالم من ثقافة العنف ولكن بنسب متفاوتة. وعلى الرغم منأن المجتمع الكويتي صغير وفيه ظواهر إيجابية للتلاحم وللتقارب فيما بين العائلات ومن خلال الديوانيات اليومية وغيرها من المواقف التى تعكس ذلك، إلا أن ثقافة العنف تطيح بكل ذلك أرضًا وخاصة من خلال إنتشارها بين الجيل الجديد من الشباب. وقد أثار الإعتداء على ناشر إحدى الصحف الإلكترونية الكويتية في الأسبوع الماضي، ردود أفعال قوية ومن بينها بيان صادر عن جمعية الصحافيين الكويتية أدانت فيه الإعتداء، وطالبت الجهات المعنية بضرورة التوصل لمعرفة الجاني. ومن جهة أخرى، أعلنت النائبة د.سلوى الجسار إعتزامها التقدم بإقتراح إلى مجلس الأمة خلال الفترة القادمة بمشروع قانون يستهدف حماية الصحافيين ويضع ضوابط للعاملين في المهنة وحمايتهم أثناء تأدية واجبهم المهني .

وكان الناشر الكويتى قد تعرض للإعتداء أثناء خروجه بعد مشاركته في ندوة نظمتها quot;مظلة العمل الكويتى quot;-معك-وهى إحدى مؤسسات المجتمع المدنى، حيث فوجئ بهجوم من أحد الأشخاص يعتدي عليه بآلة حادة وهو يهم بركوب سيارته إنتقل على أثرها الى لمستشفى لتلقي العلاج. وقد توالت موجة من الإحتجاجات والإستهجانات، والإستنكارات من جانب الأوساط الكويتية المختلفة وخاصة الكتاب والصحافيين، والناشطين السياسيين وجمعيات المجتمع المدني.

أما على صعيد تلاميذ وطلاب مرحلتي المتوسطة والثانوية فالتهاوش الدائم هو القاسم المشترك بينهم، ولا تقف المسألة عند هذا الحد بل تصل إلى الإعتداء على المعلمين. وأيضًا على صعيد طلاب الجامعة نجد أن ثقافة الحوار غائبة وتنوب عنها ثقافة العنف سواء في إنتخابات الإتحادات الطلابية أو عند تناول قضية ما محلية أو خارجية.

وفي هذا الصدد تطرح quot;إيلافquot;تساؤلات عدة على بعض الخبراء والمتخصصين تتمحور حول الأسئلة التالية: هل طبيعة المجتمع الكويتي تميل إلى العنف ؟ هل تؤدي القبلية دورًا في تأصيل روح العنف بالفرد؟ وماهو دور البيئة المحيطة في تكوين شخصية الإنسان؟ لماذا تنعدم ثقافة الحوار؟ ما هي سلبية المدرسة والمنزل ؟ ما هو تأثير الغزو العراقي عام 1990على نفسية المواطن الكويتي وسلوكياته؟ ما هو دور الخادمة الأجنبية في تربية الطفل وغياب دور الأم؟ ما السبيل للعلاج ؟ وما هو دور الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني في هذا الصدد؟

فى البداية تقول د .حصة النصار ..أستاذة علم النفس بجامعة الكويتquot;العنف بوجه عام سلوك غير متحضر وهو موجود منذ القدم وله صور وأشكال عديدة منها العنف اللفظي، والعنف البدني، والعنف النفسي والمادي وغيره. ومن المؤسف أن ينتشر العنف داخل المجتمع الكويتي في أماكن متعددة: في الشارع، والمجمعات، والمدارس، والجامعات، والمستوصفات، و الجهات الحكومية المختلفة، وداخل البيوتquot;.

وتابعتquot; وفي علم النفس يتم تدريس مصطلح العنف عند التطرق إلى العدوان والذي يعتبر سلوكًا غير مقبول لحل المشاكل وفي أحيان كثيرة يلجأ الفرد للعنف كاستجابة للشعور بالإحباط والظلم، وعندما يفتقد الفرد لمهارة التحكم بانفعالاته ويعجز عن التعبير عن غضبه بصورة مقبولة فينفس عن غضبه باللجوء للعنف والعدوان. والفرد الذي يلجأ دائمًا للعنف في حل مشاكله يعتبر غير ناضج من الناحية الانفعالية لأنه بذلك يتصرف بشكل غير مقبول اجتماعيًا، وقد تعددت النظريات المفسرة للعنف فمنها ما يشير إلى أن أساسه فطري وأن هناك هرمونات (كهرمون الذكورة) وفسيولوجية معينة تدفع الفرد للعنف، ومثال على ذلك ما يحصل عندما يكون التركيب الكروموسومي للفرد XYY فيصبح الفرد أكثر عدوانيةquot;.

وأضافت: في المقابل ترى نظريات أخرى مفادها استجابة العنف سلوكيات مكتسبة يكتسبها الفرد من بيئته على حسب طبيعة التنشئة الاجتماعية التي نشأ عليها فإن كان يمارس عليه العنف فهناك احتمال كبير بأن يصبح عنيفًا أيضًا، ومن هنا يتبين لنا أهمية دور الأسرة على وجه التحديد في تنشئة أبنائها بشكل يسمح لهم في التعامل بصورة إيجابية مع المواقف المثيرة للإحباط وتعليمهم كيفية التنفيس عن غضبهم بصورة سليمة دون تجريح أو إيذاء وتدريبهم على التحكم في انفعالاتهم وهذه الأمور أصبحت الآن تدرس ضمن مكونات الذكاء الوجداني، ولا يقع الدور فقط على الأسرة وإنما تتحمل المؤسسات التربوية أيضًا دورًا كبيرًا. فلا بد من غرس القيم الدينية التي تشير إلى ضرورة عدم إيذاء الآخرين (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) والتسامح، والعفو عند المقدرة، وضرورة احترام الرأي الآخر، ونبذ الطائفية والتعصب. فتعاليم ديننا الإسلامي تزخر بالأدلة التي تنبذ العنف كما أن السيرة النبوية مليئة بقصص من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وكيف كان يتعامل مع من يخالفه الرأي، والأفراد الآن بحاجة إلى قدوة حسنة ونموذج يقتدون به ووسائل الإعلام للأسف وخاصة ما يبث على القنوات الفضائية فيه الكثير من العنف الذي يجذب شريحة الأطفال والشباب فيعتبرونه السلوك الأمثل لحل المشاكل.

دراسات حول ظاهرة العنف

وعن السبيل لعلاج ظاهرة العنف تؤكد النصارquot; أننا نحتاج لتضافر الجهود لقيام بدراسات لرصد ظاهرة العنف وتحديد أسبابها وكيفية الحد منها وأعتقد أن بعض الجهات بادرت بعمل مثل هذه الدراسات فظاهرة العنف الطلابي تم دراستها وكذلك العنف ضد المرأة ولكن أتمنى من لجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة أن تتبنى دراسة هذه الظاهرة بحيث يتم دراسة كافة جوانبها ووضع خطط علاجية وتطبيقات عملية ولا تكون نتائج الدراسة حبيسة الأدراجquot;.

وحمّلت النصار الحكومة مسؤولية الحد من العنف وطالبتها بفرض قوانين رادعة لمواجهة العنف والمتسببين فيه بحيث يكون الجزاء من جنس العمل ويتناسب العقاب مع الفعل، وألا تقبل أي وساطات عند وضع العقوبات فيجب أن تشمل الجميع ويطبق القانون على الكل دون تفرقة، فنسمع كثيرًا عن قانون لحماية المعلم وآخر لحماية الأطباء وما زالت هذه القوانين قيد الدراسة ولا يعمل بها مع أن المطلوب أن يشعر المواطن والمقيم بالأمن أيًا كانت وظيفته أو مسماه الوظيفي وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت الحكومة حازمة في تطبيق القوانين.

وحول طبيعة المجتمع القبلية ومدى تأثيرها في تأصيل روح العنف في المجتمع أوضحت النصار أنه من المؤكد أن طبيعة المجتمع القبلية تؤثر كثيرًا في ظاهرة العنف فقد يلجأ بعضهم وليس الكل للعنف بسبب تعصبه لقبيلته وأحيانًا انتماؤه القبلي يفوق انتماءه الديني أو المذهبي أو حتى روح المواطنة لديه. وما من سبيل لعلاج القبلية سوى غرس قيمة المساواة ونبذ الطائفية والتعصب فلا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى وهذا ما نص عليه ديننا الإسلامي.

وبشأن إضمحلال ثقافة الحوار في أوساط المجتمع الكويتي إستبعدت النصار إنعدام ثقافة الحوار في المجتمع الكويتى بل تعتقد أنها تسود أكثر من ثقافة العنف. وقالت: quot;أبرز مثال على ذلك تعدد المنابر الاعلامية التي تقوم على ثقافة الحوار سواء على شكل محاضرات أو ندوات أو مناظرات. ولكن قد يخيل لبعضهم أن ثقافة العنف بارزة بشكل أوضح بسبب صغر المساحة الجغرافية للمجتمع الكويتي وقلة عدد سكانه نسبيًا، ومسؤولية القضاء على العنف مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات الدولة. فهي مسؤولية مجتمعية ولا بد من تضافر الجهود. ولا بد من أن تضم مناهجنا التعليمية آداب الحوار ومهارات التحكم بالانفعالاتquot;.

في ما يتعلق بدور الغزو العراقي عام 1990 في غرس روح العدوانية والعداء للآخرين أوضحت النصارquot; أن الغزو العراقي الغاشم مر عليه تسعة عشر سنة ومواليد الغزو أصبحوا الآن طلابًا في الجامعة ومن الخطأ تعليق أي ظوهر سلبية في مجتمعنا على شماعة الغزو فالآن أصبحنا نعاني من غزو من نوع آخر متمثل بالمسلسلات والبرامج التي تبثها القنوات الفضائية وما ينتشر في الانترنت من سلوكيات ترسخ العنف كسلوك مقبول. كما أن تركيبة المجتمع وما يحتويه من ثقافات متعددة وجنسيات مختلفة كل ذلك يتطلب ضرورة التعايش بشكل سليم مع هذه التركيبة فالمواطن الكويتي مثلا لا يجب أن يتكبر على غيره من الجنسيات فهذا السلوك ممكن أن يخلق حالة من العداء التي تتطور لسلوك العنف ضدهquot;.

ومن جانبه يقول د.محمد العجمى الباحث إلاجتماع والسياسى: العنف موجود في ثنايا المجتمع الكويتى وهوظاهرة بالفعل، وأعتقد أن العنف تجاوز العنف اللفظي إلى الجسدى، وما نشاهده تحت قبة البرلمان من صراخ ونبرات صوت حادة وحالة توتربين الكويتيين في الديوانية، والدواوين الحكومية ووصل إلى حد العنف الجسدى الذى شهد أشكال متعددة وأساليب مختلفة داخل أسوارالمدارس والمستشفيات، والأسرة الواحدة ومانسمعه من قصص غريبة عن المجتمع الكويتى لم تكن موجودة من قبل. ويعزي العجمى إنتشار ثقافة العنف في المجتمع الكويتى إلى جملة من الأسباب منها المناهج التربوية وطرق أساليب التربية، وعدم تماسك الأسرة، فضلاً عن عدم تطبيق القانون وغياب العدالة في وزارات الدولة.

وتابع : والحقيقة أن القانون لا يحترم وعدم وجوده بشكل صارم سواء في علاقات العمل أو المواطنين في الدولة ،لدرجة أن منشآت الدولة من مرافق حكومية أصبحت تستفز المواطنين حيث يحطمون مايشاهدونه على ساحل الخليج ويكسرونها وكأن هناك عداء معها ،ولو طبقت القوانين بعدالة على كافة المواطنين لأختفت مثل هذه الأساليب،لأن المجتمع يستقر بعدم وجود واسطات وتمايز وتقسيم بين مجتمع شيعي وسني وقبلي وحضري، وأبعد من ذلك تجار وغيرهم ومناطق خارجية وداخلية، وتقسيم المجتمع كأنه مستعمرات يعادي نفسه في المجتمع والحكومة، وأصحاب الأمر معنيّون بتطبيق القانون الذي لو طبق سيشعرون عندئذ بثقافة الحوار والعدالة وتسقر النفوس وتشعر بالإرتياح والعدالة.

ثقافة الفوضى وسلب الحقوق

وزاد :ونشاهد الواسطات في معظم المرافق الحكومية وحتى الترقيات والعلاوات والمناصب الوزارية، وتتكرر مشاكل كل وزارة في نظيرتها وبذلك تسود ثقافة الفوضى وسلب الحقوق وأصبح عندنا مجتمع يعاني من حالةالفوضى،أضف إلى الإنفلاتالذييصل إلى العنف الجسدي. فيحتاج الأمر إلى خطة شاملة محكمة ،والحكومة قادرة على ذلك وأبرز دليل على ذلكquot;لجنة إزالة التعديات على أملاك الدولةquot;والتى قامت بتطبيق القانون على الجميع ولم تستطع الواسطات في النيل منها أو إستثناء البعض من الإزالات حيثم كان من بين الإزالات دواوين لنواب حاليين وسابقين بمجلس الأمة .والسؤال لماذا لا تسير كل الأمور في الدولة على غرار ماقامت به لجنة إزالة التعديات على أملاك الدولة ؟.

خطة حكومية

ويرى العجمي أن السبيل لعلاج ظاهرة العنف في المجتمع الكويتى هو أن تضع الحكومة خطة محكمة مع إزالة سبل الفساد،وتواكبها بخط موازى خطة إعلامية تنويرية في الداخل ،مع تطوير المناهج الإعلامية التى تعمق ثقافة الحوار ،بالإضافة إلى قيام المفكرين بدور هام والمؤثرين من نواب الأمة وتبنى جسور الثقة يبن شرائح المجتمع ولو تم ذلك لأصبحنا مجتمع فاضل. وإنتقد العجمى الصحافة المحلية لأنها تسكب الزيت على النار وتؤجج الأومات وتعمل على التصعيد بإستثناء بعض الصحف التى تحرص على طرح الخطط التنموية أما الباقى فيتابعون القشور .

ومن جهته يقول د.مناور الراجحى ..أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة الكويت: أن النزعة القبلية كإنتماء لا تحب العنف، بل بالعكس مبنية على الألفة والمحبة والتسامح وكل ماجاء في شريعتنا الإسلامية، والقبييلة تحث على الترابط والتراحم والتعاون والمحبة، وكانت القبائل في السابق تتنازل عن دم أبنائها لدرء المفاسد،والألفة والعادات والتقاليد والقبائل لا تولد العنف، لكن المشكلة الحادثة الآن وأصبحت ظاهرة في المجتمع الكويتي هو لجوء الأبناء إلى ألعاب الجيمز والتى تحتوى على مشاهد العنف،واعتقد أن نسبة 95% من هذه الألعاب تدور حول الأمور الشريرة والسلبية مثل كيفية تكوين تشكيل عصابى وغيره ،وكل هذه الأمور ولدت عند الطفل روح الإنتقام والسيطرة والعدوانية ، كما تولدت لدى أبنائنا روح عدم المسؤولية والحرية غيرالمسؤولة المنفتحة وهذا لا يجوز من أدبيات التربية الحديثة.

غياب الاستقرار النفسي والأمني

وتابع: ولو أجرينا دراسة على الكويتيين فسيتبين أن عدد كبير منهم ليس لديهم إحساس بالإستقرار النفسى والأمنى لأن الأخطار تحيط يالكويت دائمافلابد من تولد العنف،لأن هناك خوف من البيئة المجاورة ،وثقافة العنف لم تتوقف على الأولاد فقط بل إمتدت لتصل إلى الفتيات وقديمًا كانت أصواتهن لا تسمع، أما الآن فالمشاجرات نسائية ndash;نسائية أو نسائية ndash;رجالية ، وكل المعني بدراسة هذه الظاهرة ووضع الحلول لها. وإنقد الراجحى :علماء وأساتذة الإحتماع الذين أجروا دراسات مختلفة عن ظاهرة العنف ولم يتوصلوا أو يطرحوا حلولاً، كما غابت عنهم بعض الامور وكان لديهم بعض الفرضيات، ومطالب بإعادة الدراسة.

وبالنسبة للدكتور يعقوب الكندرىعميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت سابقا فان العنف يعتبر سلوكا غير سويا. فهو من ترسبات التنشئة الاجتماعية التي يكتسبها الفرد بكونه فردا في المجتمع. فالسلوك العدواني هو إفراز من إفرازات التنشئة الاجتماعية غير السوية والتي تؤدي في النهاية لظهور مثل هذا الفعل المختلف في درجاته وحدته نسبيا.

ولا نستطيع ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نربط القبلية بالعنف، فالعنف يظهر في كثير من المجتمعات التي لا ترتبط أساسا بثقافات قبلية. فما هو مسؤول هو عملية التنشئة الاجتماعية التي يكتسبها الإنسان من مؤسسات مختلفة. وقد تكون احد هذه المؤسسات القبيلة أو الأسرة، ولكن أيضا الدولة هي مسئولة بمؤسساتها عن التنشئة الاجتماعية وبالتالي عن السلوك الإنساني إن كان سلوكا عنيفا أو سلوكا سويا. فالقبيلة أو الأسرة هي أحد المؤسسات المسئولة عن السلوك الإنساني ولكنها ليست المسئول الأول. هذا بالإضافة إلى أنه لا توجد دراسات علمية تؤكد أو تشير إلى أن القبيلة مصدرا للعنف أو أنها مسئولة عنه أو هي أحد مقوماته. وكذلك هناك جانب آخر مهم في هذا الموضوع والمتمثل في تعريف القبيلة نفسه والذي يختلف بتحديد تعريف جامع مانع. فمن الخطأ الاعتقاد أن القبيلة مفهوم من السهل تعريفه. فتتعدد المفاهيم والاختلافات حول مفهوم القبيلة نفسه.

عدم تقبل لآخر

وتابع انquot;انعدام ثقافة الحوار تعني سلوكا اجتماعيا مبنيا على عدم تقبل الآخر وفكره ورأيه، وهي تعني أيضا ما يسمى بالفكر الأوحد،أي رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي الآخر خطأ لا يقبل الصواب وهي قاعدة معكوسة عند الأفراد الذين لا يتقبلون الرأي الآخر، ومع الأسف الشديد نجد نماذج من هذه الشخصيات في حياتنا الاجتماعية، فانعدام ثقافة الحوار عند البعض مردة إلى عوامل التنشئة الاجتماعية، وقد تلعب الأسرة بالدور الأساسي والمهم في هذا الموضوع بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى مثل المدرسة والإعلام وجماعة الصحبة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية، وإذا ركزنا على الوالدين والأسرة تحديدا كونها نواة المجتمع، فإننا نجد خللا في الجوانب التربوية المتعلقة بهذه القضية.

فالشخصية العربية لا يتم بنائها على لغة الحوار. فالوالدين في الثقافة العربية يكبتان جماح الحرية الفردية للطفل منذ نشأته الأولى، فالثقافة العربية مبنية على ما يسمى بهرمية السلطة، أي تلقي الأوامر من فوق إلى تحت، وتنفيذها من تحت إلى فوق، أي السلطوية والإذلال والتوبيخ والأوامر من فوق، والخضوع والاستسلام والطاعة من تحت، فهذه الثقافة هي التي ولدت ثقافة انعدام المفاهيم الأساسية للحوار. فالتنشئة الاجتماعية في الثقافة العربية بدءا من الأسرة هي الأساس في هذه المشكلة، والتي تعززها أيضا المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي تكمل الثقافة الأسرية وتنعكس عليهاquot;.

وتابعquot; وللأسرة الدور الأول والأساسي، فهي نواة المجتمع وهي انعكاس له، وأي مشكلات اجتماعية موجودة داخل المجتمع ما هي إلا انعكاس للمشكلات الأسرية. فالأسرة هي الأساس كما بينا سابقا، وتأتي المدرسة بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية، فهي المرحلة الأخرى في حياة الطفل، وهي المرحلة الأخرى التي يتعلم منها الطفل العديد من الأمور المكملة لما تلقاه من الأسرة، وواقع الحال يشير في الثقافة العربية إلى إن سلطة الأبوين في الأسرة تنعكس بشكل مباشر على السلطة المدرسية وتمتد لتشمل أيضا إلى سلطة المؤسسات الأخرى داخل المجتمع. فسلطة المدرسة والعلاقة بين الطالب والتلميذ لا تتلف عن العلاقة بين الأب والابن والمبنية أيضا على الهرمية. وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الأخرى، والتي يتم التعامل فيها من ترسبات أسرية. فيتم التعامل بين صاحب العمل والموظف على أساس فوقي، فالسلطة الأعلى لا تقبل الجدال ولا تقبل الاختلاف معها بالرأي وتصل إلى أنها لا تقبل حتى بالنقاش، وذلك بحكم ما يسمى بالرأي الأوحد،أما فيما يتعلق بالشق الخاص بالجامعة فهي مؤسسة علمية يفترض منها القيام بمجموعة من الأدوار أهمها الدور التوعوي ودور تعزيز القيم المبنية على الحوار، وقبول الأخر واحترام الرأي والرأي المضاد. فدورها هام ورئيس في هذا الجانب.

وحول دورالغزوالعراقي في غرس روح العدوانية بين إفراد المجتمع أكد الكندري: أن ما حدث للكويت من اعتداء غاشم من قبل النظام العراقي البائد قد ترك كثير من الجوانب والآثار الاجتماعية والنفسية، فقد أثر العدوان على سلوك الإنسان الكويتي بشكل عام، وقد بينت العديد من الدراسات الخاصة في هذا المجال تأثيراتها على الجانب الاجتماعي والنفسي، فالعدوان قد رسخ مجموعة من المفاهيم العدائية عند الإنسان الكويتي الذي لم يكن يعرف العنف، واعتبر بشكل عام بأنه مسالم، فلم تمر تجربة قاسية على المجتمع الكويتي بكافة فئاته مثل تجربة الاعتداء العراقي الغاشم، فلجأ كثير من المواطنين وكردة فعل متوقعة للدفاع عن أنفسهم، وتكونت وتشكلت لديهم خبرات حياتية لم يكونوا قد مروا بها في السابق. وشاهدوا وتأثروا بكثير من المواقع بآثار التعذيب والتنكيل والقتل والاعتداء وغيرها من الأمور التي لم يكونوا قد اعتادوا عليها، ولذلك تشكلت مجموعة من الخبرات الحياتية الجديدة وتر سخت مفاهيم لم تكن موجودة في السابق، فالعدوان كان عبارة عن تغير اجتماعي ثقافي سريع وأثر بشكل مباشر على الكيان والبناء الاجتماعي والذي أثر بدوره على الشخصية المحلية.

وبشأن تغلب ثقافة العنف والقوة والقهر والسطوة على سلوكيات معظم شرائح المجتمع يقول الكندري quot; عندما لا يتم تطبق القانون، ولا تتحقق العدالة، ولا يتم محاسبة المسيء، وعندما يتولد شعور لدى المواطن والفرد إلا غياب لهيبة القانون وانتهاكه، فإن المتوقع هو سيادة هذا النمط من السلوك. فعندما يشعر الفرد بأن القانون مركون، وتلعب العلاقات الشخصية والمصالح المختلفة دورا بالموضوع، فخيار العنف قد يكون بديلا عن سلوك قويم يفترض أن يتمquot;.

مركز لعلاج العنف

وفيما يتعلق بسبل العلاج لظاهرة العنف في الكويت والتصور المستقبلي لهذه الظاهرة شدد الكندري على أن القضية لا تحل عن طريق فردي، فهناك مؤسسات متعددة ومسئولة عن الحل. فهناك أدوار مختلفة، أسرية، تشريعية قانونية، إعلامية توعوية، تربوية، وغيرها يفترض أن تقدم إسهامها في وضع الحلول والتي في النهاية تنصب في دور للمؤسسة التشريعية والتنفيذية، ودور الإعلام وأجهزته المختلفة، ودور مؤسسات المجتمع المدني، ودور المنهاج التربوي وغيرها. فمن هو مسئول عن تقويم السلوك جهات متعددة لا بد من أن تبادر في تقديم برامج لعلاج مثل هذه المشكلة. وعندما نقول برامج فنحن عني مجموعة من المشاريع العملية التطبيقية التي تستهدف وضع مجموعة من الآليات القابلة للتنفيذ والتطبيق. اعتقد إلى أنه قد آن الأوان لإنشاء مركز متخصص للعنف تتبناه مؤسسة رائدة في الكويت تكون على عاتقها وضع التصورات المناسبة وتحديد البرامج المهمة والتنفيذية.